FINANCIAL TIMES

توجهات «فيسبوك» نحو تبني البلوكتشين تثير التساؤلات

توجهات «فيسبوك» نحو تبني البلوكتشين تثير التساؤلات

كتب مارك زوكربيرج في رسالة رأس السنة إلى متابعيه على موقع فيسبوك: "دخل كثير منا في التكنولوجيا، لأننا نعتقد أنها يمكن أن تكون قوة تعمل على إضعاف القوة المركزية، وتضع المزيد من القوة في أيدي الناس".
كان مؤسس شركة فيسبوك يتحسر على فكرة أنه مع صعود عدد صغير من شركات التكنولوجيا الكبرى – وخصوصا شركته – فإن كثيرا من الناس باتوا يعتقدون أن التكنولوجيا تعمل على تركيز القوة، بدلا من إضعاف القوة المركزية.
قرئت الملاحظات المذكورة في ذلك الحين على أنها لازمة متكررة حول الجدالات السياسية التي تحيط بشبكته الاجتماعية، لكن زوكربيرج تعهد أيضا باستكشاف "اتجاهات مضادة" لسيطرة القوة المركزية، مثل التشفير والعملة المشفرة.
بعد بضعة أشهر من ذلك، يبدو أن الاستكشاف المذكور اتخذ خطوة أقوى. في الأسبوع الماضي عين زوكربيرج واحدا من أعلى مساعديه، وهو ديفيد ماركوس، ليترأس فريقا يعمل على تجريب تقنية البلوكتشين، وهي تكنولوجيا دفتر الأستاذ الرقمي العام (غير المركزي)، التي تثير اهتمام الجميع من الشركات الناشئة إلى المصارف الكبرى.
يعد البلوكتشين بطريقة جديدة لتسجيل التعاملات، بما في ذلك تحويل العملة المشفرة وغيرها من الأصول الرقمية، دون الاضطرار إلى المرور عبر سلطة مركزية، مثل خوادم موقع فيسبوك نفسها.
الأمر الذي لم تفعله الشركة هو أنها لم تقل أي شيء علنا على الأقل، حول الأشياء التي سيقوم بها ماركوس وفريقه – ما يجعل الآخرين في عالم البلوكتشين عرضة للتكهنات، والتنقيب في السيرة المهنية لماركوس من أجل العثور على أدلة. هذا التنفيذي البالغ من العمر 45 سنة أعطي مهمته الجديدة بعد أن أمضى فترة كان فيها مسؤولا عن "فيسبوك ماسنجر". وقبل العمل في شركة فيسبوك، كان رئيس باي بال، شركة المدفوعات على الإنترنت، كما أنه كان عضوا في مجلس إدارة كوينبيس، وهي بورصة أمريكية للعملات المشفرة.
تستطيع شركة فيسبوك أن تستخدم التكنولوجيا من أجل المدفوعات على الشبكة الاجتماعية، من خلال إنشاء عملتها المشفرة الخاصة، بحسب ما يقول خبراء البلوكتشين. وتستطيع أن تستخدمها للمحاولة في تحسين الخصوصية، من خلال إعطاء المستخدمين طريقا جديدا لامتلاك بياناتهم الشخصية والسيطرة عليها. أو بمقدورها الظن بأن تكنولوجيا البلوكتشين ستكون مفيدة في مكافحة الحسابات المزيفة وتقديم المزيد من الخدمات، من خلال إعطاء المستخدمين طريقة لإثبات هوياتهم.
هناك تهديد من نوع خاص من البلوكتشين على موقع فيسبوك، ويمكن أن يأتي من الناس الذين يقومون بإنشاء بديل غير مركزي يكافئ المستخدمين بإعطائهم عملات مشفرة جديدة، مقابل نشر تعليقات على منصتهم. يقول بروستر كاهله، وهو أمين مكتبة رقمية وناشط يحاول المساعدة في إنشاء شبكة لا مركزية: "سوف تتعلم الكثير عن طبيعة شركة فيسبوك من خلال ما تظن أنها سوف تقوم به باستخدام عدد من هذه التكنولوجيات".
في البداية عملت شركة فيسبوك قليلا في أبحاث البلوكتشين بقيادة مورجان بيلر، وهو تنفيذي مختص بتطوير الشركات، في السنة الماضية.
يشار إلى أن استكشاف البلوكتشين أكثر من إشباع فضول زوكربيرج، أو العودة إلى أحلام شبابه التي تريد إعطاء القوة للناس. تركز شركة فيسبوك منذ فترة طويلة على التهديدات التنافسية المحتملة، وحتى التهديدات على الأمد الطويل جدا، وكانت في الأغلب تتحرك بسرعة لسحقها.
في حالة تطبيقي إنستاجرام وواتس آب، اشترت شركة فيسبوك الشركة المنافسة. ونسخت هاشتاقات وتعليقات عامة من منصة تويتر، وإطار مجموعات الصور ستوريز Stories من "سناب".
على أنه لا يمكن شراء البلوكتشين وإن كان في الإمكان استغلاله، ولربما تستثمر شركة فيسبوك الآن في الأبحاث تحسبا لأن يصبح أحد المنافسين الذين يستخدمون التكنولوجيا مصدرا يهدد شركة فيسبوك.
سبنسر بوجارت، وهو شريك لدى "بلوكتشين كابيتال" التي تستثمر في شركات البلوكتشين والعملات المشفرة، تنبأ بأن زوكربيرج يريد أن يضمن أنه مستعد للمنافسة حتى مع أنه "ربما لا تكون هناك ضربة معلم بينة ومباشرة من شركة فيسبوك في الفضاء الإلكتروني".
