FINANCIAL TIMES

مخاطر أمنية في هيمنة التكنولوجيا الصينية

مخاطر أمنية 
في هيمنة التكنولوجيا الصينية

إعلان الحكومة البريطانية أنها ستوسع سلطاتها الخاصة بتدقيق ومنع الاستحواذ الأجنبي لأسباب تتعلق بالأمن القومي على نحو يجعلها أقرب إلى نهج الولايات المتحدة وبلدان أخرى، بما في ذلك ألمانيا وأستراليا.
يأتي هذا في أعقاب عقود من الغموض البريطاني الغريب بشأن الجهة التي تتحمل المسؤولية عن القلق بشأن هذه التداعيات الأمنية، ناهيك عن الصلاحية لفعل أي شيء. كما أن هذا هو جزء من اتجاه دولي، حيث تستيقظ البلدان الغربية على الملكية الفكرية التي ربما تخسرها، أو عوامل التبعية التي يمكن أن تؤدي إليها. فإذا أضفنا إلى ذلك الإدراك في السنوات الأخيرة أن الهجمات السيبرانية المتطورة تتم بشكل متزايد من خلال سلسلة التوريد ويجري دفنها عميقا في البنية التحتية للإنترنت، فإن التوتر الغربي بهذا الشأن أمر مفهوم.
الانتقادات الحادة التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لألمانيا بسبب دعمها لخط أنابيب غاز "نورد ستريم 2" ودفاعه عن إنتاج الصلب المحلي لأسباب تتعلق بالأمن القومي تتلاءم مع هذا النمط الأخير. قد تكون الرسوم الجمركية على الصلب مدفوعة بالحمائية، لكن ترمب يطرح نقطة معقولة. القلق بشأن الاعتماد المفرط على مصدر طاقة بعينه، أو أمن إمدادات سلع مهمة ليس أمرا جديدا بأي حال في السياسة الخارجية.
لكن روسيا والصين تشكلان تحديات مختلفة للغاية عند تقاطع الأمن الاقتصادي والوطني. النفوذ المحدود لروسيا يوجد في الطاقة قديمة الطراز وليس في التكنولوجيا. ومع تراجع اقتصادها الذي هو بحاجة إلى إصلاح، ستضطر إلى الهجوم وسيسعى الغرب إلى احتواء ذلك. حين ننظر إلى الأمر من منظور المسؤولين الأمنيين في موسكو، فإن الإنترنت هو مؤامرة أمريكية ضخمة، وإن كانت مؤامرة مفتوحة على نحو ملائم للاستغلال غير المتماثل، سواء من خلال الهجوم السيبراني أو الدعاية. لكن إساءة استخدام روسيا للإنترنت هي في أساسها تكتيكية.
يختلف التحدي الذي تطرحه الصين اختلافا جذريا ويجلب الفرص والمخاطر على نطاق جديد كليا. تصنع الصين ما يقدر بـ 90 في المائة من أجهزة تكنولوجيا المعلومات في العالم، بما في ذلك ثلاثة أرباع جميع الهواتف الذكية. وقد ظل هذا صحيحا لسنوات كثيرة، ما يعني أن الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل متزايد على بنية تحتية عالمية لتكنولوجيا معلومات تصنع في الصين.
من الصعب أن نتوصل إلى تحديد كمي لمقدار المخاطر التي تنطوي عليها هذه التبعية. بالتالي، الفضاء الإلكتروني يعرض على صناع السياسة التقليديين تحديا جديدا. في الماضي، كنا معتادين على الخلافات حول من حكم وأبحر في أعالي البحار، ولكننا لم نكن نتحدث قط عن من صنع الماء.
وحتى هذا الاعتراف بحجم إنجاز الصين يفوت الفكرة. التحدي الحقيقي الذي يواجهه الغرب في هذا القرن ليس هو أن التكنولوجيا الصينية موجودة في كل مكان، وإنما هو أن الصين تقود العالم بشكل متزايد. وقد تم توضيح ذلك على أفضل وجه في الأشهر الأخيرة في قطاع اتصالات الجوال. تحتاج الحكومات إلى تقديم خدمة أسرع في إنترنت النطاق العريض وتكنولوجيا الجيل التالي من الهواتف (الجيل الخامس) لسكانها المتعطشين للبيانات. كبار الموردين لهذه التكنولوجيا هم جميعا من الصينيين.
باستثناء إيجاد بدائل محلية، وهو أمر يبدو غير واقعي، تراوح الخيارات بين أن نحرم أنفسنا من التكنولوجيا الصينية والاستثمار باسم التهديد المحتمل، أو العثور على طرق لإدارة المخاطر الأمنية.
في مواجهة هذه المعضلة جاءت استجابة الحكومات بطرق متنوعة. حظرت الولايات المتحدة جزئيا بعض الشركات الصينية، ويبدو أن أستراليا ستفعل ذلك أيضا. ورحب بها آخرون عبر آسيا وإفريقيا وأوروبا بحماس. اتخذت المملكة المتحدة طريقا وسطا، في محاولة لطمأنة نفسها بشأن المخاطر من خلال التدقيق في البرامج والأجهزة التي تولت هواوي تركيبها في شبكات المملكة المتحدة.
نجحت تجربة المملكة المتحدة في تطوير قدرات جديدة لفحص كميات هائلة من البرامج لتحقيق مستوى معين من ضمان الأمان. لكنها توضح أيضا صعوبة فهم سلسلة توريد تكنولوجيا المعلومات، ناهيك عن ضبطها. هناك عدد من الأسباب لذلك. عوامل التبعية في تكنولوجيا المعلومات معقدة ولا يمكن رؤيتها بسهولة. يمكن أن تكون سلسلة التوريد طويلة للغاية بالتأكيد. قد تقوم الشركة البائعة للبرنامج بالتعاقد من الباطن على البرنامج الخاص بها عدة مرات.
وحتى في الحالات التي يمكن فيها التدقيق في الأجهزة والبرمجيات، فإن تحديد الفرق بين الخطأ الهندسي وبين "الباب الخلفي" المتعمد هو في كثير من الأحيان مسألة حكم. المهارات والموارد اللازمة لفحص سلسلة التوريد العالمية على نطاق واسع هي ببساطة ليست موجودة.
لكن شركات الاتصالات ليست سوى البداية. خلال السنوات الـ 20 المقبلة، ستظهر الصين على أنها بارزة في عدد لا يحصى من مجالات التكنولوجيا. حدد الرئيس تشي جينبينج صراحة هدف أن تكون الصين هي الرائدة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المتقدمة الأخرى بحلول عام 2030. ودعم هذا الأمر بخطة تنمية مثيرة للإعجاب وممولة بشكل جيد. في العام الماضي، كان هناك مزيد من الأبحاث حول هذا الموضوع منشورة في الصين أكثر من الولايات المتحدة. نقول لأنفسنا إن الديمقراطية الليبرالية الغربية هي مفتاح الإبداع في التكنولوجيا، لكن تبين أن الاقتصاد المركزي يمكن أن يحقق الابتكار بشكل جيد.
يحتاج الغرب إلى استجابة سياسية متأصلة في فهم التكنولوجيا والسياسة الخارجية. بعض من هذا سيكون في الصناعة، وهي نقطة اعترف بها براد سميث، رئيس "مايكروسوفت"، هذا العام. يجب علينا ألا نقطع أنفسنا عن تألق التكنولوجيا الصينية، لكننا بحاجة إلى تقييم أكثر نضجا للمخاطر.

* الرئيس التنفيذي لشركة بلو فويانت يوروب BlueVoyant Europe ومدير سابق لوكالة المخابرات التكنولوجية والإلكترونية في المملكة المتحدة GCHQ
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES