FINANCIAL TIMES

تشخيص «المرض الصيني» .. نيران الديون غير الصديقة تفرمل الإقراض

 تشخيص «المرض الصيني» .. نيران الديون غير الصديقة تفرمل الإقراض

 تشخيص «المرض الصيني» .. نيران الديون غير الصديقة تفرمل الإقراض

 تشخيص «المرض الصيني» .. نيران الديون غير الصديقة تفرمل الإقراض

"إذا كان هناك شيء لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، فسوف يتوقف". هذا البيان يعود في الأصل إلى مقولة لهيربرت شتاين، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في عهدي كل من ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، والغاية من ذلك هي القول لنا إن الدَّين لا يمكن أن ينمو أسرع من الاقتصاد إلى الأبد.
هذا ينطبق على الصين أيضا. ما لا نعرفه هو متى وكيف سينتهي؟ هل سيكون عاجلا أم آجلا؟ هل سيكون من السهل التعامل معه أم أنه سيكون مدمرا؟ القدرة على إدارة الديون المحلية الهائلة في الصين ستكون ذات أهمية كبرى، ليس فقط بالنسبة للصين، ولكن بالنسبة إلى الاقتصادات الكثيرة التي تعتمد صادراتها عليها.
لا يمكننا حتى الآن معرفة كيف ستنتهي موجة ارتفاع الديون. لكننا نعرف بالتأكيد كيف بدأت. الزناد الذي أطلق الديون هو الأزمة المالية العالمية. بين أوائل عام 2004 وأواخر عام 2008، كان الدين الإجمالي الصيني مستقرا بين 170 و180 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وكان هذا أعلى مما هو عليه في البلدان الناشئة الأخرى، ولكن ليس أعلى من ذلك بكثير. كان هذا يبدو أنه حجم يمكن التعامل معه.
في عام 2008، جاء انهيار النظام المالي الغربي والركود العميق اللاحق في البلدان ذات الدخل المرتفع. استجابت الصين للأزمة بشكل فوري، وببرنامج استثماري ضخم يبلغ نحو 12.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وربما كان أكبر برنامج تحفيزي على الإطلاق في وقت السلم.
وكان التحدي الذي تواجهه بكين هو تعويض الأثر الناتج على الطلب بفعل الانخفاض في صافي الصادرات الصينية بنسبة 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2007 و2011.
في عام 2007، كان صافي الصادرات نحو 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبما أن هذا لم يكن مستدامًا اقتصاديًا ولا سياسيًا، فقد كان الانخفاض دائمًا.
مثل هذا الانخفاض في صافي الطلب الخارجي يحتاج إلى تعويض دائم وبالنظر إلى هيكل الاقتصاد والروافع المتاحة في أيدي السلطات، فإن الاستثمار هو الذي يمكن أن يزداد بسرعة كافية وعلى نطاق واسع بما فيه الكفاية.
ونتيجة لذلك، ارتفع نصيب إجمالي الاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي من 41 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (المرتفع أصلا بشكل حاد) في عام 2007 إلى 48 في المائة في عام 2010.
حافظت هذه الطفرة الاستثمارية الضخمة على النمو المدروس نحو 10 في المائة بعد الأزمة. كما أدى هذا إلى ارتفاع ضخم ومتواصل في الديون، في الغالب للشركات غير المالية، بما في ذلك أدوات التمويل الحكومية المحلية خارج الميزانية العمومية. بشكل ينذر بالخطر، فإن ارتفاع الديون، بدلا من أن يرفع معدل النمو الكامن في الصين، تبع ذلك تباطؤ ملحوظ.
على المدى الأطول، حقق معدل الاستثمار المرتفع في الصين مزيجًا مثيرا للقلق من مزيد من الديون والنمو البطيء.
وفقا لمعهد التمويل الدولي بين الربعين الأخير من عام 2008 والأول من عام 2018، انفجرت الديون الإجمالية للصين من 171 في المائة إلى 299 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وهناك مقياس بسيط لكفاءة الاستثمار هو نسبة الإنتاج الرأسمالي المتزايدة، الذي يقيس نسبة معدل الاستثمار إلى معدل النمو. وحتى الأزمة، لم تتجاوز نسبة الإنتاج الرأسمالي المتزايدة لأي فترة متواصلة عن 4 في المائة. على أنها منذ عام 2011، كانت قريبة من 6 في المائة.
كان الأمر كما لو أن البلدان ذات الدخل المرتفع قد مررت عصا الائتمان إلى الصين. بالنسبة لبكين، كان لهذه الاستجابة للأزمة المالية عيب إضافي -صرف الانتباه عن إعادة التوازن الضروري لاقتصادها.
في عام 2007، أعلن وين جيا باو، رئيس الوزراء في ذلك الحين، أن نمو الصين "غير مستقر وغير متوازن وغير منسق وغير قابل للاستمرار".
في تلك السنة، كان صافي الصادرات هو 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بارتفاع عن نسبة 2 في المائة في عام 2000، وكانت نسبة الاستثمار هي 41 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بارتفاع عن نسبة 34 في المائة في عام 2000، وكان الاستهلاك العام والخاص مجرد 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كان بنسبة 63 في المائة في عام 2000، وكان إجمالي الديون 174 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كان بنسبة 146 في المائة في أواخر عام 2000.
وبحلول عام 2017، عادت نسبة صافي الصادرات إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي: وهذا كان بالتأكيد يمثل إعادة توازن، لكن الاستثمار كان لا يزال أعلى مما كان عليه في عام 2007، حيث بلغ 44 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكان الاستهلاك الخاص والعام لا يزال يمثل نسبة 54 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وحلقت الديون لتصل إلى ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي.
خلاصة القول هي أن إعادة التوازن إلى الحسابات الخارجية للصين جاء على حساب الاختلالات المحلية التي باتت أكبر من الاختلالات في الحسابات الخارجية.
لذلك نتساءل: ماذا سيحدث الآن؟ هناك أربعة احتمالات يمكن تصورها: أزمة، يليها انخفاض النمو. أو أزمة، لا يتبعها انخفاض النمو. أو لا توجد أزمة، لكن مع انخفاض النمو. أو لا أزمة ولا انخفاض في النمو.
في بحث نشر في عام 2010، جادل كل من موريتز شولاريك من جامعة برلين الحرة وألان تايلور من جامعة كاليفورنيا في ديفيس بأن "نمو الائتمان هو مؤشر قوي على الأزمات المالية".
هذه النتيجة كانت من قاعدة بيانات تضم 14 بلدا عالية الدخل، لكن بحثا من تأليف سالي شين وجونج شيك كانج من صندوق النقد الدولي نشر هذا العام، يجادل بأن الأدلة تنطبق أيضا على الصين، حيث يقول: "طفرة الائتمان في الصين هي واحدة من أكبر وأطول الطفرات في التاريخ. السوابق التاريخية للطفرات الائتمانية ’الآمنة‘ التي بهذا الحجم والسرعة هي قليلة ولا تبعث على الراحة ولو من بعيد".
يشير هذا التحليل إلى أن من المرجح حدوث أزمة من نوع ما. السمات البارزة للنظام الذي هو عرضة للأزمة هي: الرفع المالي العالي، والتباين في تواريخ الاستحقاق، ومخاطر الائتمان، وغياب الشفافية. النظام المالي في الصين لديه كل هذه السمات. من بين أمور أخرى، تمتلك الصين قطاعاً من مصرفية الظل، على الرغم من أن دراسة قام بها بنك التسويات الدولية تجادل بأن "التوريق المالي والأدوات المستندة إلى السوق لا تزال تلعب دورًا محدودًا فقط". النظام الصيني، بشكل إجمالي، هو أقل تعقيدا وأكثر ارتباطا مباشرة بالمصارف مما كان عليه النظام الأمريكي.
فلماذا إذن قد تختلف النتيجة في الصين عن غيرها؟
أحد الأجوبة هو أن المديونية العالية هي نتيجة لمعدلات الادخار غير العادية في الصين. على أن معدلات الادخار الوطنية كانت مرتفعة أصلا قبل الأزمة، عندما لم تكن مستويات المديونية في حالة انفجار.
اقتراح آخر هو أن النمو السريع في الائتمان هو ببساطة علامة على التوسع الطبيعي في تقديم الخدمات المالية. بحث صندوق النقد الدولي يشير إلى ما يلي: "نسبة الرفع المالي في الصين أعلى بكثير من البلدان التي تمر بمستويات تنمية مماثلة".
ويمكن أيضا أن نجادل أيضا بأن الصين دولة دائنة لديها حساب رأسمال خاضع للسيطرة. وهذا يجعلها غير ضعيفة نسبياً لتدافع المقرضين الأجانب لسحب أموالهم من النوع المألوف لمراقبي الأزمات المالية في الاقتصادات الناشئة.
ومع ذلك، فإن الأزمات المالية ممكنة في البلدان التي هي محصنة نسبياً من مثل هذه الحالات من سحب الأموال: اليابان في التسعينيات هي مثال على ذلك.
هناك رد آخر على ذلك وهو أن النظام المصرفي في الصين لديه نسبة ائتمان إلى الودائع أقل من نظيره في معظم البلدان التي شهدت أزمات تمويل. على أن هذا يتجاهل الأصول غير المقترضة.
في الصين بلغت نسبة الأصول غير المتعلقة بالقروض –الأصول غير القروض المصرفية التقليدية– إلى إجمالي الأصول 50 في المائة في عام 2016، وهو مستوى مرتفع نسبيا. هذا مؤشر على حجم نظام الظل المصرفي في الصين.
كما تم التأكيد على أن أصول النظام المالي سليمة نسبيًا. صحيح أن الإقراض إلى المقترضين غير الماليين من الشركات يمثل أكثر بقليل من نصف الزيادة في الديون بين أواخر عام 2008 وأوائل عام 2018.
نوعية كثير من هذا الإقراض مشكوك فيه. علاوة على ذلك، يقول بحث صندوق النقد الدولي: "إذا كان الدين يرتفع، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي ليس كذلك، لذا فإن القدرة على السداد تتدهور".
الرد الأقوى هو أن الحكومة قوية ولديها بنك مركزي مدار بشكل جيد، وسيطرة فعالة على النظام المصرفي، وملكية أصول محلية وأجنبية ضخمة، وقدرة غير مستغلة من المالية العامة، وضوابط مشددة على المعاملات مع الأجانب ومن قبلهم.
إذا كانت الصين مصممة على حماية النظام المالي من الانهيار، فيمكنها القيام بذلك، لكن إذا كان إجمالي الديون سيرتفع فوق نسبة 400 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العقد المقبل فإنه حتى هذه النتيجة ستكون موضع شك.
تخيل أن هناك أزمة مالية. هل سيتبعها انخفاض في النمو؟ الإجابة هي: نعم، على الأجلين القصير والطويل.
على المدى القصير، قد يعقب أي أزمة مالية ضعف في الاستثمار. وبالنظر إلى الانخفاض في معدل الاتجاه العام للنمو، فإن المعدل المبرر اقتصادياً بالكاد سيكون أعلى مما كان عليه في عام 2000، عندما كان 34 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
هذه النسبة هي أقل بمقدار 10 نقاط مئوية من المعدل الفعلي في عام 2017. إذا كان هذا التعديل سيأتي بسرعة، في أعقاب الأزمة، فإن الانخفاض الذي من هذا القبيل سيولد ركودا صريحا.
وسيعتمد نطاق ومدة هذا الركود على مدى وسرعة ارتفاع أوجه الإنفاق الأخرى. ربما تشعر الصين بالإغراء لكي تعود إلى سعر صرف أضعف وزيادة كبيرة في صافي الصادرات.
على أن إدارة ترمب لن تتحمل هذا الوضع. البديل سيكون هو الاستهلاك الأعلى بكثير في القطاعين الخاص والعام.
والقيود على سعر الصرف هي ارتفاع معدلات المدخرات الأسرية باستمرار وانخفاض نصيب الدخل القابل للتصرف للأسر (الدخل بعد الضرائب والتحويلات) من الناتج المحلي الإجمالي.
انخفض هذا الأخير من 67 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1997 إلى 57 في المائة في عام 2007. وقد انعكس هذا قليلا، إلى ما يقدر بنحو 61 في المائة في عام 2015، لكن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أنه انخفض قليلا منذ ذلك الحين.
سيكون من المستحيل حدوث زيادة في الاستهلاك تكفي لتعويض الأثر على الطلب المحلي الناتج عن خفض كبير في الإنفاق الاستثماري من دون تحول أكبر بكثير في الدخول نحو الأسر.
علاوة على ذلك، فإن ذلك من شأنه أن يضغط على الأرباح، الأمر الذي سيقلل الاستثمار أكثر حتى من قبل. في نهاية المطاف، التعويض الوحيد المعقول عن الأثر الناتج عن أزمة كبيرة في الطلب سيكون زيادة ضخمة في الإنفاق الذي تموله الحكومة المركزية.
بالتالي الأزمة من شأنها على الأرجح أن تعني ركودًا على المدى القصير. على المدى الأطول، سوف يتباطأ النمو أيضا عن المستويات المسجلة الحالية. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ضياع جزء كبير من الإنفاق الاستثماري المدفوع بالائتمان، جزئياً في بناء المساكن غير الضرورية والقدرة الصناعية المفرطة.
ماذا عن عالم أكثر استساغة مع عدم وجود أزمة؟ هذا من شأنه أن يمثل تباطؤا معقولا في النمو الاقتصادي دون إثارة التضخم والبطالة. وكلما أطالت السلطات السيطرة على اتجاهات الديون، كان من الصعب تحقيق مثل هذه النتيجة.
على أن من الواضح أن هذا هو المبدأ المحرك وراء السياسة الحالية، التي تهدف إلى تعزيز النظام المالي ووقف الاتجاه نحو ارتفاع الديون. مقدار صعوبة الالتزام بهذه المبادئ يظهر بالضبط من خلال إعلان هذا الأسبوع جولة أخرى من الإنفاق على البنية التحتية، من أجل تحفيز الطلب. وهذا يعني ضمنا مزيدا من الاستثمار والديون. ويبقى أن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة قد تجعل مثل هذا التراجع حتمياً.
ما مدى احتمالية النجاح؟ السمة المشجعة في الماضي القريب نسبيا هي أن الديون مستقرة، مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، منذ أوائل عام 2017. ومع ذلك، فقد استمر النمو المعلن عنه رسميا بالصمود.
والسؤال الواضح إذن هو ما إذا كان فريق السياسة الاقتصادية، الذي أصبح الآن تحت قيادة نائب رئيس مجلس الوزراء ليو هي، قد وجد الآن وسيلة لاستدامة النمو دون زيادة المديونية.
من المعقول أن نكون متشككين. بعد كل شيء، حققت الصين هذه الفترة الوحيدة من معدلات الديون المستقرة منذ عام 2008. نظرا لاعتمادها على الاستثمار العالي، قد تحتاج الديون إلى الارتفاع بسرعة مرة أخرى.
علاوة على ذلك، فإن التباطؤ في نمو الائتمان يمكن أن يكون مثالاً لقانون جودهارت، الذي سمي على اسم تشارلز جودهارت من كلية لندن للاقتصاد.
ينص هذا القانون على أنه: "عندما يصبح المقياس هدفا، يتوقف عن كونه مقياسا جيدا". هذا كان ينطبق منذ فترة طويلة على الناتج المحلي الإجمالي في الصين. هل يمكن أن ينطبق ذلك الآن على الديون المبلغ عنها؟
ذكرت صحيفة الشعب اليومية، وهي الصحيفة الرئيسة للحزب الشيوعي، في أيار (مايو) 2016 أن "شخصية رسمية" -يعتقد على نطاق واسع أنها ليو قالت: "الرفع المالي العالي هو ’الخطيئة الأصلية‘ التي تؤدي إلى مخاطر في سوق العملات الأجنبية والأسهم والسندات والعقارات والائتمان المصرفي".
علاوة على ذلك، "وفقاً للشخصية الرسمية، يجب على البلاد أن تجعل من عملية تخفيض المديونية أولوية، ويجب التخلي عن ’وهم‘ تحفيز الاقتصاد من خلال التيسير النقدي.
يجب على البلاد أن تكون سباقة في التعامل الاستباقي مع ارتفاع القروض المعدومة، بدلاً من إخفائها".
هذه الشخصية الرسمية كانت على حق. الصين لديها خيار بين شهقة خفيفة اليوم وفرقعة مدمرة غداً. تستطيع الصين أن تحد من زيادة الديون وتسمح للنمو بالتباطؤ الآن، أو المخاطرة بحدوث أزمة يتبعها تباطؤ حاد في وقت لاحق.
سيكون من الصعب إجراء التغييرات اللازمة، خاصة الآن، عندما تبدأ حرب تجارية. ومع ذلك، إذا سمحت سلطة الرئيس تشي جين بينج التي يبدو أنها غير محدودة له بفعل أي شيء، فلا بد أن يكون الحل هو هذا. آن الأوان لوقف زيادة الديون الصينية، قبل النتيجة الحتمية: انفجار فقاعة مدمر.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES