السعودية .. والمسؤولية النفطية

منذ عقود لم تتوقف المملكة عن سياساتها التي وضعتها هي نفسها، الخاصة باستقرار السوق النفطية العالمية. بل إنها أظهرت مرونة في كثير من الأحيان من أجل الوصول إلى أفضل مستوى للسوق، وللحفاظ على المعايير التي تؤدي في النهاية إلى الاستقرار المطلوب. ومع انهيار أسعار النفط قبل ثلاث سنوات تقريبا، أسرعت السعودية إلى عقد اتفاق بين دول منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" والبلدان خارجها لخفض الإنتاج، وذلك كي تعود الأسعار إلى المستويات العادلة. ونظرا لنفوذ المملكة، تكلل هذا الاتفاق بالنجاح، رغم بعض المحاولات لتخريبه من إيران في وقت من الأوقات. وهي إلى الآن تحافظ على الاتفاق، من أجل كل الأطراف. وهنا يكمن الفارق بين دولة مسؤولة وأخرى لا تعرف إلا التلاعب والغش والاحتيال.
الاتفاق الأخير بين الرياض وواشنطن على زيادة إنتاج النفط السعودي، يدخل في الواقع ضمن الاستراتيجية السعودية بهذا الخصوص، وفي إطار سياستها المرنة والمعتدلة أيضا. الهدف الرئيس من هذه الخطوة، هو تعويض النقص المحتمل في الإمدادات النفطية العالمية نتيجة الاضطرابات في كل من إيران وفنزويلا. وهذا التعويض يأتي في الدرجة الأولى للحفاظ على مسيرة نمو الاقتصاد العالمي، وهو أمر يصب في المصلحة العالمية ككل. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الخطوة السعودية تظهر مرة أخرى عدالة سياساتها النفطية، لأنها تضمن استقرارا في الإمدادات، وهي في الوقت نفسه تحفظ مستوى مقبولا للأسعار، من المصدرين والمستهلكين على حد سواء. وهي في النهاية قادرة على اتخاذ أي خطوات استثنائية في هذا المجال وغيره.
هناك مشاكل تواجهها بعض الأنظمة التي تحكم بلدانا نفطية، وبصرف النظر عن المتسبب في هذه المشاكل، فإنها تنعكس سلبا على السوق النفطية. فالنظام الإرهابي الإيراني ينتظر مزيدا من العقوبات الاقتصادية المختلفة عليه، بما في ذلك تضييق الخناق على صادراته النفطية من أجل الضغط لوقف إرهابه وتخريبه وتدخله في شؤون البلدان الأخرى. وفي فنزويلا، الأمور متدهورة منذ عدة سنوات لأسباب أيضا تتعلق بسياسات النظام الحاكم فيها. وفي مثل هذه الحالات تنعكس الآثار السلبية على السوق النفطية، خصوصا إذا ما كان الحراك الاقتصادي العالمي يتطلب مزيدا من "الوقود" لتأمين مسيرة النمو المتواصلة. وهذه النقطة هي مطلب أساسي لكل الجهات الدولية، بما في ذلك البنك وصندوق النقد الدوليان.
لهذه الأسباب وغيرها، تتخذ السعودية القرارات المسؤولة التي تخص العالم أيضا، دون المساس - بالطبع - بمصالحها الوطنية. كما أنها المحور الرئيس في رسم السياسات النفطية كلها، ليس فقط من منظور استراتيجيتها المتوازنة، بل أيضا من جهة قدراتها النفطية الهائلة، من حيث الاستخراج والاحتياطيات. إنها المحور الذي يؤثر حقا في الساحة. ولن تكون هناك مشاكل نفطية عالمية إذا ما استمرت السياسة السعودية على حالها، لأنها ببساطة تدخل ضمن النسيج الاقتصادي العالمي، كما أنها تحظى بتقدير واحترام المجتمع الدولي. وفي المرحلة المقبلة، ستبقى الإمدادات والأسعار ضمن النطاق المطلوب لكل الأطراف، خصوصا مع إدارة السعودية عمليا لاتفاق خفض الإنتاج، والتعاطي معه بمرونة أيضا.
فالأشياء المتغيرة حاضرة دائما على الساحة الدولية، لكن الثوابت تبقى كما هي دون تغيير، خصوصا عندما تحافظ عليها المملكة بمسؤولية عالية يقدرها العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي