FINANCIAL TIMES

وداعا للمال الرخيص.. المستثمرون يستعدون لعصر «التشديد الكمي»

 وداعا للمال الرخيص.. المستثمرون يستعدون لعصر «التشديد الكمي»

أسبوع من القرارات المهمة المتعلقة بالسياسات النقدية جعل المستثمرين يعملون على تجديد محافظهم الاستثمارية لتناسب حقبة جديدة من تشديد السيولة النقدية.
جاءت الزيادة السابعة التي يقررها الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة منذ عام 2015 يوم الأربعاء، قبل يوم من إعلان البنك المركزي الأوروبي أنه سينهي برنامجه لشراء السندات، البالغ حجمه 2.4 تريليون دولار، في كانون الأول (ديسمبر). وقبل قرار بنك اليابان يوم الجمعة الحفاظ على برنامجه للتسهيل الكمي، ما يجعله البنك الوحيد الذي لا يزال يطبق التسهيل الكمي بين البنوك المركزية الرئيسة.
استثارت تلك التحركات تحذيرات من بعض المحللين والمستثمرين بأن الخلفية المالية أصبحت أقل إيجابية بكثير بعد فترة زمنية طويلة كان خلالها أداء كثير من الأصول قويا.
قال جريجوري بيترز، وهو مدير محفظة أول في "بي جي آي إم" للدخل الثابت: "نحن نعيش الآن عصر التشديد الكمي، وليس عصر التسهيل الكمي. ولت فترة الهدوء التي كانت تتميز بانخفاض التقلبات وارتفاع الأسواق. إذا كان التسهيل الكمي قد عمل على رفع الأسواق، فإن الوضع المعاكس سيكون له بعض التأثير".
في الأسبوع المنتهي في 13 تموز (يوليو)، قبل اجتماعات الأسبوع الماضي، تم سحب 5.5 مليار دولار من سوق السندات العالمية، وهو وفقا لـ"إي بي إف آر جلوبال"، أكبر تدفق خارج في أسبوع واحد منذ شباط (فبراير).
كان الانسحاب من الدخل الثابت واسع النطاق في الوقت الذي يتكيف فيه المستثمرون مع عالم يقدم فيه اثنان من البنوك المركزية الرئيسة دعما أقل من قبل. وكانت صناديق السندات الأوروبية الأكثر تضررا، بخسارتها 2.4 مليار دولار، وهو أكبر تدفق خارج منذ أكثر من عام. وعانت صناديق سندات الأسواق الناشئة ثامن أسبوع على التوالي من التدفقات الخارجة، وهي أطول فترة سلبية منذ عام 2014.
البنك الذي يحدد معدل الحركة من حيث التشديد الكمي – وهو كناية عن سحب الحوافز النقدية - هو الاحتياطي الفيدرالي الذي يعمل على تقليص ميزانيته العمومية بحذر، وإن كان بوتيرة متسارعة تدريجيا، تبلغ حاليا نحو 50 مليار دولار في الشهر.
حتى الآن، تم تعويض ذلك من خلال عمليات شراء السندات التي نفذها البنك المركزي الأوروبي بقيمة 30 مليار يورو شهريا وبرنامج بنك اليابان، لكن السيولة العالمية ستبدأ في التقلص للمرة الأولى منذ الأزمة المالية بمجرد انتهاء عمليات الشراء التي ينفذها البنك المركزي الأوروبي.
أدت نوبات التقلبات الأخيرة في أجزاء من الأسواق إلى إثارة قلق بعضهم من أنها مجرد مقدمة لظروف أقسى بكثير خلال النصف الثاني من العام.
مات كينج، وهو محلل استراتيجي أول لدى "سيتي"، يرى أن العلامات المثيرة للقلق مثل اندفاع مؤشر فيكس في وول ستريت في شباط (فبراير)، واضطرابات العملة في الأرجنتين وتركيا، وانقباض سوق السندات في إيطاليا، وارتفاع تكاليف الاقتراض قصير الأجل، كلها تشكل معا نمطا يبعث على القلق.
قال، "تلك الأحداث ليست مجرد ضجة يمكنك الاستهانة بها باعتبارها إلهاء للأسواق عن الأساسيات الكبيرة. الضعف الذي تسببت في حدوثه هو النتيجة المباشرة لتقليص الشراء من قبل البنوك المركزية. يتعين على الأسواق الآن إعادة اكتشاف كيفية تسعير الأخطار – وهي تتذكر الآن أنه في كثير من الحالات، أن التقييمات ’العادلة‘ لا تزال بعيدة عن المستويات الحالية".
ولاحظ بيترز، من "بي جي آي إم"، أنه في الوقت الذي يكون فيه سحب السيولة من قبل البنك المركزي قضية كبرى، إلا أن المشكلة الأكبر حتى الآن يمكن أن تكون الارتفاع في تكاليف الاقتراض الأمريكية طويلة الأجل. فهي تفرض ضغطا على توافر الأموال النقدية للاقتصاد العالمي، ما يجعل كثيرا من الاستثمارات الأكثر خطورة تبدو أقل جاذبية.
واستثار هذا الاتجاه ألما لا يستهان به بالنسبة للأسواق الناشئة الهشة التي تجمع بين عجز كبير في الحساب الجاري ومبالغ ضخمة من الديون المقومة بالدولار.
تفاقمت الضغوط المفروضة على الأسواق الناشئة بسبب المستثمرين الذين يحولون الأموال النقدية من الأسواق الناشئة إلى الولايات المتحدة، حيث أصبحت أسعار الفائدة أكثر جاذبية. وقد ارتفعت عائدات سندات الخزانة قصيرة الأجل، لأجل 12 شهرا، التي تعادل أساسا الأموال النقدية، إلى 2.3 في المائة ـ أعلى مستوى منذ عشر سنوات ـ بفضل التشديد الذي فرضه الاحتياطي الفيدرالي والزيادة الكبيرة في الاقتراض الحكومي الأمريكي عقب الإصلاحات الضريبية.
في الوقت نفسه، عملت إعادة كميات كبيرة من الأموال النقدية الموجودة في الخارج من قبل الشركات الأمريكية على سحب الأموال من سوق التمويل المصرفي قصير الأجل، ما دفع مؤشر أسعار الليبور لأجل ثلاثة أشهر، وهو مقياس عالمي للأسعار المعومة، ليصل إلى 2.3 في المائة.
قال بيترز، "أصبحت الأموال النقدية جذابة فعليا الآن. وهذا ليس بالشيء العابر، بل هو تغيير في النظام. وهذا يشجعك فعلا على التخلص من المخاطر". 
مع إشارة الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي إلى أن هناك اثنتين من عمليات التشديد الأخرى خلال هذا العام وما لا يقل عن ثلاث عمليات تشديد في عام 2019، فإن جاذبية الأموال النقدية سوف تزيد.
مثلا، تخلفت الأسهم ذات الأرباح المرتفعة في السوق الأمريكية الأرحب هذا العام بعد فترة من المكاسب القوية عندما كانت أسعار الفائدة الأمريكية على القروض لليلة واحدة أقل بكثير. بالكاد كان مؤشر العوائد الأرستقراطية ستاندرد آند بورز (الشركات التي تدفع أرباحا متزايدة على الأسهم لفترة تزيد على 25 عاما) إيجابيا في عام 2018، في الوقت الذي كانت فيه عائدات الائتمان والسندات بشكل عام ضعيفة.
وفقا لكريس إيجو، كبير الإداريين الاستثماريين للدخل الثابت في "آكسا إنفستمنت مانيجرز"، "كان أداء الائتمان ضعيفا بالأصل هذا العام والفرق في أسعار الفائدة مع السندات المعيارية كان أوسع نطاقا، لكن في سياق الأفق الأطول أجلا - الوقت الذي يسبق التسهيل الكمي - لا تزال علاوات المخاطر منخفضة جدا".
ثمة دلالة أخرى على عدم الارتياح لديها مضامين كبيرة على المحافظ الاستثمارية، وهي الأداء المضطرب للمصارف العالمية، لا سيما في أوروبا. رغم زيادات أسعار الفائدة التي هي إيجابية عادة بالنسبة للمؤسسات المالية، تراجعت الآن أسهم 16 من أكبر المصارف في العالم لتصبح ضمن السوق الهابطة، بحيث تؤكد على بوادر توترات مالية عالمية، وفقا لشركة أبسوليوت استراتيجي ريسيرش..
البنك المركزي الأوروبي أرفقَ تعليقات مع قراره بإنهاء برنامج التسهيل الكمي تفيد بأن الزيادات في أسعار الفائدة غير مرجحة حتى النصف الثاني من عام 2019، ما يواصل الضغوط المفروضة على نماذج الأعمال في مصارف منطقة اليورو. ويأتي تراجع البنك المركزي بينما تواجه أوروبا تزايدا في التوترات السياسية ربما تتسبب عند اقترانها مع بيانات اقتصادية غير قوية، في تحرك السياسة النقدية الخاصة بالاحتياطي الفيدرالي بشكل يتقدم حتى على تحركات البنك المركزي الأوروبي.
وبحسب إيجو، التفاوت بين الأسواق الأمريكية والأسواق الأوروبية يشكل صعوبة أمام المحافظ الاستثمارية العالمية، خاصة عندما يلزم التحوط من مخاطر العملة. بالنسبة لمستثمر يتعامل باليورو، ستكون عائدات الدولار الأمريكي لأجل 12 شهرا بنسبة تزيد على 2 في المائة سلبية بمجرد التعويض عن مخاطر العملة. 
في الوقت الذي هيمنت فيه اجتماعات البنوك المركزية الأسبوع الماضي، باتت فرص اندلاع حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين أكبر، بعدما كشف البيت الأبيض النقاب يوم الجمعة عن فرض رسوم جمركية جديدة بقيمة 50 مليار دولار على الواردات الصينية.
نيل ويليامز، المحلل الاقتصادي الأول لدى هيرمس لإدارة الاستثمارات، يلاحظ أن التأثير المنتشر للمخاطر الجيوسياسية لا ينعكس حاليا على أسعار الأصول. وهو يرى أن المستثمرين "لا يزالوا يتخذون وجهة نظر تفاؤلية فيما يتعلق بالتوقعات المستقبلية الأكبر، مع قليل من الاعتبار الحقيقي للمخاطر الجديدة الناشئة".
اللغة السياسية الطنانة المتصاعدة حول النزعة الحمائية والحروب التجارية "قد تعني أننا قطعنا أكثر من نصف الطريق بقليل عبر هذه الحقبة الحالية من المال الرخيص"، بحسب ما حذر ويليامز - وقد يتسبب الكساد التضخمي المتصل بالتجارة في إرغام المصارف المركزية في نهاية المطاف على التفكير في جولة جديدة من التحفيز النقدي. 
وكما قال ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، يوم الخميس أصبح التسهيل الكمي "جزءا من صندوق الأدوات" الموجودة لدى البنوك المركزية. والذين يخشون التهديدات الجيوساسية ربما يتبين في نهاية المطاف أنهم على حق، لكن بالنسبة للوقت الراهن يتعين على المستثمرين إعادة معايرة المحافظ الاستثمارية لتتناسب مع عالم يتم فيه إقصاء أدوات التسهيل الكمي.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES