Author

فقاعة النفط الصخري

|
حظيت تطورات إنتاج النفط والغاز الصخري باهتمام بالغ منذ عدة سنوات، حيث اعتقد كثير من المختصين والعامة، خصوصا في الولايات المتحدة، أنها ستغير خريطة الطاقة في العالم، وستصبح الولايات المتحدة مصدرا صافيا للطاقة، ما سيغير ملامح سياساتها الخارجية وسياساتها تجاه الطاقة والبيئة. وقد ساعد اكتشاف النفط الصخري على زيادة مستويات إنتاج النفط الخام الأمريكي من حدودها الدنيا التي انخفضت إلى أقل من أربعة ملايين برميل يوميا في أيلول (سبتمبر) 2008 إلى مستوياتها الحالية البالغة 10.9 مليون برميل يوميا، التي جعلت من الولايات المتحدة أكبر منتج عالمي للنفط الخام. وقد أضافت الولايات المتحدة ما يزيد على مليون برميل من الإنتاج يوميا منذ بداية العام الحالي، لكن معدلات الإنتاج في الأسابيع الخمسة الأخيرة ظلت ثابتة عند 10.9 مليون برميل يوميا. وقد يكون هذا مؤشرا على تباطؤ نمو إنتاج النفط الصخري، على الرغم من ارتفاع أسعار النفط الخام. تتصف طبيعة إنتاج حقول النفط الصخري بسرعة نضوب الآبار التي تفقد جزءا كبيرا من طاقتها الإنتاجية في العام الأول وتستنفد ما بين 70 إلى 90 في المائة من هذه الطاقة في السنوات الثلاث الأولى، بينما تفقد الحقول بشكل إجمالي ما بين 20 إلى 40 في المائة سنويا من طاقتها الإنتاجية ما لم يتم حفر آبار جديدة. وتجبر طبيعة الإنتاج الشركات على ضخ استثمارات كبيرة، ومواصلة الحفر للحفاظ على القدرات الإنتاجية. وتلعب طبيعة حقول النفط الصخري دورا في تحديد أماكن الحفر، حيث يحاول المنتجون، خصوصا عند تراجع أسعار النفط، التركيز على النقاط الحلوة أو البؤر الأساسية المحتوية على أكبر تركيز للنفط الصخري، وتمثل هذه النقاط من 10 في المائة إلى 20 في المائة من مساحات حقول النفط الصخري. يرى بعض المختصين أن هناك تفاؤلا مبالغا فيه من قبل بعض الإدارات الحكومية حول إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة وسنوات استغلال الحقول والكميات التي يمكن استخراجها. صحيح أن التطورات التقنية الحديثة نجحت في زيادة الكميات الممكن استخراجها من آبار النفط الصخري، لكن يبدو أن التقنية وصلت إلى مراحل يصعب فيها زيادة استغلال هذه الآبار. وتشير بيانات كثير من الحقول إلى تراجع معدلات إنتاج الآبار، ما يعد مؤشرا على بداية تراجع العوائد. وحدثت معظم زيادات الإنتاج تاريخيا في البؤر الأساسية أو النقاط الحلوة، التي استغلتها الشركات أكثر من غيرها. وتتطلب زيادة الإنتاج، زيادة عدد وتكاليف حفر الآبار، ما يخفض منافع الإنتاج ويرفع التكاليف إلى مستويات تجبر الشركات على ترك بعض الاحتياطيات دون استغلال لارتفاع التكاليف. قاد التطور التقني وبداية ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى التأثير على الأسواق النفطية وتسبب في إحداث فائض عرض النفط العالمي وأجبر أسعاره على التراجع ابتداء من عام 2014. ولكن، رغم النجاحات المحققة في أنشطة إنتاج النفط الصخري، إلا أنها تجابه عديدا من العوائق التي تحد من قدرة الشركات العاملة على زيادة الإنتاج فوق مستويات وسرعة معينة والاستفادة من تطورات أسعار النفط العالمية والتأثير فيها. وتأتي العوائق الجيولوجية ضمن أبرز العوائق، حيث تركز شركات الإنتاج على استغلال أفضل البقع في الحقول لدواعي تعظيم الأرباح. إضافة إلى ذلك، تحد عوائق نقص العمالة وسرعة توافرها ونوعيتها من تسريع العمليات الإنتاجية. كما تعد العوامل البيئية من أبرز العوائق التي قد تمنع الإنتاج في مناطق معينة أو ترفع تكاليفه في المناطق الأخرى، حيث يتطلب إنتاج النفط الصخري توافر كميات كبيرة من المياه، كما يتحتم التخلص من المياه المستخدمة والملوثة أثناء الإنتاج في مكبات خاصة. ولا يقتصر الأمر على ذلك، حيث توجد مخاطر حقيقية من تأثيرات أنشطة النفط الصخري في مخزونات المياه الجوفية وتعريضها للتلوث، كما أن هناك تخوفا من تسببها في رفع احتمالات حدوث هزات أرضية. وسّعت شركات النفط الصخري أنشطتها قبل عدة سنوات، مستفيدة من التمويل الرخيص بعد تراجع تكاليف الإقراض الناتج عن سياسات التيسير الكمي، لكن ارتفاع تكاليف التمويل خلال الفترة الأخيرة حد من قدرة هذه الشركات على الاقتراض والتوسع. إضافة إلى ذلك زادت تكاليف تمويل شركات النفط الصخري بسبب ارتفاع المخاطر حول مراكزها المالية، ما رفع تكاليف استثمار هذه الشركات. وتشير البيانات المالية لشركات النفط الصخري إلى معاناة معظمها من تدفقات نقدية سلبية خلال الفترات الماضية، ما ضاعف المخاوف حول أوضاعها المالية على الأمد الطويل. لجأ عديد من هذه الشركات إلى مزيد من الاقتراض لتمويل الاستثمارات الكبيرة المطلوبة لمواصلة عمليات الحفر والإنتاج، كما استخدم الآخر ما يسمى "مخططات بونزي"، المتضمن إصدار أسهم جديدة لدفع عوائد للمستثمرين القدامى. لقد دفعت التطورات الأخيرة في أنشطة النفط الصخري والعوائق التي تواجهها الصناعة، إلى الاعتقاد أن قدرتها على وضع حدود قصوى لأسعار النفط ستتلاشى في بداية العشرينيات أو خلال خمس إلى سبع سنوات. وعلى الرغم من التطورات الإيجابية في مجالات إنتاج النفط الصخري، التي ساعدت الولايات المتحدة على خفض صافي وارداتها إلى نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا في الوقت الحالي، إلا أنها ستظل مستوردا صافيا للنفط حتى عام 2050.
إنشرها