الأدب الياباني ينزع إلى اعتبار العزلة حالة مجيدة

الأدب الياباني ينزع إلى اعتبار العزلة حالة مجيدة
الأدب الياباني ينزع إلى اعتبار العزلة حالة مجيدة
الأدب الياباني ينزع إلى اعتبار العزلة حالة مجيدة

حسب الدعايات المتبعة في ترويج الدراما التلفزيونية ليلة الجمعة، فإن عبارة "رجل أعزب، في منتصف العمر يعبر البلد من أجل العمل ويتحدث إلى نفسه، في الوقت الذي يتناول فيه طعامه وحده"، لا تشير إلى أن تلك تمثيلية تحقق نجاحا ساحقا.
مع ذلك، فإن مسلسل "خبير الطعام الذي يشعر بالوحدة" وهو تحفة فنية من النوع الأدبي الصاعد في اليابان، الذي ينزع بقوة إلى الترويج لدعاية العزلة، يدخل الآن موسمه السابع.
لا توجد هناك حتى الآن مسلسلات تلفزيونية كثيرة تقلد مسلسل خبير الطعام الوحيد، لكن موضوعه الرئيسي – التلذذ الواعي بالعزلة – يتشارك فيه طوفان من الكتب المنشورة حديثا، التي احتل عدد منها أعلى قوائم الكتب الأكثر رواجا في اليابان.
هذا ربما يثير الفزع لدى الذين ينظرون إلى الوحدة على أنها من المخاطر الصحية التي تعادل خطر التدخين أو البدانة، لكن تم العثور على عرق غني من التفكير غير التقليدي والاستفادة منه.
وبشكل في غاية الذكاء، في تمجيده للعزلة، تمكن هذا الأدب من تحويل فهم اليابان لكلمة "العزلة"، من كونها تدل على حالة مثيرة للشفقة وللخوف، إلى شيء يدل على الثقة في النفس ويعمل على إطلاقها.
في قمة الظاهرة يجلس هيرويوكي إتسوكي، وكتابه الرئيس عن الموضوع، بعنوان "نصيحة للذين يشعرون بالوحدة". وهو يصرح منذ البداية أن "السبب الذي أشعر فيه أني راض عن نفسي، هو لأنني لست خائفا من الوحدة".
وفي المرتبة الثانية مباشرة، من حيث المبيعات، يأتي كتاب "الشعور بالوحدة من الدرجة الأولى" ذو الشعبية الهائلة، وهو من تأليف أكيكو شيموجو، الذي يشن تحديا صريحا ضد "الفكرة السائدة هذه الأيام، وهي أن الوحدة ظاهرة شريرة".
هناك عدد أكبر بكثير: بعض الكتب تدين القيود التي تفرضها وحدة العائلة، وبعضها الآخر يحذر ضد "الإنهاك الناتج عن سعي الشخص لأن يكون محبوبا" وبعضها الآخر لا يزال يؤكد أنه من خلال حالة العزلة يستطيع الكبار أن "يلوكوا ذكرياتهم" بمتعة.
في جولة ضمن مئات الكتب التي تشتمل عناوينها على كلمة kodoku، أي الوحدة، تجد الكتابين الكلاسيكيين المؤيدين للوحدة: "قوة التمتع بالوحدة" و"أصبحت أنظر إلى الوحدة على أنها جميلة".
هناك مجموعة أصغر من الكتب تجلس بشكل راسخ في المكتبات اليابانية، التي لا تحذر فقط من المخاطر المتعددة للوحدة، إنما كذلك من أخطار تصويرها كفضيلة.
كتاب للمؤلفة جونكو أوكاموتو، بعنوان "الرجال كبار السن في اليابان هم أكثر رجال العالم شعورا بالوحدة"، يقدح في مكانة اليابان على أنها "قوة عظمى للوحدة"، ويدين الأدب المؤيد للوحدة على أنه راحة تهكمية للضعفاء.
وتقول، "المجتمع لا يفعل ما فيه الكفاية للتصدي للوحدة، والناس لا يريدون أن يعترفوا بمدى تعاستهم، وبالتالي، يستخدمون الكتب المؤيدة للوحدة لتعزية أنفسهم. هم يريدون أن يشعروا أنه ما يفعلونه هو الصواب".
وتضيف، أن أمثال إتسوكي يطمسون بشكل متعمد معنى كلمة الوحدة kodoku للتهوين من معناها الذي يشتمل على الوحشة والتعاسة وإبراز فكرة الاستقلال المكتفي ذاتيا. الخلفية الكئيبة هي أن اليابان، بطريقة أو أخرى، تنشئ قدرا كبيرا للغاية من الناس الذين يشعرون بالوحدة. اليابان ليست بأي حال وحيدة في هذا المجال، كما يقول علماء الاجتماع، لكن خصوصية نظام الشركات والآثار الديمغرافية المترتبة على أن ربع السكان هم فوق 65 سنة، تجعل اليابان بارزة.
الموظفون الذين تدور شبكاتهم الاجتماعية بالكامل حول مكان العمل، يبدون أنهم ميالون بشكل خاص إلى العزلة عندما يتقاعدون.
حساب الوحدة، الذي يشتمل على تقدير بأن هناك نحو 45 ألف شخص في اليابان ماتوا في السنة الماضية دون أن يشعر بهم أحد، هو أمر مؤلم. عدد اليابانيين الذين يعيشون وحدهم الآن هو ضعف عددهم قبل 30 سنة. اليوم، باتت الأسر التي تتألف من شخص واحد هي أكثر الأنواع شيوعا "حيث يبلغ عددها نحو ثلث عدد جميع الأسر"، ونحو 18.4 مليون بالغ يعيشون وحدهم.
بحلول عام 2030، سترتفع نسبة الرجال والنساء الذين لم يتزوجوا أبدا لتصل إلى 30 في المائة و23 في المائة على الترتيب "بارتفاع من 23 في المائة و14 في المائة في عام 2015".
يتوقع الباحثون الحكوميون أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون وحيدين من الذين هم فوق 65 عاما من نحو ستة ملايين شخص إلى نحو تسعة ملايين شخص في 2040.
وفي استبيان من مجلس الوزراء لكبار السن توصل إلى أن 60 في المائة منهم يجرون محادثة واحدة أو اثنتين فقط في الشهر.
النقص الذي ينذر بالخطر في الحلول العملية لكل هذه المشاكل زاد في حدة المعركة الأيديولوجية على رفوف الكتب. وبالنسبة للوقت الحاضر على الأقل، فإن الجواب المفضل هو أن نتحصن بالفكرة التي تقول، إن الوجود المستوحد يمكن أن يكون وجودا غنيا.
تعترف أوكاموتو أن لوبي الوحدة له اليد العليا: "إذا حكمنا بمبيعات الكتب، فإن اللوبي متقدم بنحو عشرة إلى واحد" مقابل الكتب التي تذهب في الاتجاه المعاكس.

الأكثر قراءة