السيناريو الأسوأ لنقص الإمدادات

على الرغم من أن عناوين الأخبار وتقارير المحللين تترك انطباعا مختلفا إلى حد ما عن حالة السوق، إلا أن أسواق النفط لا تزال تتمتع بصحة جيدة. إن مخزونات النفط لا تزال قوية، القرار الجديد من منظمة "أوبك" وحلفائها من خارج المنظمة بإضافة ما يقرب من مليون برميل يوميا من النفط، من خلال السعي إلى عودة الالتزام باتفاق التخفيضات إلى 100 في المائة، والتزام السعودية الضمني من جانب واحد بإبقاء الأسواق في حالة جيدة، كلها عوامل تهدئ المخاوف المتزايدة في السوق من احتمال حصول شح في الإمدادات، ولكن سيكون من غير الحكمة تجاهل حقيقة أن الضغوط الجيوسياسية تتفاقم يوما بعد يوم، ويمكن أن تحرك السوق بسرعة إلى نقص كبير في الإمدادات. وبعبارة أخرى، فإن سيناريوهات العرض "الأسوأ"، التي يعمل بها السوق في الوقت الحاضر قد تكون متفائلة للغاية.
ليست هناك حاجة إلى القلق حتى الآن. حتى إذا هبط الإنتاج الفنزويلي دون المليون برميل في اليوم، وخسرت إيران أكثر من 500 ألف برميل يوميا من الصادرات، وحدثت انقطاعات في ليبيا - جميع السيناريوهات "الأسوأ" الحالية التي يقدرها المحللون لا تزال تتوقع عجزا في الإمدادات بنحو 500 ألف برميل يوميا. ومع استعداد المملكة وروسيا لإضافة مليون برميل يوميا من تلقاء نفسيهما إذا لزم الأمر، فإن هذا العجز يقع في نطاق قدرة السوق على تحقيق التوازن. وما هو أكثر من ذلك، هو أنه لا يزال بالإمكان سحب 150 مليون برميل آخر من المخزونات قبل أن تستشعر الأسواق تشددا كبيرا.
وعلى المستوى الفردي للدول، فإن أي تعطل في الإنتاج أسوأ من المتوقع في إيران أو فنزويلا أو ليبيا أو أي مكان آخر، لن يهز الأسواق بقوة. ولكن مع تنامي المخاطر السلبية في جميع المجالات، فإن التعهدات التي تبذلها "أوبك" - وبالتحديد، المملكة - بتعويض أي نقص في الإمدادات، تصبح محفوفة بالمخاطرعلى نحو متزايد.
إن تحذيرات إيران الأخيرة من أن فرض عقوبات أمريكية صارمة على صادراتها من النفط الخام قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار إلى حد كبير، هي لخدمة مصالح ذاتية، لكنها لا تخلو من الموضوعية؛ حيث إن طاقات الإنتاج الاحتياطية في تراجع، وفي الوقت نفسه تستمر الصناعة النفطية في تشديد قبضتها على الاستثمار في مشاريع جديدة. لقد حذر وزير النفط الإيراني من ارتفاع الأسعار عندما عبَّر البيت الأبيض عن رغبته في رؤية صادرات النفط الإيرانية تنخفض إلى الصفر. أي حالات انقطاع كبيرة في الإمدادات نتيجة للحصار على إيران، قد تم أخذها في الحسبان في معظم التوقعات للنصف الثاني من العام، لكن الموقف الصارم الجديد، الذي اتخذته واشنطن، قد يؤدي إلى اضطرابات أكبر بكثير تصل إلى مليون برميل في اليوم أو أكثر. في الوقت نفسه، يتدهور الإنتاج الفنزويلي بسرعة كبيرة؛ لدرجة أن إنتاجها قد ينخفض أكثر وأسرع مما كان متوقعا في السابق، حيث انخفض إلى أقل من مليون برميل في اليوم.
من جانب آخر، من المحتمل أن تستغرق توقفات الإنتاج غير المبرمجة في كندا، التي أزالت 350 ألف برميل في اليوم من إنتاجها، عدة أشهر لحلها، خصوصا إذا ما استغلت الشركات هذه التوقفات فرصة لإنجاز أي أعمال صيانة معلقة كان مخططا لها مسبقا في وقت لاحق من السنة. كما أن خسارة الإنتاج الليبي المفاجئة البالغة 450 ألف برميل في اليوم قد تستمر، وربما تتزايد. وفي نيجيريا هناك احتمالية فقدان ما يصل إلى 500 ألف برميل في اليوم. إجمالا، يمكن للأسواق أن تفقد مليوني برميل يوميا أو أكثر ابتداء من أيار (مايو) إلى نهاية العام - وهذا رقم كبير جدا نظرا إلى أن الطاقات الاحتياطية العالمية الفعلية لا تزيد كثيرا على 3.5 مليون برميل يوميا، التي قد تستغرق نحو عام كامل لجلبها إلى الأسواق.
ولإثبات التزامها بتهدئة الأسعار، زادت المملكة بشكل حاد إنتاجها فوق عشرة ملايين برميل في اليوم في حزيران (يونيو)، وألمحت إلى خطط لدفع الإنتاج إلى مستويات قياسية جديدة. ومن الممكن أن تتجاوز أعلى مستوى قياسي سابق لها، البالغ 10.7 مليون برميل في اليوم في هذا الشهر، إذا ما تحقق بالفعل الاعتقاد السائد في الأسواق. وعلى الرغم من أن مثل هذه المؤشرات تهدف بالتأكيد إلى تهدئة الأسواق، فإن التآكل السريع للطاقات السعودية، التي تستأثر بنحو 70 في المائة من الطاقات الاحتياطية في العالم، قد يثير الذعر الشديد في الأسواق، الذي تأمل المملكة في تجنبه.
إذا انضمت الإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق إلى الدعوة لرفع الإنتاج، وأضافت 400 إلى 500 ألف برميل في اليوم بسرعة نسبيا، فإن هذه الإضافات، فضلا عن عودة الإنتاج الروسي والارتقاء بالإنتاج السعودي إلى مستويات قياسية، من شأنها أن تقلل الطاقة الاحتياطية العالمية إلى ما يزيد قليلا على مليوني برميل في اليوم - وهذا المستوى أقل 50 في المائة عما كان عليه قبل خمس سنوات. ومع ذلك، هناك إمكانية لإعادة بناء بعض الطاقات قبل نهاية العام.
في الوقت نفسه، يعقد السعوديون والكويتيون مناقشات أكثر جدية لحل الخلاف الذي أدى إلى توقف 500 ألف برميل يوميا من المنطقة المحايدة المشتركة منذ عام 2015. ولدى السعودية أيضا إمكانية لتزويد الأسواق من خزاناتها وسفنها، التي تستطيع على الفور ضخ كميات إضافية من المخزون الهائل للمملكة، ما يوفر للسوق راحة إضافية قصيرة الأجل. مع ذلك، مثل هذه الحلول أكثر مناسبة في التعامل مع انقطاعات مؤقتة حتى لو كانت كبيرة. في حين أن مزيدا من الاضطرابات الدائمة يتطلب إضافة إنتاج مستمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي