كوريا الشمالية .. اقتصاد مترهل يكتنز ثروة معدنية بقيمة 6 تريليونات دولار

كوريا الشمالية .. اقتصاد مترهل يكتنز ثروة معدنية بقيمة 6 تريليونات دولار
كوريا الشمالية .. اقتصاد مترهل يكتنز ثروة معدنية بقيمة 6 تريليونات دولار

في منتصف العام الماضي تقريبا نشرت وكالة رويترز للأنباء تقريرا أثار في حينها جدلا كبيرا وتعليقات متباينة حول اقتصاد كوريا الشمالية. 
فقد أشارت الوكالة الإخبارية إلى أن اقتصاد بيونج يانج نما بنحو 4 في المائة عام 2016، رغم الحصار الدولي الذي تتعرض له، واعتبر هذا المعدل الأعلى منذ عام 1999 عندما نما الاقتصاد الكوري الشمالي بنحو 6.1 في المائة. 
وقدر التقرير أن اقتصاد الشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية نما بنسبة 1.24 في المائة في المتوسط منذ وصول كيم جونج أون إلى السلطة، بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي 28.5 مليار دولار عام 2016، ليكشف عن مدى هزالة اقتصاد بيونج يانج.
أحد أسباب الجدل الذي أثاره التقرير أن كوريا الشمالية توقفت عن نشر إحصاءات اقتصادية تفصيلية منذ ستينيات القرن الماضي، وأغلب البيانات التي يتم الاعتماد عليها في تحليل بنية الاقتصاد الكوري الشمالي مصدرها البنك المركزي لكوريا الجنوبية، الذي يعتمد في بياناته بشأن اقتصاد الشطر الشمالي على المعلومات التي تمدها بها كل من وزارة توحيد الكوريتين التابعة لحكومة كوريا الجنوبية، أو من جهاز المخابرات الوطني في كوريا الجنوبية، أو على تقديرات المنظمات الدولية والباحثين.
ووفقا لكوريا الجنوبية التي يعتقد عديد من الخبراء أن بياناتها بشأن اقتصاد الشطر الشمالي يتحلى بمصداقية ودقة عالية، فإن اقتصاد كوريا الشمالية يعادل 1.8 ضعف الحجم الاقتصادي الذي تشير إليه تقديرات الأمم المتحدة، وأن وارداتها الأساسية تنحصر في النفط والمنسوجات والشاحنات وزيت فول الصويا، بينما تنحصر الصادرات في المعادن والفحم وبعض المنتجات البحرية. 
المصدر الآخر للمعلومات والبيانات عن اقتصاد كوريا الشمالية مصدره الصين التي استحوذت عام 2016 على 92.5 في المائة من التعاملات التجارية لكوريا الشمالية مع العالم الخارجي.
وربما يتغير هذا المشهد بعد القمة التاريخية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في سنغافورة، فالقمة قد تكون بمنزلة مقدمة لانفتاح واحد من أكثر الاقتصادات المغلقة في العالم.
وسواء طال الزمان أم قصر فإن الاقتصاد الكوري الشمالي على أعتاب نقلة نوعية عنوانها الأساسي الانفتاح على العالم الخارجي.
وتبدو ملامح هذا الاتجاه في الإعجاب الذي أبداه الزعيم الكوري بالتنمية الاقتصادية في سنغافورة، ورغبته في أن تتعلم بلاده من تلك التجربة. 
ويبدو أن هذه الرغبة في التواصل مع العالم الخارجي لم تكن من طرف واحد فقط، فقبل أن يجف حبر الاتفاق الموقع بين ترمب وكيم، كان عددا من المستثمرين الأمريكيين يعربون عن رغبتهم في الاستثمار في كوريا الشمالية، بل وتحدث الرئيس الأمريكي بنفسه عن الإمكانيات الاقتصادية الضخمة للشطر الشمالي من الجزيرة الكورية.
ولكن ما الذي يدفع بالرئيس ترمب للحديث عن "إمكانيات اقتصادية ضخمة لكوريا الشمالية"، ولماذا تلك السرعة التي يبديها رجال الأعمال الأمريكيون للاستثمار في كوريا الشمالية، ولم تتضح بعض الآفاق المستقبلية للتوجهات الاقتصادية للنظام؟ 
ويبدو أن اجابة السؤال تكمن في الجغرافيا أكثر منها في أي شىء آخر. الدكتور راسل سميث أستاذ الجغرافيا الاقتصادية في مدرسة لندن للجغرافيا في جامعة كوين ماري في لندن، الذي سبق أن قام بزيارتين لكوريا الشمالية أحدهما في عام 2015، يوضح لـ "الاقتصادية"، إن "كوريا الشمالية وعلى الرغم من فقرها الاقتصادي، غنية بالموارد المعدنية غير المستغلة، وأعتقد أن القيادة الشابة هناك وصلت إلى قناعة بأنها مهما حصلت على مساعدات عن طريق تهديد الآخرين بقدرتها النووية، فإن تلك المساعدات لا تمثل شيئا يذكر إذا ما أتاحت للعالم الاستثمار في ثرواتها المعدنية، التي يمكن أن تحدث طفرة نوعية في وضعها الاقتصادي".
