المتاحف .. من تمويل الحروب إلى صون الذاكرة ضد بشاعتها

المتاحف .. من تمويل الحروب إلى صون الذاكرة ضد بشاعتها
المتاحف .. من تمويل الحروب إلى صون الذاكرة ضد بشاعتها

ارتبط اسم المتحف عادة بالمكان الذي يختزن الذاكرة الجماعية للشعوب من خلال ما يحتويه من آثار خلفتها ومصنوعات على مر التاريخ، بقيت شاهدة على حضارات هذه الشعوب. وتفيد كلمة متحف في الاشتقاق اللغوي العربي المكان الذي تتجمع فيه التحف والأشياء النادرة والثمينة، ما يجعل قيمتها تتزايد كلما مر الزمن عليه.
المتحف باختصار "دار لحفظ الآثار القديمة، والتحف النادرة، وروائع المنحوتات واللوحات الفنية، وكل ما يتصل بالتراث الحضاري". فهو إذن يضم أعمالا علمية أو أعمالا فنية أو معلومات عن التاريخ والتقنية، وجعلها متاحة للجمهور من خلال معارض دائمة أو مؤقتة.
جاء في "دليل المتاحف" الصادر عن المجلس الدولي للمتاحف (الأيكوم) "أن المتاحف ترعى ملكية العالم الثقافية وتشرحها للناس، وهي ملكية غير عادية تتمتع بوضع خاص في التشريعات الدولية، كما تتمتع بحماية القوانين الوطنية، وهي بشقيها المادي والمعنوي جزء من تاريخ العالم الطبيعي وتراثه الفكري والثقافي. وكثيرا ما توفر الملكية الثقافية الأدلة والشواهد المادية التي تستند إليها مجالات معرفية متعددة مثل علم الآثار والعلوم الطبيعية وهي بذلك تعد من الإسهامات المهمة لنبع المعرفة، وعنصرا جوهريا في تعريف الهوية الثقافية على الصعيدين الوطني والدولي".
قديما، تفيد بعض المصادر التاريخية بأن فكرة إنشاء المتاحف تطورت في الألفية الثانية قبل الميلاد في لارسا الواقعة في بلاد ما بين النهرين. كما توضح بعض الأدلة الأثرية في مدينة أور؛ التي يرجع تاريخها إلى القرن السادس قبل الميلاد، أن الملكين الكلدانيين نبوخذ نصر الثاني ونابو نيداس كانا يجمعان الآثار، حيث عثر في نفس المدينة على مجموعة من الآثار، في غرفة بجوار مدرسة معبد مثبت فيها لوح يصف نقوشا حجرية قديمة، اعتبر بمنزلة بطاقة "تعريف متحفي".
حديثا، في أوروبا الوسطى اقتصرت فكرة التحف الفنية على قصور الأمراء والكنائس، وكانت لها أهمية اقتصادية، حيث كانت إيراداتها تستخدم في تمويل الحروب وباقي نفقات الدولة. قبل أن يتطور الأمر إلى بعد إحياء فكرة الاهتمام بالتراث القديم، نتيجة ظهور عائلات من التجار وأصحاب المصارف. كانت أبرزها عائلة ميدتشي بمدينة فلورنسا في إيطاليا، التي آلت ممتلكاتها الأثرية إلى الدولة سنة 1743.
ازدادت العناية بالتاريخ الإنساني والطبيعي مع بداية القرن 17، ما أدى إلى تشكيل المجموعات العلمية المتخصصة. توج هذا السياق العام، بما ساد فيه من روح علمية، بافتتاح أشموليان في جامعة أكسفورد سنة 1683، كأول متحف تؤسسه هيئة عامة للنفع العام.
تنتشر في العالم اليوم عشرات الآلاف من المتاحف، التي تشكل مركزا للحفظ والدراسات والتأمل في التراث والثقافة، إلا أن الاختلاف قائم لجهة صعوبة الحصول على تصنيف وحيد معتمد لهذه المتاحف، فهناك عديد من التصنيفات، التي يعتمد كل منها معيارا معينا مثل الأكثر استقطابا للزائرين، أو أقدم المتاحف، أو أكثرها جمالا، أو حتى أغرب المتاحف.
فوفق معيار الشهرة، يعد متحف اللوفر في باريس، من أهم متاحف في العالم. في الأصل هو عبارة عن قلعة بناها فيليب أوغست عام 1190، ثم تحول إلى متحف في غشت (آب) 1793. تضم قاعاته أكثر من مليون قطعة فنية، موزعة بين اللوحات الزيتية والتماثيل، إلى جانب مجموعة رائعة من الآثار الإغريقية والرومانية والمصرية، التي يبلغ عددها 5664 قطعة أثرية.
تليه متاحف الفاتيكان، وهي عبارة عن مجموعة متاحف في نفس الوقت تأسست عام 1506. تضم قسمين، أحدهما معرض للفنون، يحتوي على الأيقونات واللوحات التي أنتجت للكنيسة خلال مراحل تاريخية مختلفة، ولم تعد مستعملة. إلى جانب عدد من أشهر الأعمال حول العالم كلوحة "التجلي" و"لوحة سيدة فالينو"، ولوحة القديس جيروم.. والآخر متحف الفنون الحديثة، الذي يشمل أعمال الحقب التالية لعهد النهضة.
في المركز الثالث نجد المتحف البريطاني الذي تأسس عام 1753، اعتمادا على مجموعات العالم الفيزيائي السير هانز سلون. وفتح أبوابه في وجه عموم الجمهور بشكل مجاني سنة 1959. يحتوي المتحف على أكثر من 13 مليون قطعة من جميع القارات. ويضم عدة أقسام، أهمها: القسم المصري والقسم الأشوري والقسم اليوناني الروماني والقسم البريطاني، وغيرها من آثار العصور الوسطى، وآثار أخرى من الشرق الأدنى، علاوة على متعلقات علم السلالات البشرية وعلم الحيوان وعلم النبات وعلم الجيولوجيا وعلم المعادن. وباعتماد معيار عدد الزوار وسباق الجذب، حافظ متحف اللوفر على مكانته في الصدارة للسنة الرابعة على التوالي، بأزيد من 8,7 مليون زائر في السنة، لما تحت سقفه من أندر الآثار التحف الفنية أشهرها لوحة الموناليزا. متبوعا بالمتحف الوطني الصيني في بكين بإجمالي زوار بلغ 7,3 مليون زائر. ثم المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي سيمثسونيان بواشنطن، بأكثر من 6,9 مليون زائر كل عام. ويحتوي على ما يزيد على 125 مليون عينة من النباتات والحيوانات والمستحاثات والمعادن والصخور والنيازك والآثار الثقافية.
ظهرت في الآونة الأخيرة متاحف نأت عن وظيفتها المتعارف عليها، كمستودع للتاريخ الرسمي للبشر، لتنهض بمهام أخرى أبعد ما تكون عن فكرة المتحف في الأصل، بعض هذه المهام أقرب إلى الغرابة منها إلى شيء آخر.
ففي كاليفورنيا تساعدك جولة من الرعب في متحف الموت الذي أسس سنة 1995، قصد التوثيق لأفظع الجرائم من خلال صور لجثث محنطة، على أن تكون سعيدا لأنك لا تزال على قيد الحياة.
وتأسس قبله بنحو عقد ونصف، على يد صانع الفخار شيز غاليب، في مدينة أفانوس بمنطقة كابادوكيا التركية متحف الشعر، الذي يقصده آلاف الزوار سنويا، قصد مشاهدة معروضاته البسيطة والغريبة، التي تتمثل في خصلات شعر لنساء وفتيات من مختلف دول العالم.
تبقى اللائحة طويلة لمتاحف تكسر لدينا الصورة النمطية التقليدية، التي لدينا عن المتاحف، فمن متحف "المجاري" أو "الصرف الصحي" حسب الترجمة، بمدينة باريس سنة 1989، إلى متحف "الفن السيئ" سنة 1995 في ماساشوسيتس بأمريكا، وصولا إلى متحف "كأس النودلز" سنة 2011 في يوكوهاما، جنوبي العاصمة اليابانية طوكيو، تبقى عملية الحفظ والصون والحماية من صميم مهام أي متحف.