ثقافة وفنون

المثقف والتطرف .. ثقافة الحياة في مواجهة ثقافة الموت

المثقف والتطرف .. ثقافة الحياة في مواجهة ثقافة الموت

المثقف والتطرف .. ثقافة الحياة في مواجهة ثقافة الموت

المثقف والتطرف .. ثقافة الحياة في مواجهة ثقافة الموت

لا شيء يعادل خطورة المثقف المتطرف، الذي يزين للآخرين طريق الإرهاب، ويسمم أفكارهم بالمفاهيم الهدامة المتطرفة، فيصبحوا أداة بيد الإرهاب، تهدم كل ما هو جميل ونقي في أوطانهم.
وفي المقابل، يقع على المثقفين والمفكرين مسؤولية مواجهة الفكر المتطرف، والمساهمة في تشكيل وعي المجتمع ونبذه للأفكار الظلامية، ونشر ثقافة الحوار والتسامح، بعد القضاء على المعايير المزدوجة في تعريف الإرهاب، لكن يعيب المثقف عدم قدرته الاقتراب من كافة شرائح المجتمع، ولم يتغلغل بثقافته كما يجب، بل بقي دوره نخبويا، لم يستطع أن يؤثر في الشباب كما يجب، في حين يرى بعضهم أن التطرف هو من أثر على المثقف، لا العكس.

أزمة تضرب العالم
يمر العالم العربي خاصة، والعالم بأسره، بمرحلة تاريخية مع الإرهاب بمختلف أشكاله وتعريفاته، ولعل المشكلة الجوهرية في هذا الجانب هو أن ما تعده دولة ما إرهابا، هناك دولة أخرى لا تعده كذلك، والأمر ذاته ينعكس على الجماعات والتنظيمات الإرهابية، فتقوم بتغذيته ودعمه بشتى الوسائل والطرق، ما يشكل خطرا على المجتمعات وأفرادها.
وما يعمق من أزمة التطرف، نشأة المثقف وسط الفوضى الطائفية، أو أزمات التطرف والإرهاب، وإلغاء الآخر، ليصبح المثقف بمنزلة "المروج" لهذه الأفكار التي ظل يتغذى بها لسنوات طوال، أكثر من كونه مصلحا لمجتمعه أو منتجا للثقافة والإبداع.
هذه "الرواسب" والفوضى أثرت على المثقفين إلى حد عدم القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب، فيقع في فخ التطرف في أول اختبار يواجهه.

جبهة المثقفين
في كتابه "قبضة جمر.. دور المثقفين في مواجهة الإرهاب"، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يقول الشاعر اللبناني محمد غبريس، إن عديدا من الدول العربية والأجنبية تعرضت لأعمال إرهابية بوجوه متعددة، وتحت عناوين وشعارات مختلفة، وشعر الجميع بأن الإرهاب لن يوفر أحدا، وانطلقت الحملات لمكافحته في كل مكان، الأمر الذي نتج عنه ردات فعل دموية وقاتلة.
ما يميز الكتاب هو تأكيده على فاعلية دور المثقف في مواجهة التطرف والتعصب والعنف والإرهاب، ووضعه حلولا ومواقف يجب أن يتحلى بها المثقف أثناء وقوفه في وجه العاصفة، منها الكتابة والتوعية وإنتاج الأفكار العميقة، وغرس هذه الأفكار بدءا من المدرسة، إذ يتساءل بعضهم: ماذا لو قرأ الانتحاري أو الإرهابي رواية لنجيب محفوظ وقرأوا لعبدالرحمن منيف.. فهل ستتغير المعادلة؟
فيما يرى وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي في شهادة تضمنها الكتاب، إن الحل في إقامة جبهة عربية واسعة للمثقفين القادرين على تحويل فعل السياسة إلى قوة تغيير، وحماية للعقل والدين والمجتمع.

ثقافة الحياة
ثقافة الحياة في مواجهة ثقافة الموت، هكذا هي المعادلة باختصار كما يراها مثقفون، الذين يرون أن الحل ثقافي بامتياز، ويجب أن يخرج المثقفون في كل بلد بتصور واحد واستراتيجية تنويرية واحدة، والخروج من صراعاتهم الشخصية، والخروج بالثقافة من إطارها الضيق إلى إطارها العام، المؤثرة في المجتمع.
ويرى مثقفون في مقالاتهم أن إقامة المؤتمرات والندوات والمحاضرات لن يغير شيئا من طبيعة الحال؛ فهي فعاليات لا تصل للفرد العادي، وتوصياتها لا تخرج عن نطاق النخبة، فيما المعركة الفكرية تحتاج إلى فعل جماعي وأدوات مبتكرة، تحت مظلة وزارة الثقافة، الوزارة الفتية بتاريخ إنشائها والعريقة بخبرات وزيرها، واستجابة لحديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار"، الذي تعهد فيه بالقضاء على التطرف والأفكار المتشددة.
المجتمع السعودي، بشهادة القاصي والداني، يعيش مرحلة من الانفتاح على ثقافات العالم، والخروج من العزلة الثقافية إلى أفق واسع من الرؤية وثقافة النقاش وتقبل الآخرين، مهما كانت أفكارهم، ولعل المرحلة المقبلة ستكون خير تجربة لجهود وزارات الدولة ورؤيتها واستراتيجياتها التي وضعت لمحاربة هذه الآفة القاتلة.

التطرف يبدأ من المنزل
قبل نحو أربعة أعوام، عقد مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لقاءه الوطني العاشر للحوار الفكري حول "التطرف وآثاره على الوحدة الوطنية"، وفيه التقت "الاقتصادية" حشدا من المثقفين والأكاديميين الذين حاولوا بلورة أفكارهم للخروج برؤية مشتركة ضد التطرف. واتفق المشاركون على أن اختفاء الوسطية من المنزل هي إحدى أسباب نشأة التطرف لدى الفرد، فيصاب بمظاهر التعصب بالرأي، وسوء الظن بالناس، ورفض السلطة وأعراف المجتمع، والتشدد والغلو، وقالوا إن التطرف منتج منذ العصر الجاهلي، سيستمر ما لم يجد المجتمع مخرجا. ومن مظاهر التطرف الذي رصدها اللقاء، حدة التعامل مع المختلف، التعصب للذات فكرا وسلوكا، المسارعة إلى التكفير، النظرة التشاؤمية للغير والحياة، اعتزال المجتمع والأهل، وتشويه صورة الوطن وحكامه وعلمائه، وجميعها مظاهر فكرية تبرز ضرورة صياغة رؤية وطنية شاملة لمواجهة مظاهر التطرف والتشدد، ليُبنى عليها استراتيجية وطنية شاملة تُؤسس على تصور صحيح لواقع التطرف وتحدد لكل مواطن أيا كان موقعه دورَه في هذه المواجهة، إضافة إلى أهمية استيعاب الطاقات الشبابية، ووضع تعريف إجرائي للتطرف فكرا وسلوكيات، وتحرير المصطلحات ذات الصلة بالتطرف والغلو والتكفير والإرهاب وتضمينها في المناهج الدراسية، وتدريب محاورين متمرسين وقادرين على التعامل الناجح مع المتطرفين، ووضع دراسة مؤصلة عن مسألة التعايش السلمي في الإسلام في النظرة للآخر والتعامل معه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون