Author

علم الاقتصاد .. أصوله مأخوذة من واقع عالمي

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

من المهم ابتداء أن أشير إلى أن تعبير علم الاقتصاد هو ترجمة economics الإنجليزية، وليس ما يقابل معنى اقتصاد لغة في معاجم اللغة العربية.
يستند علم الاقتصاد وتحليلاته إلى أصول، وهذه الأصول مصدرها الواقع. كيف؟ لأبدأ بتوضيح ما يعنيه التعبيران: علم الاقتصاد وأصوله.
ككثير من العلوم، لا يوجد تعريف جامع مانع متفق عليه بين علماء الاقتصاد. ولا يمنع ذلك من اختيار تعريف فيه عموم وقبول لدى جمهرة علماء الاقتصاد.
يمكن القول إن علم الاقتصاد يعنى بإنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات، وهذه العناية من خلال نظريات ومبادئ ونماذج تحاول فهم كيف تعمل الأسواق، وكيف تتولد أو تنتج وتوزع وتستهلك الثروات والموارد في المجتمعات، وهذه الموارد ذات طبيعة محدودة.
أما أصول فجمع أصل، ويعني الأساس الذي يقوم عليه الشيء "المعجم الوسيط". والمقصود بأصول علم الاقتصاد الأسس التي يقوم عليها علم الاقتصاد، ويسميها بعض الاقتصاديين معايير علم الاقتصاد Economics standards.
سأسرد ما أراه أهم أصول علم الاقتصاد. وللتوضيح، هذه المعايير أو الأصول ليست علم الاقتصاد نفسه، ولكنها افتراضات يستند إليها التحليل الاقتصادي. ولكن ذلك، طبعا، لا يضمن نتائج التحليل، ولكنه مطلب مؤكد من مطالب قبول منهجه.
الأصل 1: الموارد محدودة مقابل رغبات غير محدودة، ومن ثم لا يمكن الحصول على كل ما تشتهيه النفوس.
الأصل 2: حب الاستزادة. زين للجنس البشري حب الدنيا، ولذا يسعى الإنسان إلى تحقيق أقصى إشباع أو منفعة من الدنيا؛ أي أن الرغبات غير محدودة.
الأصل 3: حيث إن الموارد محدودة والرغبات غير محدودة، فينتج من ذلك أن كل شيء "تقريبا" له ثمن، ولذا ليس هناك "تقريبا" شيء مجاني.
الأصل 4: الاختيار. استعمال الموارد ليس جامدا. بمعنى أنه يمكن استعمال الموارد نفسها للحصول على عدة بدائل من السلع والخدمات، كما يمكن توزيعها على أكثر من فترة زمنية، ولذا وجد الاختيار.
الأصل 5: المنافسة. حب الدنيا يصنع المنافسة بين البشر في توفير وعرض وشراء السلع والخدمات. والمنافسة بين الباعة تخفض التكاليف والأسعار.
الأصل 6: التكلفة أو المنفعة الحدية، التي تعني بلغة مبسطة هامش التكلفة أو المنفعة أو الربح أو العائد مع كل زيادة في العرض. اتخاذ القرار يتطلب مقارنة التكاليف الإضافية للبدائل بفوائدها الإضافية.
الأصل 7: دور الحوافز. حب الدنيا يجعل البشر يستجيبون إلى الحوافز الإيجابية والحوافز السلبية.
ما النتيجة من هذه الأصول؟
يقوم علم الاقتصاد على فرضية أن المعايير أو الأصول السابقة موجودة في عموم البشر؛ أي أنها عالمية، بغض النظر عن أي اعتبار آخر، وإن وجد خلاف ذلك فهو من النادر أو القليل جدا؛ أي على خلاف الأصل. ونفهم من ذلك أن تلك الأصول ليست خاصة بثقافة الغرب، أو بالاقتصاد الرأسمالي، بل إن النصوص تؤيد بعضها، كقوله سبحانه "وتحبون المال حبا جما".
لا تعارض بين هذه الأصول والنسبية في انطباقها.
وجود هذه الأصول أو المبادئ لا يعني أنه وجود مطلق، بل يتفاوت البشر في انطباقها على أفرادهم. ولكن ذلك لا يلغي أصل وجودها، بغض النظر عن الثقافة أو الديانة أو المستوى الحضاري.
وهذه النقطة الأخيرة موضع سوء أو اختلاف في الفهم. فقد يفهم البعض أن القول بوجود أصول عالمية لعلم الاقتصاد، أنه ادعاء بوجود مبادئ مطلقة لا تقبل التفاوت، وقد أوضحت أنه لا يستلزم هذا الفهم، ولا الانطباق التام على الجميع.

إنشرها