Author

كيف تزيد السعودية الجديدة نفوذها في المنظمات الدولية؟

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي

المحايد يدرك أن المنظمات الدولية ليست عادلة في تعاملها مع السعودية على الرغم من الدعم اللامحدود للسعودية لتلك المنظمات والهيئات الدولية. أحد أسباب هذه الفجوة يعود في اعتقادي إلى كون هذه المنظمات ـــ مع الأسف الشديد ـــ مسيطرا عليها من قبل جنسيات أو أيديولوجيات دينية أو حزبية أو طائفية معادية لسياسية السعودية. فمثلا اتهم المدير التنفيذي للمرصد الإعلامي اليمني همدان العليي منظمات وهيئات تابعة للأمم المتحدة بأنها منحازة لسياسة الحوثي، وكشف العليي في حوار مع "العربية. نت" عن تنسيق منظمات تابعة لحزب الله اللبناني ولشيعة العراق والبحرين التابعين لإيران، والموجود بعضها في أوروبا وفي بعض الدول العربية، فعاليات وأنشطة جماعة الحوثي في مجلس حقوق الإنسان بجنيف وفي فعاليات حقوقية في عدد من الدول. كما اتهم ماجد فضائل، وكيل وزارة حقوق الإنسان اليمنية، المنظمات الدولية العاملة في اليمن بأنها غير حيادية وتتلقى التكريم من قبل قادة الميليشيات الانقلابية الحوثية في صنعاء.
أعتقد أننا نخطئ كثيرا إذا اعتقدنا أن انتماءات العاملين في المنظمات الدولية لا تؤثر في أدائهم داخل تلك المنظمات، فمن يعمل في الميدان يستطع التأثير في توجهات هذه المنظمات بصورة كبيرة بل أحيانا يقود تلك المنظمات لعكس توجهاتها، ولا أدل على ذلك من تورط بعض القوات الأممية في الإبادة الجماعية في سريبرينستا التي شهدتها حرب البوسنة والهرسك عام 1995 التي ارتكبها الجيش الصربي، بل إن الأمم المتحدة وصفتها ـــ وقتها ـــ بأنها أسوأ جريمة شهدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
تنطلق السعودية في دعمها للمنظمات الدولية من منطلقات دينية وعربية وإسلامية وإنسانية بل ربطت اسمها بمملكة الإنسانية، لكننا نجد أن الانتماءات الأيديولوجية لبعض العاملين في المنظمات الدولية في اليمن خصوصا أثرت سلبيا في حيادية قرارات تلك المنظمات. فمثلا نجد أن البعض أثر انتماؤه أو تعاطفه مع ولاية الفقيه أو جماعة الإخوان في عدالة القرارات الصادرة من بعض المنظمات العاملة في اليمن. هذه المفارقة بين منطلقاتنا الإنسانية وواقع تلك المنظمات تدفعنا إلى إعادة سياسة الإنفاق والدعم لهذه الجمعيات والمنظمات الدولية التي مع الأسف لم تتعامل معه بصورة عادلة في ظل هيمنة جنسيات معينة استطاعت ـــ مع الأسف الشديد ـــ توجيه هذه المنظمات لأجندتها بدلا من أن يخدموا أجندة المنظمات التي يعملون فيها.
وقد سبق لي أن دعوت إلى أهمية تشجيع زيادة الوجود السعودي في المنظمات الدولية. فالسعودية مؤهلة لزيادة وجودها في المنظمات الدولية خصوصا أن لها ثلاث مميزات قل أن تجتمع في دولة من دول منطقة الشرق الأوسط:
الميزة الأولى: دعمها المالي الكبير للمنظمات الدولية، فالمملكة من الدول القلائل التي تدعم مختلف المنظمات الدولية بصورة كبيرة ما جعلها في قائمة أعلى الدول المانحة. تقول الإحصاءات إن المملكة تحتل دوليا المركز الرابع في قائمة المساعدات الإنمائية بعد أمريكا وألمانيا وبريطانيا على حسب أرقام المساعدات. كما تحتل المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط كأكبر مانح للمساعدات الإنسانية، والأولى في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط. كما حصلت المملكة على المركز الأول عالميا بمعدل حجم مساعداتها الدولية لدخلها القومي الذي وصل إلى 1.9 في المائة بخلاف دعمها لمختلف الدول العربية والإسلامية في جوانب متعددة. هذا الدعم السخي يمكن توظيفه بصورة تدعم وجود السعوديين في تلك المنظمات.
الميزة الثانية: كفاءتها البشرية، فعديد من أبناء المملكة تلقوا تعليمهم في أعرق الجامعات العالمية. فالسعودية من الدول القليلة في منطقة الشرق الأوسط التي استثمرت في ابتعاث أبنائها منذ وقت طويل إلى وقتنا الحاضر.
الميزة الثالثة: كثافتها السكانية نسبيا. فالسعودية غنية بمواردها البشرية المؤهلة في مختلف العلوم كما أنها من أقل دول منطقة الشرق الأوسط أمية. فالسعودية تجمع بين الكثافة السكانية وارتفاع نسبة المتعلمين ما مكنها من أن يكون لديها مخزون من الكفاءات البشرية سواء كعدد أو كنسبة لعدد السكان وفي مختلف المجالات التعليمية.
هذه المميزات الثلاث وغيرها تجعلنا أمام فرصة تاريخية في المنافسة في قيادة المنظمات الدولية لكن مع الأسف الشديد لم يتم توظيف هذه الحقائق في دعم الوجود السعودي في المنظمات الدولية.
لذا ومن أجل تحقيق هذه الغاية، نحن بحاجة إلى تأسيس برامج تسهم في تأهيل السعوديين وزيادات أثرهم في المنظمات الدولية.
لا شك في أننا قصرنا كثيرا في المشاركة في المنظمات الدولية لكن بإمكاننا تدارك هذا الأمر عبر زيادة الوجود السعودي في تلك المنظمات إذا أوجدنا قنوات أو منصات تسهل تواصل السعوديين المؤهلين وتلك المنظمات الدولية.
أعتقد أن مؤسسة مسك الخيرية لديها القدرة على إعداد منصات تمكن السعوديين من العمل في المنظمات الدولية. فمؤسسة مسك الخيرية من المؤسسات التي نفتخر بأدائها وتميزها قادرة على قيادة هذا التوجه فلديها جميع الإمكانات اللازمة لقيادة مثل هذا التوجه. فهل تتبنى "مسك" مثل هذه البرامج؟ آمل ذلك.

إنشرها