سقوط «جلينكور» مع مستثمر إسرائيلي.. في الكونغو

سقوط «جلينكور» مع مستثمر إسرائيلي.. في الكونغو

ومع ذلك، فإن تورط شركة جلينكور في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهو بلد فقير للغاية في وسط إفريقيا، إلا أنه غني بالموارد، هو على الأرجح ما أثار أكبر اهتمام من قبل الأجهزة التنظيمية الأمريكية.
على وجه الخصوص، فإن علاقة الشركة مع دان جيرتلر، وهو رجل أعمال إسرائيلي وضع على قائمة عقوبات الولايات المتحدة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بسبب “صفقاته الفاسدة وغير الشفافة في أعمال التعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية”، تدخل ضمن ما يثير الشبهات بشأن الشركة.
تدعي واشنطن أن جيرتلر استخدم “صداقته الوثيقة” مع جوزيف كابيلا، رئيس البلاد، ليعمل كوسيط لمبيعات أصول التعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد امتنع جيرتلر عن التعليق.
تمتلك شركة جلينكور أصولاً في جمهورية الكونغو الديمقراطية يقدرها المحللون بأنها تصل إلى 10 مليارات دولار، ولكن الشركة تنفي أنها ضمنت الدخول إلى حزام النحاس الضخم في البلاد من خلال صفقات مع جيرتلر.
بدلاً من ذلك، تقول إن المطاف انتهى بها للدخول في الأعمال معه، حين اكتسبت شركة جلينكور بشكل مستقل مصالح في الكونغو. وفي محاولة منها للنأي عن الملياردير، دفعت شركة جلينكور في العام الماضي مبلغ 534 مليون دولار لشركة فلوريت جروب Fleurette Group التابعة لجيرتلر لشراء حصصه في المنجمين الرئيسين في الكونغو التابعين لشركة جلينكور، وهما كاتانجا Katanga وموتاندا Mutanda.
على أن شركة جلينكور لم تقطع جميع علاقاتها مع رجل الأعمال. كان جيرتلر لا يزال مستحقا لمدفوعات الريع كجزء من الحقوق التي حصل عليها من شركة جيكاماينز Gecamines، شركة التعدين المملوكة للدولة في البلاد.
أوقفت شرك جلينكور تلك المدفوعات عندما صدرت العقوبات بحق جيرتلر من قبل الولايات المتحدة.
إلا أنه في نيسان (أبريل) الماضي، حصل جيرتلر على أمر من محكمة محلية في جمهورية الكونغو الديمقراطية بتجميد أصول شركة جلينكور في البلاد، طالبا مبلغ ثلاثة مليارات دولار.
وضعت هذه الخطوة شركة جلينكور في مأزق. النمو السريع في الطلب على الكوبالت، وهو مادة رئيسة لبطاريات السيارات الكهربائية، جعل أصولها في جمهورية الكونغو، التي تشتمل على نصف احتياطيات العالم المعروفة من المعدن، أكثر قيمة حتى من ذي قبل. لقد ارتفعت أسعار الكوبالت بأكثر من الضعف لتصل إلى نحو 40 دولارا للرطل في العامين الماضيين.
تقول آنيكه فان وودنبرج، المديرة التنفيذية لمجموعة ريد RAID، وهي مجموعة غير ربحية في لندن: “الطفرة في الكوبالت هي التي غيرت قواعد اللعبة هنا. المال الذي يمكن كسبه من ذلك هائل”.
في حزيران (يونيو) الماضي، وافقت شركة جلينكور على الدفع لجيرتلر باليورو لتجنب الوقوع تحت وطأة العقوبات الأمريكية. وقالت شركة جلينكور إن ذلك كان “الخيار الوحيد القابل للتطبيق” لتجنب مصادرة الأصول في جمهورية الكونغو.
وقد صدم الإعلان كثيرا من المراقبين: حين تدفع شركة مدرجة على مؤشر فاينانشيال تايمز 100 مليون اليورو لفرد خاضع للعقوبات، فإن هذا يعتبر تحديا جريئا للولايات المتحدة. وقالت شركة جلينكور إنها تشاورت مع السلطات المختصة في الولايات المتحدة وسويسرا بشأن الدفع.
