الاسم المستعار .. قناع الأديب في واقع مرير

الاسم المستعار .. قناع الأديب في واقع مرير
الاسم المستعار .. قناع الأديب في واقع مرير

عبر تاريخ الأدب الممتد، كان المثقفون يختارون التخفي خلف أسماء مستعارة لظروف متفاوتة، إلا أنه سرعان ما يكتشف أمرهم، ولو بعد حين.
واختيار الشاعر أو الروائي اسماً مستعاراً له، كان - ولا يزال - تقليداً وعرفاً أدبياً، يلجأ إليه الأدب طوعاً تارة، وكراهية تارة أخرى.

مآرب شتى

بالطبع ليس سهلاً على الأديب أن يتخلى عن إنتاجه الأدبي الناجح خلف اسم مستعار، لكن هذه الظاهرة راجت بشكل كبير في الأنظمة الدكتاتورية والحروب وحقبات الاحتلال والاستعمار والانتداب، إذ يختبئ الكاتب خلف اسم مستعار ليكتب من ورائه أدباً ونثراً بجرأة عالية، حتى يقي نفسه شر الاعتقال والتعذيب حتى الموت.
لاحقاً أصبح "الاستعاريون"، كما يلقبهم البعض، يتوارون خلف أسمائهم الوهمية لنيل قسط من الحرية والتحدث بطلاقة، بعيداً عن أعين السلطة والرقابة، والرقابة الدينية أو الاجتماعية.
لكن التخفي خلف الأسماء المستعارة وصل فيما بعد إلى مرحلة متقدمة، ولم يعد لمجرد التخفي من أجل مواجهة الواقع المرير، بل أصبح اختياراً طوعياً، يرسخ هوية المثقف الأدبية، وأصبح مغامرة جميلة وساحرة لكثيرين، للتعبير عما يجول بخاطرهم من خلجات النفس الدفينة.
أما عن طبيعة هذه الأسماء، فلكل اسم قصة ومعنى، فأدباء اختاروا اسماً مستعاراً واحداً، وآخر اختار لكل رواية اسماً مختلفاً، ومنهم من كتب بأسماء قريبة من أسمائهم الصريحة، ومن اختار لقباً أو كنية أو حروفاً رمزية، فيما وصل الأمر إلى تشارك أديبين أو أكثر في اسم مستعار واحد واستخدموه بالتناوب، وظهرت روايات بأسماء رجال كان مؤلفوها هن روائيات، والعكس.

أسماء وأسباب

في عالم الأدب مئات الأسماء المستعارة، أبرزها تجربة الكاتب والتاجر الإنجليزي دانيال ديفو الذي كتب في عام 1719م رواية "روبنسون كروزو"، واختار أن يكون اسم المؤلف هو اسم البطل والرواية أيضاً، واستخدم في مسيرته نحو 190 اسماً مستعاراً، بسبب مشكلاته القانونية، وكتاباته الحادة وآرائه السياسية.
ولعل أكثر الأسماء العالمية شهرة في هذا الجانب "فولتير"، وهو الكاتب الفرنسي فرانسوا ماري آروويه، الذي كتب 16 إنتاجاً أدبياً بالاسم المستعار وآلاف الرسائل، واختار اسمه هذا حتى لا يتعرف أحد على عائلته وماضيه.
ومن أجل النظرة العنصرية تجاه السيدات في عام 1846م، اختارت الأديبات والأخوات إيميلي جين برونتي، شارلوت برونتي، آن برونتي، الأسماء "إيلي بيل، كيور بيل، أكتون بيل"، وكانت تلك علامة فارقة في تاريخ الأدب، وهو ما فعلته أيضاً المؤلفة ماري آن إيفانس بعد تلك الحادثة بـ 30 عاماً، واختارت "جورج إليوت" اسماً مستعاراً.
أما الشاعرة والروائية الأمريكية سيلفيا بلاث؛ فاختارت اسم "فكتوريا لوكاس" لسهولة نطقه، إذ كان القارئ يعاني أثناء نطق اسمها الأول، والسبب ذاته لـ "كلويه أرديلا ووفورد" التي اختارت "طوني موريسون" اسماً لها.
فيما اختار تشارلز لوتويدج دودسن مؤلف رواية "أليس في بلاد العجائب" اسم "لويس كارول"، ووضعه على غلاف الرواية بسبب تواضعه، ورغبة في الحفاظ على خصوصية حياته.
ومشياً على الطريقة ذاتها، اختار إريك آرثر بلير اسم "جورج أورويل"، ككاتب روايته "مزرعة الحيوانات" التي أطلقها عام 1945م، ووصف فيها حالته المادية، إذ كان فقيراً، محاولاً أن يحمي عائلته من الإحراج.
جان باتيست بوكلين أو "موليير" أراد أن ينأى بنفسه عن عائلته البرجوازية وما يمكن أن يسببه لها من إحراج، بسبب المسرح التراجي ـ كوميدي الذي كان يكتبه، والنظرة السلبية له في القرن السابع عشر.
المؤلف "جوزيف تيودور كونراد كورزينوسكي" بدوره كان اختياره اسم "جوزيف كونراد" سبباً أكثر منطقية من غيره، إذ اختاره لسهولة نطقه باللغة الإنجليزية مقارنة باسمه. أما "صامويل لانجهورن كليمنس" فاختار اسم "مارك توين" ليكون لنفسه علامة تجارية، ونجح في ذلك، بعدما ألف 28 كتاباً، فيما اتخذ الشاعر ريكاردو اليسير نيفتالي اسماً له "بابلو نيرودا"، لاعتراض والده على هذا النوع من العمل، نظم الشعر، وأنتج أكثر من 40 ديواناً شعرياً.

