هدف جيل الألفية من المهاجرين .. إعادة رسم خريطة أمريكا

هدف جيل الألفية من المهاجرين .. إعادة رسم خريطة أمريكا
هدف جيل الألفية من المهاجرين .. إعادة رسم خريطة أمريكا

كانت والدة نينا شارما من ولاية آيوا، أما والدها فكان من الهند، لكنهم انتقلوا إلى نيويورك كما تتذكر، "لأنها كانت مركز الكون، علاوة على أن هذا هو المكان الذي أرادوا أن يكونوا فيه".
طوال سنوات، أثناء عملها في مانهاتن لدى كارنيجي هول ومكتبة نيويورك العامة، شعرت السيدة شارما بالشعور نفسه، إلى أن أخذتها رحلة عمل إلى جبال روكي.
وتقول: "في عقلي المتركز على نيويورك لم أكن أدرك أنه يمكن أن تكون لدي مهنة حقيقية في مكان جميل آخر، وأن تكون لدي حياة وقدرة على الاستفادة من طبيعة لا تصدق". لذلك في عام 2012، وهي بعمر 33 عامًا، غادرت نيويورك إلى كولورادو، حيث تدير الآن برنامجًا للابتكار في حرم جامعة دنفر المليء بالأشجار.
لأجيال عديدة، تدفق الشباب الطموح مثل والدا شارما على حفنة من المدن الأمريكية الكبرى، بحثا عن الفرص في المراكز التجارية مثل نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو وسان فرانسيسكو.
انقطع هذا النمط من قبل جيل الألفية، تجمع المواهب المطلوبة الذين وصلوا إلى سن البلوغ بحدود عام 2000. وفي الوقت الذي يشقون فيه طريقهم من خلال القوة العاملة، ويشترون العقارات وينجبون الأطفال، لا يعملون على إخراج الجيل X (أي الذين ولدوا من أوائل الستينيات إلى أوائل الثمانينات) كقوة دافعة في الاقتصاد الأمريكي، بل يقوم هؤلاء المهاجرون من جيل الألفية بإعادة رسم خريطة أمريكا.
القوى المحركة لهجرة جيل الألفية
كما تبين من تحليل في الفترة الأخيرة من وليام فري، الخبير السكاني لدى معهد بروكينجز، فإن أقوى نمو في جيل الألفية الأمريكي بين 2010 و2015 لم يكن في المدن الساحلية مثل نيويورك ولوس أنجلوس، بل في مدن أصغر في الجنوب والغرب.
الزيادة بأرقام من خانتين في عشر مدن أمريكية ذات كثافة سكانية كبيرة، من كولورادو سبرينجز ودنفر إلى سان أنطونيو وأوستن، هي على نقيض ما حدث في مدن الغرب الأوسط، مثل شيكاغو وسانت لويس، التي ارتفع عدد سكانها من جيل الألفية بأقل من 1 في المائة.
وكما تبين من محاولة أحد الاقتصاديين في الفترة الأخيرة قياس مقدار الهجرة من منطقة ساحل الخليج في سان فرانسسكو، فإن استئجار شاحنة نقل من وكالة يو هول U-Haul للانتقال من سان خوزيه في كاليفورنيا إلى فينكس في أريزونا، يكلف عشرة أضعاف المبلغ لاستئجار شاحنة تقوم بالرحلة نفسها بالعكس، لأن حركة المرور هي في أغلبها تسلك اتجاها واحدا.
في وادي السيليكون، الذي يعد اسمه مرادفا جغرافيا لمستقبل التكنولوجيا في أمريكا، توقف النمو السكاني.
الهجرة المذكورة لجيل الألفية مدفوعة إلى حد كبير بالقدرة المالية، كما تقول كارين هاريس، من قسم الاتجاهات الكلية لدى شركة الاستشارات "بين وشركاه". وتقول: "مدن الطبقة الأولى أصبحت مكلفة بشكل لا يصدق؛ ونتيجة لذلك أصبحت موطن الأغنياء، والعزاب، والآباء والأمهات الذين رحل أولادهم عنهم".
وتقول هاريس إنه في الوقت الذي تجعل فيه التكنولوجيا من السهل الدخول في معظم المهن من أي مكان، وتقدم شركات التجارة الإلكترونية واقتصاد المشاركة قدرة سهلة للاستفادة من السلع والخدمات عبر أمريكا، فإن هذا الجيل يبحث عن أماكن بطرق جديدة. القرب من مراكز التمويل أو التكنولوجيا أو الصناعة أقل أهمية، لكن مستوى الحياة ومحيط الجماعة للناس من العقلية نفسها يكتسب أهمية أكبر.
قليلة هي الأماكن التي تروي هذه الحكاية أفضل من دنفر في كولورادو. موقعها في منتصف أمريكا، وجامعاتها ذات التكاليف الميسورة، وسهولة الوصول إلى جنة المتزلجين على الثلج في جبال روكي، عوامل تجتذب عشرات الآلاف من جيل الألفية في السنوات الأخيرة، ما يعمل على تغيير طبيعة السكان والاقتصاد فيها.
منذ عام 2010 قفز عدد سكان دنفر بنحو 100 ألف، ليصل إلى 704 آلاف: يقدر معهد بروكينجز أن هيوستن شهدت تدفقا أكبر من جيل الألفية بين عامي 2010 و2015.
نحو نصف من هم بين 25 إلى 34 عاما في المدينة من خريجي الجامعات (ساعد في ذلك حقيقة أن ثلثي خريجي جامعة دنفر يبقون في كولورادو بعد تخرجهم).
شركتا بريتيش بيتروليوم وسلاك، مجموعة التراسل، هي من بين الشركات التي تعلن عن خطط لفتح مكاتب في دنفر.
"مدينة شحن الماشية" السابقة، المعروفة بما فيها من شركات النفط والغاز والكابل، تجتذب منذ فترة مجموعات التكنولوجيا والخدمات المهنية. كما دخلت دنفر في القائمة المختصرة التي تضم 20 مدينة المرشحة لتكون المقر الرئيس الثاني لشركة أمازون، إلى جانب المدن البارزة الأخرى التي تجتذب جيل الألفية مثل كولومبوس ودالاس وناشفيل ورالي.
يقول دان بيترسون، 31 سنة، الذي ولد ونشأ في دنفر: "قبل عشر سنوات، إذا كنت موهوبًا، كان عليك الذهاب إلى منطقة الخليج (في سان فرانسسكو) أو شيكاغو".
الآن، في الوقت الذي يرى فيه أصدقاؤه وعملاؤه وهم يخرجون من هذه الأماكن لأن أسعارها وتكاليفها لم تعد في مقدورهم، يجد الكثير من المواهب تتحرك في الاتجاه الآخر؛ المشكلة الوحيدة هي المنافسة الشديدة على الناس الجيدين، وتوقعات الرواتب العالية للوافدين الجدد.
بنى بيترسون شركة آتيس ميديا للتسويق الرقمي Attis Media، في مكتب تابع لشركة ويويرك WeWork، وهي واحدة من أكبر الشركات التي تقدم أماكن العمل المشتركة في أنحاء المدينة.
يبدو المخزن المُعاد استخدامه وكأنه مخطط فوتوغرافي لمساحة عمل لجيل الألفية، حيث يتجادل أصحاب المشاريع والأشخاص الذين يعملون لحسابهم الخاص حول كلاب زملائهم أثناء شرب فنجان قهوة نيترو الباردة، وهم يتجادلون حول كلاب زملائهم ويشتركون ويشجعون بعضهم بعضا على لعبة دفع الأقراص الأرضية في بعض الأحيان، حيث تحثهم شعارات مفعمة بالحيوية على "فعل ما تحب".
وفي أسفل ممر من المكاتب المكتظة إلى حد كبير، كان جيسون أياشي (34 عاما) ومورجان أومالي (33 عاما) من بين المهاجرين الذين يتطلعون للاستفادة من لحظة حياة دنفر الألفية.
لقد انتقل الصديقان الجامعيان من لوس أنجلوس وأريزونا لإطلاق وكالة توظيف في مدينة انخفض فيها معدل البطالة من نحو 10 في المائة في عام 2010 إلى 2.8 في المائة: 90 في المائة من مقدمي الطلبات هم من ولايات أخرى. يقول أومالي: "جئنا إلى هنا لإجراء الأبحاث ووقعنا في حبها. إنها ملعب للكبار". قدمت دنفر أيضًا تركيزًا لجيل الألفية من ذوي العقلية المتشابهة، الذين يتشاركون طموحاتهم في مجال الأعمال بقدر الرغبة في الوصول إلى الجبال في عطلات نهاية الأسبوع. ويضيف: "كان مجتمع الشركات الناشئة هنا أكثر انفتاحًا للتعاون بكثير".
أما أليكساندرا وفرانسيسكو سبيتاليري فهما من بين الذين اقتنعوا بالفكرة. في الأصل هما من روسيا البيضاء وإيطاليا، التقى الزوجان في نيويورك قبل أن ينتهي بهما المطاف في شقة في ويليامزبيرج، ملاذ الجيل الجديد، والتي كان بإمكانهما استئجارها من خلال تأجير غرفتين من الشقة.
تقول السيدة سبيتاليري، 28 سنة، التي تصنع الآن عطورًا لمتجر أزياء في دنفر: "لم أستطع أن أتخيل أن أنجب الأطفال هناك". وكما يقول سبيتاليري، البالغ من العمر 38 عامًا، والذي يعمل نادلا وضابط دي جي وسائق لشركة أوبر وليفت Uber وLyft عندما لا يقوم بالتداول في الأسهم والعملات المشفرة، قدمت كولورادو "نوعية حياة أفضل في مكان فيه اقتصاد لائق، ووتيرة أبطأ للحياة ومزيد من الطبيعة".
المدن التي مثل دنفر والتي هي بوابات إلى الأماكن الخارجية الرائعة لديها جاذبية واضحة للموظفين الذين يتطلعون إلى ركوب الدراجة للعمل والذهاب إلى المنحدرات في أوقات فراغهم، وذلك بحسب ما يلاحظه لويس بينيتز، الذي يدير مكتب صناعة الترفيه الخارجي Outdoor Recreation Industry Office في كولورادو للاستجمام في الهواء الطلق. ويقول: "مع جيل الألفية، الأمر يتعلق بالإحساس بالمتعة بشكل أكثر بكثير من التعلق الأشياء - وإذا كان التنزه في الهواء الطلق يفعل أي شيء، فإنه يوفر كثيرا من الإحساس بالمتعة. عندما يلمسون الطبيعة، هناك دائمًا هذا الشعور بالتأمل الذي لا أراه إلا في جيل الألفية".
راكبو الدراجات وألواح التزلج في الأحياء التي تحمل أسماء جديرة بأن تكون في مانهاتن مثل لوهاي ورينو LoHi و RiNo ليست سوى علامة واحدة على كيف غيّر تدفق الألفية نسيج دنفر.
لقد حولت محطة يونيون التي يرجع تاريخها إلى قرن من الزمن الردهة إلى استراحة مزدحمة مليئة بالأرائك والسجاد وطاولات القراءة، وتحيط بها محال تعلن عن "الآيس كريم المصنوع يدويًا" و"الزخارف والبهرجة وغيرها من الأشياء الأخرى". يدرك تشاك سوليفان، المؤسس المشارك لشركة سمثينغ إنديبندنت Something Independent، للمناسبات والمحتوى أنه "لا يمكنك التحرك دون أن تجد نفسك أمام منطقة مكاتب للعمل المشترك، أو سوق للمواد الغذائية أو مصنع جعة". يلاحظ أن التغيير لم يأت من دون تكلفة، حيث أخرج قائمة تبدو كأنها تشتمل على ما حاول الوافدون الجدد الهروب منه عندما انتقلوا: نقص في الإسكان الميسور، والتحسين الذي يستثني بعض السكان من الأقليات، والمشاكل المرتبطة بالإدمان والتشرد، والوقت الطويل للاختناقات المرورية - حتى إلى الجبال.
ويتساءل سوليفان: "كمدينة، كيف تحافظ على الروح من خلال النمو؟ من الذي تتضمنه ومن الذي تتركه وراءها؟ هذه هي المحادثات نفسها التي تحدث في وادي السيليكون ونيويورك وبوسطن".
أسعار العقارات السكنية في دنفر أعلى بنسبة 50 في المائة من ذروتها قبل الأزمة، ما يقسم المدينة إلى الذين اشتروا وشاهدوا أصولهم قد ارتفعت أسعارها والذين يتساءلون إن كانوا سيصلون أصلا إلى سلم أصحاب المساكن.
منذ أن شرّعت ولاية كولورادو نوعا ما من التدخين للأغراض الترفيهية في عام 2014، امتلأت دنفر بقصص أصحاب المستوصفات الذين رفعوا الأسعار في السوق من خلال وضع أموالهم (التي لم يكن بمقدورهم وضعها في المصارف) في العقارات.
انتقل بوبي ميتشل من سانتا كروز قبل ثماني سنوات، ويعمل في مدرسة ثانوية. مع ارتفاع الإيجارات بسرعة، يبحث هذا الشاب البالغ من العمر 29 عاما عن مكان ليشتريه مع صديقته، لكن انزعج من المنافسة على العقارات التي تأتي في السوق.
ويتذكر قائلا: "ذهبت في جولة جماعية لرؤية منزل ووقفت فجأة 12 سيارة أخرى. هذه منافسة شديدة للغاية إلى درجة تبعث على الخوف". وبينما يرسل القادمون الجدد من خارج الولاية أسعار المنازل "إلى عنان السماء"، فإنه يرى انقسامًا بين السكان المحليين والوافدين الجدد.
وقد انفتحت فجوة أخرى، على طول الخطوط العرقية، حيث لم يتم تقاسم ثروات ممتلكات دنفر بالتساوي بين الأعراق. اعتاد جيل الألفية أن يكونوا أكثر مجموعات أمريكا تنوعا: 43 في المائة من غير البيض، والعديد من مدن الطفرة الأخرى التي توافدوا إليها - بما في ذلك سان أنطونيو، وهيوستن، ودالاس، وأوستن - لديها الآن أغلبية السكان من جيل الألفية من غير البيض. دنفر ليست في تلك القائمة - نحو 61 في المائة من جيل الألفية هم من البيض، في حين أن 26 في المائة هم من أصل إسباني وأقل من 6 في المائة هم من الأمريكيين السود.
تبين الخرائط التي أنتجتها المدينة مدى عدم التساوي في توزيع سكان دنفر من السود والإسبان: حول محطة يونيون ومبانيها السكنية الفاخرة، على سبيل المثال، 9 في المائة من السكان من أصل إسباني و1 في المائة من الأمريكيين السود. كثير من الأقليات الشابة لا تعتقد أن نمو دنفر يشتمل عليها. يقول فينس، وهو أمريكي آسيوي جاء من نيويورك، طلب عدم ذكر اسمه الأخير: "إنها مدينة يكثر فيها البيض إلى حد كبير للغاية".
تُكابد استثمارات المدينة في الإسكان الميسور التكلفة لمواكبة الطلب. ارتفعت الضرائب العقارية مع الأسعار، ما جعل أحياء السود التقليدية لا يمكن تحمل تكاليفها بالنسبة للأشخاص الذين نشأوا هناك. يحذر ليزلي هيرود، وهو ديمقراطي أسود انتُخب للمجلس التشريعي لولاية كولورادو في عام 2016: "التوتر حقيقي جداً بين الذين عاشوا هنا لأجيال، ويشعرون بأنهم تخلفوا بسبب النمو، والناس الذين جاؤوا إلى هنا ليعيشوا".
برانديه ميشو (38 عاما) وهي محققة قانونية ومولودة في دنفر، شهدت الأحياء التي تقطنها أغلبية من الأقليات، وهي تصبح مناطق مرغوبة لعائلات شابة بيضاء في الغالب.
وتلاحظ "أن الأشخاص القادمين هم في منتصف الثلاثينيات من العمر ويسيرون في المناطق التي كانت في السابق مليئة بالمشاكل أو خطرة بشكل صريح. الآن يقوم جيم وكيم بجولة مع كلابهما ويدفعان عربات أطفالهما في الساعة الثامنة ليلا". هذا التدفق هو نعمة ونقمة على حد سواء: "يأتي ممر الدراجة الجديد، وتأتي المقاهي، وترتفع الضرائب العقارية، ويُدفع الناس إلى الخارج".
غابرييل بريانت، منتجة تلفزيون محلية، هي من بين الذين غادروا، واختاروا أورورا القريبة، حيث كانت حصة الأمريكيين السود من السكان أعلى من المعدل الوطني بنسبة 16 في المائة، مقارنة بنسبة 10 في المائة في دنفر. كما تقول: "بالطبع الأشخاص القادمون من نيويورك أو سان فرانسسكو يقولون ما أروع دنفر، إن تكاليفها معقولة. إذا جئت من هنا، فهي ليست معقولة كثيرا"، لأن المداخيل المحلية لم تواكب أسعار المنازل. وترى التحسينات من خلال نظرة متناقضة بشكل صريح: إما هم وإما نحن: "لقد فقدنا حينا وهم يحصلون على الفائدة".

الأكثر قراءة