ويستدرك قائلا "هناك ما لا يقل عن 200 نوع من المعادن متوافر بصورة تجارية ضخمة في كوريا الشمالية، من بينها الحديد والذهب والزنك والنحاس وغيرها، إضافة إلى كميات كبيرة من المعادن الأرضية النادرة التي تحتاج إليها صناعات البلدان المجاورة لصنع الهواتف الذكية وغيرها من المنتجات الإلكترونية والتقنية الحديثة".
وحول القيمة الإجمالية لتلك الثروة المعدنية، ينفي راسل وجود رقم محدد أو متفق عليه بشأنها، فالتقديرات تتفاوت على مر السنين، والنظام الكوري الشمالي يضفي عليها طابعا من السرية ولا يتيح للشركات الدولية إمكانية الوصول إليها بسهولة. 
لكنه يضيف أن "التقديرات الصادرة عن شركة التعدين الرسمية في كوريا الجنوبية تقدر قيمة الثروة المعدنية في الشطر الشمالي بنحو 6 ترليونات دولار، وبعض معاهد الأبحاث في كوريا الجنوبية تصل تقديراتها الى 10 ترليونات دولار".
وفي الواقع فإن كوريا الشمالية تدرك أكثر من غيرها أهمية ثرواتها المعدنية، وهو ما جعل التعدين ومنذ سبعينيات القرن الماضي أحد أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد، إذ يسهم وفقا للتقديرات الدولية بنحو 14 في المائة من الاقتصاد الكوري الشمالي، إلا أن الافتقار إلى الخبرة والتكنولوجيا الحديثة والبنية الأساسية الضرورية لتعظيم العائد الاستثماري في ذلك القطاع، وعدم القدرة على شراء معدات تعدين حديثة بسبب نفص السيولة المالية، والحصار الدولي كلها عوامل لم تجعل قطاع التعدين يلعب الدور المنوط به في الاقتصاد الكوري الشمالي بشكل تام وكامل.
وربما تتجلى أهمية قطاع التعدين عند تحليل البيانات التجارية التي تعلنها الصين بشأن علاقاتها التجارية مع كوريا الشمالية، فالصين هي العميل الرئيس لقطاع التعدين الكوري.
ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور نايجل ماردسون أستاذ الاقتصاد الآسيوي، إن" تجارة المعادن بين كوريا الشمالية والصين تمثل نحو 54 في المائة من إجمالي حجم التجارة بين بكين وبيونج يانج، وفي عام 2016 استوردت الصين ما قيمته 73 مليون دولار من خام الحديد من كوريا الشمالية، كما أن صادرات بيونج يانج من الفحم الصيني تعد أحد المصادر الأساسية للحصول على العملة الأجنبية، وفي عام 2015 استوردت الصين ما قيمته مليار دولار من الفحم من كوريا الشمالية، ويرجع ذلك إلى أن الفحم لا يتطلب استخراجه الكثير من التكنولوجيا، وأغلب المناجم تقع بالقرب من الموانئ الرئيسة والحدود مع الصين، ما يعني أن بيونج يانج لا تواجه مشكلة في البنية التحتية لنقلة إلى الصين، ومنذ الصيف الماضي أعلنت الصين أن شحنات الفحم إليها تشكل 40 في المائة من صادرات كوريا الشمالية".
ويضيف ماردسون، أن "كوريا الشمالية ونتيجة الحصار الأمريكي عليها تبيع الفحم للصين بأقل من سعر السوق، كما أنها تعلم أن تلك هي الوسيلة الوحيدة لمنع الصين من التحول إلى البدائل الأخرى مثل الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة". 
وتدرك الولايات المتحدة أهمية الثروة المعدنية لكوريا الشمالية، وهو ما جعلها في الماضي تحث الأمم المتحدة على ألا تشمل العقوبات المفروضة على بيونج يانج حظر صادرات الفحم فقط، وإنما أيضا صادراتها من النيكل والنحاس والزنك والفضة والذهب والفاناديوم والتيتانيوم والمعادن الأرضية النادرة. لكن الآن يبدو أن الوضع في طريقه إلى التغيير".
أحد أبرز التساؤلات المطروحة الآن بشأن مستقبل كوريا الشمالية تتعلق بمن سيكون له قصب السبق في الاستثمار في ذلك الاقتصاد المجهول؟
وتتفاوت الإجابة بشكل كبير بين الخبراء، فبينما يعطي البعض قصب السبق لكوريا الجنوبية، التي أظهرت استطلاعات الرأي لشركات الشطر الجنوبي مدى رغبتها في الاستثمار في الشطر الشمالي، إذ أعلنت ثلاثة أرباع الشركات الكورية الجنوبية أنها مستعدة للاستثمار في كوريا الشمالية بمجرد رفع العقوبات.
إلا أن آخرين يعتقدون أن الصين ستتفوق على الجميع، فلعقود ظلت الحليف الدولي الأول لبيونج يانج والشريك التجاري الأساسي لها، كما أن الشركات الصينية تستثمر بالفعل في أسواق كوريا الشمالية، ولديها علاقات خاصة مع عديد من المسؤولين الكورين الشماليين، وتدرك أكثر من غيرها نقاط الضعف والقوة الاقتصادية لبيونج يانج. 
كما أن رفع العقوبات سيجعل الصين تضم كوريا الشمالية إلى مبادرة الحزام والطريق بسهولة، وتضخ مليارات الدولارات بشكل سريع في الاقتصاد الكوري الشمالي للنهوض به، باعتبارها جزءا من الحديقة الخلفية للصين. 
إلا أن المستثمرين الأمريكيين يعتقدون أن أسواق كوريا الشمالية ومواطنيها سيكونون أكثر رغبة في الاستمتاع بالسلع الأمريكية، وأن التكنولوجيا الأمريكية ستكون الأكثر جاذبية لكوريا الشمالية، وأن الانفتاح على العالم الخارجي يعني في الأساس تعزيز التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، التي يمكن أن تضخ مليارات الدولارات للاستثمار في كوريا الشمالية بسهولة تفوق غيرها من المنافسين.
كما أن رجال الأعمال القادمين من الولايات المتحدة يعتقدون أن كوريا الشمالية قد تكون مجبرة على التعامل مع الصين نتيجة العقوبات الأمريكية، أما بعد رفع العقوبات فإن الصين ونتيجة سلوكها في بعض البلدان الآسيوية مثل سريلانكا التي عجزت عن دفع تكاليف ميناء طورته لها الصين فقامت بكين بالسيطرة عليه، قد لا تصبح نموذجا براقا بالنسبة لبيونج يانج. 
ويعتقد نيلسون آستون الباحث الاقتصادي أن المشكلة لا تكمن فيمن سيحظى بالنصيب الأكبر من أسواق كوريا الشمالية، بقدر مدى استعداد بيونج يانج لذلك السباق الدولي على أسواقها. ويضيف لـ "الاقتصادية" أنه "على الرغم من الثروة المعدنية الضخمة في كوريا الشمالية، إلا أن حجم اقتصادها لا يتجاوز نصف حجم اقتصاد سادس مدينة في كوريا الجنوبية، والاقتصاد الكوري غير مؤهل لاستقبال الاستثمارات الدولية الضخمة، فنحن نتحدث عن دولة تجاوزت عزلتها الدولية نحو نصف قرن، فمخرجات نظام التعليم غير مؤهله بشكل يرضي الاستثمارات الدولية، وقوة العمل تفتقر المهارات الأساسية، وتفكيك سيطرة الدولة على الاقتصاد قد تتطلب عقودا، أضف لذلك البيروقراطية، والطابع الأمني للدولة الذي سيعيق بشكل كبير من قدرة الاستثمارات الدولية على العمل بحرية".
ويشير آستون إلى أن "النظم القانونية هناك معادية للاستثمارات الأجنبية، والعديد من الاستثمارات الأجنبية تمت مصادرة أصولها في السابق، وتغيير تلك القوانين أمر سيواجه بمقاومة شديدة من الحرس القديم، الذي يمكن أن يطيح بكيم جونج أون، وتدفق الاستثمارات الأجنبية سيشعر السلطات بأن انتشار الرأسمالية سيقوض قبضة النظام على السلطة، وهو ما يعني أن الشركات الأجنبية قد ينتهي بها المطاف ضحية الاقتتال الداخلي داخل الحكومة". 

الأكثر قراءة