كما يبدو أن المنافسين يتحركون بالتأكيد.
تطبيق تلجرام للمراسلة لديه 170 مليون مستخدم – وهو تطبيق منافس لكل من منصة فيسبوك وتطبيق واتس آب – جمع أخيرا 1.7 مليار دولار من خلال بيع عملته المشفرة. يقول "تلجرام" إنه يعتزم إنشاء بلوكتشين يخصه.
وقال بوجارت إن البيع "من الواضح أنه أثار موجات" لدى شركة فيسبوك، ما دفعها إلى الاستثمار بشكل أكثر كثافة.
هناك تطبيقات اجتماعية أخرى تستكشف البلوكتشين كذلك، بما في ذلك "كيك"، وهو تطبيق مراسلة لا يشتمل على دعايات.
وقد أطلق عملته الرقمية وقال إنه بدأ العمل على نظام مدفوعات قائم على البلوكتشين في السنة الماضية. كذلك فإن "ستيميت"، وهي منصة إعلام اجتماعية، تدفع للمستخدمين من خلال عملة مشفرة تدعى "ستيم" لإنتاج المحتوى.
يظل من غير الواضح إذا كان أي من مشاريع البلوكتشين أو العملة المشفرة سوف تؤتي أكلها بالنسبة لمنافسي شركة فيسبوك، إلا أن شيلا وارين، رئيسة قسم البلوكتشين لدى "المنتدى الاقتصاد العالمي"، قالت إنها ترى أن إنشاء مختبر للتحقيق في البلوكتشين هو "قرار ذكي فعلا" من شركة فيسبوك.
وقالت إن الشركة تستطيع أن تنظر في إنشاء عملة من شأنها أن تسمح بوجود "مدفوعات صغيرة" على الموقع، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى "انفجار التطبيقات".
بعض الناشرين الذين يشعرون أن شركة فيسبوك تستفيد ماليا بصورة غير عادلة من مواضيعهم، ربما يرحبون بوجود طريقة لفرض رسوم على القراء.
في أعقاب التسريبات التي كشفت أن شركة كامبريدج أناليتيكا حصلت بصورة غير قانونية على بيانات شخصية لعدد من المستخدمين يصل إلى 87 مليون مستخدم، تستطيع الشبكة الاجتماعية أيضا أن تعتبر أن البلوكتشين طريقة لإعطاء المستخدمين الذين يشعرون بعدم الارتياح إزاء المزيد من السيطرة على بياناتهم.
وقالت وارين إن من الممكن أن شبكة اجتماعية مختلفة قادرة على مساعدة الناس على التحكم في بياناتهم، سوف تنمو لتصبح تهديدا لا يستهان به لشركة فيسبوك. وأضافت: "أحد الأشياء التي يتقنها البلوكتشين هو إنشاء الثقة في أماكن التي لا توجد فيها".
يمكن استخدام البلوكتشين لإنشاء عقود ذكية بشأن الجهات التي تستطيع تلقي معلومات شخصية عبر منصة فيسبوك. وقالت وارين: "أنت تحدد الأذونات بطريقة تجعلك إذا قلت ’مقاطع فيديو للقطط‘ تستطيع أخذ جميع بيانات، لكن بالنسبة لمقاطع الفيديو الموسيقية، لا تستطيع سوى أن تأخذ اسم الشاشة على نحو ينفذ بصورة آلية".
تستطيع شركة فيسبوك أيضا التركيز على الطريقة التي تثبت فيها هويتك على الإنترنت، باستخدام البلوكتشين من أجل مفتاح عام يتناسب مع معلوماتك.
هذه وظيفة من شأنها أن تكون مفيدة للشبكات الاجتماعية الحالية، حيث لا يزال بمقدور الناس نشر كلام الكراهية والانخراط في تجنيد الإرهابيين.
يشير المنتقدون إلى أن موقع فيسبوك حتى الآن هو نقيض الشبكة اللامركزية التي تنطوي عليها تكنولوجيا البلوكتشين، فلديها25 ألف موظف، معظمهم في كاليفورنيا، يعملون على إنشاء مجموعة من السياسات، ومصرف واحد من البيانات لأكثر من 2.2 مليار مستخدم نشط شهريا في مختلف أنحاء العالم.
استجابة للجدل حول المحتوى الموجود على موقعها، تتخذ نهجا أكثر نشاطا بكثير بشأن ما يسمح، وما لا يسمح، بظهوره على الموقع.
قال تانر فيليب، مدير تطوير الشركات لدى شركة كيك: "كون موقع فيسبوك كيانا ذا مركزية عالية للغاية، أنا مهتم بأن أرى كيف ينسجم ذلك مع فلسفة اللامركزية" التي تقوم عليها تكنولوجيا البلوكتشين.
إيال هيرتزوج، الشريك المؤسس لشركة بانكو نيتويرك، وهي شركة ناشئة للبلوكتشين تختص بتحويلات العملات الرقمية، يرى أن عامل الخطر هو أقوى من عامل الفرصة في تجربة شركة فيسبوك في البلوكتشين. وقال: "قوة شركة فيسبوك مرتبطة بقاعدة بياناتها المركزية التي تشتمل على محتوى واتصالات المستخدمين. إذا أصبح هذا لامركزيا في الوقت الذي يتمكنون فيه من الوصول إلى البلوكتشين، فإن موقع فيسبوك سوف يفقد في هذه الحالة قبضتها على المستخدمين".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES