إغلاق أكبر مصهر هندي للنحاس .. إثر مقتل محتجين

إغلاق أكبر مصهر هندي للنحاس .. إثر مقتل محتجين

كانت رصاصات الشرطة هي التي حطمت ساق م. موثوكومار اليسرى وذراعه اليمنى، إلا أن هذا الشاب البالغ من العمر 23 عاما صب جام غضبه على شركة فيدانتا للموارد، وهي مجموعة شركات تتخذ من لندن مقرا لها، ولديها واحدا من أكبر مصاهر النحاس في العالم، في بلدة توتيكورين في جنوب الهند.
كان موثوكومار قد انضم إلى الآلاف من السكان الغاضبين الذين ساروا يوم الثلاثاء 22 أيار (مايو) الماضي ضد توسعة للمصنع، الذي يُلقى عليه باللوم في التلوث المحلي والمشاكل الصحية. بعد إشعال النار في السيارات، فتحت الشرطة النار على الحشود، ما أسفر عن مقتل 12 شخصا.
وقال موثوكومار وهو جالس على سريره في مستشفى توتيكورين الرئيس في غرفة مليئة بالمحتجين الجرحى: "السلطات تساعد شركة فيدانتا، وليس الشعب. هذا هو السبب في أنهم قتلوا كثيرا من الأبرياء".
وسط غضب شعبي بعد واحدة من أسوأ حوادث إطلاق النار من قبل الشرطة في الهند، أمرت حكومة ولاية تاميل نادو بإغلاق أكبر مصهر نحاس في البلاد بشكل دائم.
أغلق المسؤولون هذا الأسبوع المدخل الرئيس للمصنع الذي يخضع الآن لحراسة مشددة من قبل شرطة مكافحة الشغب.
تسببت الأزمة في ضربة لشركة فيدانتا التي أسسها وقادها لمدة 42 عاما قطب الأعمال الهندي الشمالي أنيل أغاروال، حيث تلاحق الشركة سلسلة من الجدالات في الهند. انخفضت الرسملة السوقية لشركة فيدانتا بمقدار 328 مليون جنيه منذ مسيرة الاحتجاج، في الوقت الذي يستوعب فيه المستثمرون التهديد الذي يواجهه نشاطها في مجال النحاس، وهو أحد أكبر مصادر دخل شركة فيدانتا.
باستخدام أرقام عام 2017، قدرت وكالة التصنيف موديز أن إغلاق مصهر توتيكورين لمدة عام كامل سيقلل عائدات فيدانتا بنسبة 25 في المائة، على الرغم من أن الهوامش الضئيلة نسبيا لمصهر تعني أن أرباح المجموعة ستنخفض بنسبة 5 في المائة.
ومن المتوقع أن تطعن شركة فيدانتا في هذا الإغلاق في المحكمة، لكن محللين يقولون إن ذلك قد يتبين أنه بلا جدوى. وقال براتيك سينج، وهو محلل في بنك كريدي سويس: "سياسيا، من الصعب جدا على حكومة الولاية أن تسمح لهم بتشغيله مرة أخرى. هذا يشكل فوضى سياسية كبيرة".
شكل مصهر توتيكورين 47 في المائة من إنتاج النحاس في الهند في العام الماضي، حيث كان الطلب على المعدن ينمو بنحو 6 في المائة سنويا، تغذيه صناعة الاتصالات والبناء.
وقال جايانتا روي، رئيس تصنيف الشركات في آي سي آر أيه ICRA، وهي وكالة تصنيف، إن الإغلاق الدائم لمصنع توتيكورين سيحول الهند من مصدِّر صاف إلى مستورد للنحاس، ما يؤدي إلى رفع الأسعار المحلية.
حكومة الولاية لا ترى أي خيار آخر، كما قال سانديب ناندوري، الذي عيِّن ليكون أكبر مسؤول حكومي في مصنع توتيكورين بعد إطلاق النار الأسبوع الماضي. وقال: "التنمية مهمة، لكن لا ينبغي أن تأتي على حساب صحة الناس".
تم تعليق العمليات في المصنع الذي تديره شركة "ستيرلايت كوبر" التابعة لشركة فيدانتا، منذ الشهر الماضي، عندما رفض المجلس المسؤول عن مكافحة التلوث في الولاية تجديد تصريحه بالعمل.
كان المصنع في قلب جدل عميق منذ افتتاحه عام 1997. في عام 2010، أمرت محكمة تشيناي "مدراس" العليا بإغلاقه، محذرة من أن انبعاثات النفايات السائلة الضارة لها "تأثير مدمر" على السكان المحليين – لكن سرعان ما تم إيقاف الحكم من المحكمة العليا.
بعد ثلاث سنوات، أُغلِق المصنع لمدة ثلاثة أشهر بعد ادعاءات بتسرب الغاز، لكن أعيد فتحه بعد أن قالت هيئة رقابة وطنية إنه لا توجد أدلة كافية على وجود انبعاثات مفرطة.
يشكو أهل القرى المجاورة من سلسلة من حالات السرطان والأمراض التنفسية، وانضم كثير منهم إلى مسيرة الأسبوع الماضي في توتيكورين.
قال ك. سوماصندارام، الذي عمل في المصنع لمدة 17 عاما، ملوحا بجهاز تنفس كبير 3M: "عندما كنا نعمل في المصنع، كان يُطلَب منا أن نستخدم هذا القناع لحمايتنا من الغازات السامة. لا توجد حماية للأشخاص في القرية".
وفي قرية كوماريتيابورام الواقعة على بعد كيلومترين من المصنع، كانت بادمافاتي البالغة من العمر 55 عاما تؤشر باحتراس إلى شق متغضن يزحف على عينها اليمنى.
وقالت: "الطبيب شخّص ذلك بأنه سرطان، لكني فقيرة ولا أستطيع تحمل نفقات العلاج. بالطبع هو مرتبط بشركة ستيرلايت".
توصلت دراسة قام بها عام 2008 باحثون في كلية تيرونلفلي الطبية أن المياه المستخدمة في المناطق المحيطة بالمصنع، بما في ذلك في كوماريتيابورام، كانت تحتوي على مستويات حديد أكبر بمائة مرة من المستويات المعتادة، حيث أظهر السكان ارتفاعا في معدلات مشاكل الجهاز التنفسي واضطرابات في الدورة الشهرية.
يقول النشطاء إن هذا علامة على طريقة التراخي الممنهجة لشركة ستيرلايت نحو التلوث. تنفي شركة ستيرلايت هذه الادعاءات قائلة إنها تسعى دائما إلى الالتزام بالقواعد ذات الصلة.
وقال بي رامناث، الرئيس التنفيذي لشركة ستيرلايت: "منذ البداية، كانت هناك مجموعة من المنظمات غير الحكومية، تعمل ضد هذا المصنع، وقد زرعوا نوعا من الخوف في الجمهور".
خطة ستيرلايت لمضاعفة طاقة المصنع، إلى 800 ألف طن في السنة، أثارت الاحتجاج الذي استمر 100 يوم، الذي بلغت ذروته في إراقة الدماء في الأسبوع الماضي.
وقالت الحكومة إنها ألغت تخصيص الأراضي للتوسع، الذي قدرت شركة موديز أن شركة فيدانتا استثمرت فيه 15 في المائة من التكلفة المقدرة بـ 576 مليون دولار بنهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
تتعامل شركة فيدانتا من قبل مع عملية إغلاق مطولة لمعمل خام الحديد في جووا، بعد توقف التعدين الكلي الذي فرضته المحكمة العليا بسبب مخالفات الترخيص.
اضطر قسم الألمنيوم في الشركة في ولاية أوريسا الشرقية إلى التخلي عن جهد طويل الأمد، لإنشاء منجم ضخم من البوكسايت بعد مقاومة من القبائل المحلية.
وقال رامناث إن "ستيرلايت" تدرس خياراتها، واصفا إغلاق المصنع بأنه "مأساة" وطنية.
وقال: الأمة تتحدث عن "صنع في الهند"، مشيرا إلى حملة حكومية لتعزيز التصنيع "إلا أنه سيكون لدينا الآن الكثير من واردات النحاس فيما بعد، لأن الشركات المحلية لن تكون قادرة على تلبية الطلب".
وحتى في الوقت الذي تنتشر فيه السيارات المتفحمة في شوارع توتيكورين، وينتظر الأشخاص الذين لقوا حتفهم بسبب إطلاق النار في الأسبوع الماضي مراسم الدفن، فإن النشطاء يستعدون لتجديد النضال.
وقالت فاطمة بابو، قائدة حملة مكافحة شركة فيدانتا: "ستذهب الشركة إلى المحكمة، وقد تكسب القضية. على أن هناك شيئا واحدا يمكنني قوله بثقة: لن يعمل هذا المصنع مرة أخرى، بسبب سكان هذه المدينة. نحن عازمون على إيقاف شركة ستيرلايت".

الأكثر قراءة