للحاق بالركب .. تجارة السلع تدخل العصر الرقمي

للحاق بالركب .. تجارة السلع تدخل العصر الرقمي

تنهمك مجموعات السلع الأساسية في البحث عن خبراء بيانات لمساعدتها في اكتساب ميزة بعد تقلص هوامش الأرباح بسبب المنافسين.
منذ سنوات يستخدم مستثمرو العملات والأسهم وأسعار الفائدة الخوارزميات، وتعلم الآلة والذكاء الاصطناعي بهدف تحويل البيانات إلى صفقات تداول ناجحة. الآن يسعى تجار السلع الأساسية إلى الحصول على طرق لاستغلال المعلومات المتوافرة لديهم لمساعدتهم في تحقيق أرباح من خلال تقلبات الأسعار.
قال بيتر ليوني، الذي يحمل شهادة دكتوراه في الرياضيات وهو واحد من اثنين من علماء البيانات الأعضاء ضمن فريق تم إنشاؤه حديثا يتألف من عشرة أفراد تابع لـ "إي دي إف تريدينج"، فرع التداول لدى شركة الكهرباء الفرنسية ومقره لندن: "إنها حقا مزيج من معرفة ما نريد البحث عنه واستخدام الأدوات الرياضية الصحيحة من أجل الحصول عليه".
فيليب بوسينشوت، كبير الإداريين التجاريين في "إي دي إف تريدينج"، قال: "نريد أن نصبح قادرين على استخلاص البيانات وتحويلها إلى خوارزميات. ومن ثم نعتزم الانتقال إلى تعلم الآلة من أجل تحسين عملية اتخاذ القرارات في مجال التداول ونتيجة لذلك نحقق الربحية".
تستثمر ذراع التداول الفرنسية في الأشخاص والعمليات والأنظمة بغية المعالجة المركزية لبياناتها – وهي ليست الوحيدة التي تفعل ذلك.
داميان ستيوارت، من "هيومان كابيتال" المختصة في العثور على موظفين مناسبين للشركات، قال: "الجميع (في عالم السلع الأساسية) يتنبهون الآن إلى حقيقة أن عصر الرقمنة أطل علينا".
في صناعة كان فيها المتداولون الذين لديهم معرفة بالمعلومات الحصرية، بدءا من حالات توقف حقول النفط في غرب إفريقيا وصولا إلى أوضاع المحاصيل في روسيا، يتنافسون من أجل التغلب على المنافسين، فإن إضفاء الطابع الديمقراطي على المعلومات على مدى العقدين الماضيين كان يثير تحديا أمامهم.
من خلال الانتشار الواسع للأخبار والتقارير المتعلقة بالطقس وتعقب البضائع، وجد متداولو السلع أن هوامش الربح لديهم تتعرض للضغط في الوقت الذي تصاب فيه بالثلم ميزتهم المعلوماتية، التي كانت في الماضي تعزز أرباحهم بصفتهم وسطاء.
العائد على حقوق الملكية لدى مجموعات التداول الرائدة، وهو مقياس للأرباح المتولدة من الأموال التي استثمرها المساهمون، تراجع بصورة لا يستهان بها.
تمتع بعض المتداولين في النفط والمعادن بعائدات بحدود 50 إلى 60 في المائة في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، لكن هذا تراجع إلى منتصف العشرينات.
أما عائدات المتداولين في القطاع الزراعي فقد كانت أدنى من الناحية التاريخية، لكنها انخفضت أيضا، مع تسجيل شركات السلع الأساسية التي تعرف مجتمعة بـ "إيه بي سي دي" ABCDs – "آرتشر دانيالز ميدلاند"، و"بانج"، و"كارجيل"، و"لويس دريفوس" – جميعا عائدات منخفضة على حقوق الملكية في آخر نتائج لها.
نتيجة لذلك، يرجو عدد متزايد من المتداولين زيادة قدرتهم التنافسية من خلال تزويد برامج الكمبيوتر بكميات ضخمة من المعلومات التي تم جمعها خلال سنوات من تداول المواد الخام في محاولة للعثور على أنماط يمكن أن تشكل أساس أفكار التداول.
قال إيتيان آميك، وهو مصرفي سابق في "جيه بي مورجان" ورئيس مجلس إدارة "فورتيكسا"، وهي شركة تصنع برمجيات لتعقب الشحنات: "في الزراعة، أو المعادن، أو الطاقة، يتطلع المتداولون إلى جمع بيانات على نطاق كبير وإدارة خوارزميات تعلم الآلة للعثور على أنماط تربط بين الأساسيات وتحركات الأسعار".
وبدأت كارجيل، مثلا، تشكيل فريقها الرقمي العالمي قبل عامين ولديها الآن 75 شخصا يركزون في عملهم على الابتكار الرقمي ولعب دور الحاضنة، مع فريق علوم بيانات مكون من 12 فردا.
ووفقا لجيرت-يان فان دين أكير، رئيس قسم سلسلة الإمدادات الزراعية في كارجيل، يؤدي مزيج البيانات والتكنولوجيا المتطورة منذ الآن إلى التوصل إلى قرارات أفضل من حيث التداول. وأضاف: "دائما ما كان البشر يلعبون دورا حيويا في التداول وتفهم أسواق العقود الآجلة، لكننا لم نعد نعتمد على قوة الدماغ البشري فقط".
في الوقت نفسه، تمارس النماذج الحاسوبية والبرامج الخوارزمية أيضا تأثيرا كبيرا في أسعار السلع الأساسية في أسواق العقود الآجلة، ما يزيد من صعوبة تحوط المراكز.
قال بوسينشوت، من شركة إي دي إف تريدينج: "نلاحظ أن الأساسيات والأسعار تخرج عن نطاق التوازن بشكل متزايد في السوق مع زيادة وحدات التخزين التي تنفذها الخوارزميات".
واستنادا إلى دراسة أجرتها لجنة تداول عقود السلع الآجلة الأمريكية عام 2017، تمت بين عامي 2012 و2016 أتمتة نحو ثلثي عقود النفط الخام المتداولة في بورصة العقود الآجلة لشركة سي إم إي، صعودا من 54 في المائة.
في مجال حبوب الصويا والقمح، ارتفعت النسبة من 39 في المائة إلى النصف تقريبا، في حين ارتفعت في مجال المعادن الثمينة إلى 54 في المائة من أصل 46 في المائة.
بعض المتداولين يضمون صفوفهم مع الصناديق الخوارزمية بغية تفهم آلية عملها. فقد ارتبطت بايوا، وهي شركة تداول ألمانية متوسطة الحجم في المجال الزراعي، مع شركة مولينيرو لإدارة رأس المال، وهي صندوق أمريكي متخصص في التداول "الكمي" المدعوم حاسوبيا، والصندوق الألماني "كوانتومروك كابيتال".
رغم هذا الحماس الجديد ربما لا يكون المسار المؤدي إلى التحول الإلكتروني سهلا أمام بعض المتداولين. مقارنة بقطاعات صناعية ومالية أخرى "إنهم يأتون من مكان خلفي بعيد للغاية"، كما قال أحد المستشارين.
إحدى القضايا هي أن بعض متداولي السلع الأكبر حجما يواجهون مقاومة داخلية لمسألة جعل المعالجة عملية مركزية تتم في منصة واحدة.
مع تولي كل قسم في شركة التداول مسؤولية حساب الأرباح والخسائر الخاص به، يجري حراسة البيانات بشكل متشدد حتى عن أعين الزملاء، بحسب أنتي بيلت، رئيس تداول السلع الرقمية في مجموعة بوسطن الاستشارية. وأضاف: "الانتقال إلى مشاركة جميع ما لدينا من بيانات مع بعضنا بعضا هو تحول ثقافي كبير جدا".
ثمة مشكلة أخرى وهي أنه في بعض شركات التداول، يعمل الموظفون عبر منصات تكنولوجية متعددة، تستخدم فيها الوحدات المختلفة أنظمة منفصلة.
بدلا من التركيز على التحليلات، يتعين على بعض علماء ومهندسي البيانات التركيز على توحيد المنصات قبل إحضار البيانات من أجزاء مختلفة من الشركة.
وحتى عندما تكون البنية التحتية الرقمية مناسبة، ربما يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يصبح الذكاء الاصطناعي جزءا كبيرا من تداول السلع الأساسية. جيرار ديلساد، كبير موظفي المعلومات في شركة فيتول، عمل على زيادة عدد أعضاء فريقه بمقدار الخُمس ليصل إلى أكثر من 100 شخص خلال السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك عدد من علماء البيانات.
قال إن الكمبيوتر لا يزال يعاني من أجل العثور على أنماط في البيانات والإتيان بأفكار خاصة به حول التداول. "ما زلنا بحاجة إلى المتداول لكي يعطينا بعض الأفكار، وبعض الملاحظات عن أين نبحث، وعندها يمكنك العثور على بعض الأمور المثيرة للاهتمام".
مع ذلك يرى كثير من التنفيذيين في شركات السلع أن الرقمنة تعمل بصورة متزايدة على دفع التداول وهي بحاجة إلى أن يتم تبنيها.
قال بوسينشوت: "هذه أداة أخرى يتعين على المتداولين أن يفهموها".

الأكثر قراءة