أسماء عربية

في العالم العربي طغى الاسم المستعار على الاسم الحقيقي في بعض الأحيان، مثل الفرزدق، وهو الشاعر همام بن غالب، و"صريع الغواني" لقب الشاعر مسلم بن الوليد، والشاعر أدونيس، الذي لم ينكر أن اسمه الحقيقي علي أحمد سعيد، وغيّر اسمه إعلاناً لولادته الجديدة، ويعني إله النهر والقطعان والسهول عند الإغريق.
وللأسماء المستعارة تاريخ قديم في الأدب العربي، إذ كان للشعراء ألقاب، مثل الشاعر "الشنفرى" و"المسدود"، لقب الشاعر الحسن، الذي لقب بذلك لأن أحد منخريه كان مسدوداً. فيما أطلقت ألقاب على أدباء بسبب حوادث ومواقف، مثل "تأبط شراً"، وهو الشاعر ثابت بن جبر، و"المقشعر" لقب الشاعر الجاهلي يزيد بن سنان المري، الذي نال لقبه هذا لأنه كان إذا حضر حرباً اقشعر.
وفي الأدب المعاصر، أصدر الأمير الراحل الشاعر عبدالله الفيصل ديوانه الأول "وحي الحرمان"، ليلقب بالشاعر المحروم، وكان لكبار الأدباء السعوديين أسماء مستعارة فريدة، مثل أمير منطقة مكة المكرمة ومستشار خادم الحرمين الشريفين الأمير خالد الفيصل، الذي حمل لقب "دايم السيف"، والأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن "البدر"، والأمير عبدالعزيز بن سعود بن محمد "السامر"، والأمير نواف بن فيصل بن فهد "أسير الشوق".
فيما كان لقب "غادة الصحراء" يعود إلى الأميرة مشاعل بنت عبدالمحسن بن عبدالعزيز، الذي كشف عنه كتاب "الأسماء المستعارة للكتاب السعوديين" لمؤلفه محمد بن عبدالرزاق القشعمي.
الشعراء العرب كانت لهم لمسة استثنائية في الأسماء المستعارة ذات المعاني العميقة، مثل الشاعر الراحل طلال الرشيد "العطيب"، وطلال عبدالعزيز الرشيد "الملتاع". أما رئيس الجمهورية اللبنانية الشاعر بشارة الخوري فأراد التمثل بمجد كبار الشعراء القدامى، فلقّب نفسه بـ "الأخطل الصغير" نسبة إلى الشاعر الأموي "الأخطل"، فيما اشتهر الكاتب والأديب والمفكر اللبناني شكيب أرسلان بلقب "أمير البيان"، واختار الأديب الفلسطيني غسان كنفاني اسم "فارس فارس" لكتاباته الساخرة واللاذعة، دون أن ننسى في هذا المقام الأديبة مي زيادة، التي سمّت نفسها "عائدة" و"إيزيس كوبيا"، ولا تزال كنوزها الأدبية محفوظة في ذاكرة المكتبة العربية.

الأكثر قراءة