بيد أنه بعد ساعات قليلة فحسب من الإعلان عن الصفقة، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة على 14 شركة لها روابط مع جيرتلر، وبعد 17 يوماً كشفت شركة جلينكور عن الخبر الذي يقول إن وزارة العدل أرسلت لها طلب استدعاء.
كما تخضع أنشطة شركة جلينكور في فنزويلا ونيجيريا، وهما بلدان كبيران منتجان ومصدران للنفط (عضوان في “أوبك”، للتدقيق من جانب وزارة العدل، ما يوحي باهتمام أوسع في عمليات الشركة).
يتضمن تداول النفط الفعلي على نطاق واسع في كثير من الأحيان العمل في البلدان التي يصعب فيها تأمين الأعمال دون العمل مع وكلاء أو أفراد لهم علاقات جيدة.
وقد توسعت شركة جلينكور لتصبح ثاني أكبر تاجر نفط مستقل في العالم، حيث كانت تتاجر بكميات تصل إلى 6.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام ومنتجات الوقود المكرر.
وهي غالبا ما تحصل على البراميل التي تحتاجها لتشغيل آلة التداول لديها من خلال اتفاقيات طويلة الأجل، وتوفير التمويل للبلدان والشركات التي تعاني ضائقة مالية مقابل الحصول على حصة من إنتاج النفط في المستقبل.
وكثيرا ما يتم التفاوض على هذه الصفقات بمساعدة الوسطاء، على الرغم من أن الوكلاء يُستخدَمون اليوم أقل مما كانت عليه الحال قبل عقد من الزمان.
وجود الشركة في فنزويلا ونيجيريا صغير نسبيا، حيث لا توجد حقول إنتاج كبيرة أو مصافي تكرير أو مصانع تخزين كبرى.
إلا أن البلدين العضوين في منظمة أوبك – هما أيضاً مستوردان رئيسان لمنتجات الوقود المكرر، ما يجعلهما مناطق صيد غنية للقيام بالأعمال، بالنسبة لأكبر الشركات التي تتاجر في المواد الفعلية.
شركة جلينكور ضمن مجموعة من شركات التداول التي ورد اسمها أخيرًا في دعوى قضائية مرتبطة بشركة النفط الحكومية الفنزويلية بدفسا PDVSA، حيث تدعي أن المتداولين قاموا برشوة الموظفين لتقديم معلومات داخلية. في هذا الخصوص، امتنعت شركة جلينكور عن التعليق.
على أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تجد فيها شركة جلينكور نفسها في مأزق. في عام 2015، تسببت أزمة ديون في تركيع الشركة.
ومع ذلك، يمكن القول إن طلب الاستدعاء من وزارة العدل بموجب قوانين غسل الأموال وقانون الممارسات الأجنبية الفاسدة الأمريكي، هو أكبر تحدٍ للطريقة التي تسيِّر بها الأعمال.
السؤال الرئيس هو: كيف تستجيب شركة جلينكور؟ تحت ضغط من الولايات المتحدة، يعتقد بعض المنافسين أنه سيتم إجبارها على التخلي عن ثقافة المجازفة والتركيز على إدارة عمليات التعدين لديها.
يقول تنفيذي سابق في إحدى شركات التعدين من الذين خضعوا للتحقيق من السلطات الأمريكية: “سيُحدِث هذا الأمر اضطرابا هائلا. وسيتم الاطلاع على ملايين الرسائل الإلكترونية”.
يشكك آخرون في مدى استعداد جلازنبيرج، الذي يتربع على قمة الشركة منذ عام 2002، للتغير. لقد كان رد فعله الأول هو إطلاق عملية لإعادة شراء أسهم شركة جلينكور بقيمة مليار دولار، في استعراض للثقة بأعمال الشركة الأساسية.
يقول ديفيس من شركة ليبروم: “هل سيتم تعقيم وتطهير شركة جلينكور نتيجة هذا الإجراء؟ بالنظر إلى ثقافتها، وطبيعتها، وتصورها للمخاطر مقابل الآخرين، فإن من شأن هذا أن يكون تغيرا هائلا. شركة جلينكور دائما تسعى وراء كسب المال”.

الأكثر قراءة