بدلا من تجفيف المستنقع .. صناعة الضغط تزدهر في واشنطن

بدلا من تجفيف المستنقع .. صناعة الضغط تزدهر في واشنطن

بعد الخبر الذي جرى تداوله الأسبوع الماضي حول دفع "أيه تي آند تي" و"نوفارتيس" 600 ألف دولار و1.2 مليون دولار، على التوالي، إلى مايكل كوهين، أخبر المديران التنفيذيان لكلتا الشركتين موظفيهما، أن التعاقد مع المحامي الشخصي لدونالد ترمب كان "خطأ" ندما عليه الآن.
المبالغ التي دفعها عملاء الشركتين من أجل الحصول على معلومات حول ما يدور في ذهن الرئيس وإدارته، صدمت عديد من الموظفين والمستثمرين والمعلقين، لكنها تسلط الضوء على كيفية ازدهار جماعات الضغط في واشنطن في عهد ترمب، على الرغم من تعهده بـ "تجفيف مستنقع" المصالح المالية.
قصة كوهين حولت الأضواء إلى "جماعات الضغط العاملة في الظل"، حيث يلعب الاستشاريون غير المسجلين دورا متناميا في الأعمال التجارية المربحة المتمثلة في التأثير في أصحاب السلطة.
وعلى الرغم من صعوبة الإتيان بأرقام دقيقة، إلا أن بول ميلر، من "المعهد الوطني للضغط والأخلاق"، وهو هيئة للصناعة، اشتكى من "وباء" نشاط الظل وطالب بقدر أكبر من الشفافية في أعقاب تسريبات كوهين.
ليس لدى كوهين خبرة سابقة في السياسة، لكن قربه من ترمب يبدو أنه أثار أملا في وجود شيء آخر: معرفة ما يدور في عقل الرئيس وإدارته من حيث السياسات.
في أحد الجوانب في واشنطن الرسمية، يسجل العاملون في مجال الضغط أسماءهم لدى الحكومة بموجب "قانون الإفصاح عن أعمال الضغط" لعام 1995، ويقدمون بيانات ربعية تتضمن الجهة التي يعملون لمصلحتها، والمواضيع التي يضغطون بشأنها، والمبالغ التي يحصلون عليها مقابل ذلك.
لكن وفقا "لمركز السياسات المتجاوبة"، فإن صفوف العاملين رسميا في مجال الضغط تقلصت بمقدار الثلث لتصل إلى 9443 في العقد الأخير، حتى في الوقت الذين بقيت فيها إيراداتهم ثابتة نسبيا، عند 3.4 مليار دولار في العام الماضي.
لعب الرئيس السابق، باراك أوباما، دورا في الحد من أنشطتهم عبر تدابير مثل حظر يمنع المسؤولين السابقين في الإدارة من الاتصال بأصحاب عملهم السابقين لمدة عامين بعد مغادرتهم.
لكن كوهين كان يعمل في العالم الموازي، والقانوني تماما، حيث يمكن شراء وبيع النفوذ دون أن يتعثر في الخطوط اللامعة التي تحدد أعمال الضغط الرسمية.
حتى بعض المقيمين في "كيه ستريت" K Street، موطن عديد من جماعات الضغط في واشنطن، ليسوا مطالبين بالتسجيل إذا قضوا أقل من 20 في المائة من وقتهم في العمل لمصلحة عميل معين - وهو سبب آخر لممارسة كثير من الأنشطة دون تسجيل.
تقديرات جيمس ثوربر، وهو أستاذ في الجامعة الأمريكية، تشير إلى أنه باستخدام التعريف الأشمل، الذي يضم المراكز البحثية، وجماعات الضغط في الظل، وفاتحي الأبواب الآخرين، ربما توظف صناعة الضغط في واشنطن نحو 100 ألف شخص.
خلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2016 سعى ترمب إلى تقديم نفسه على أنه المرشح الذي من شأنه أن يضع حدا لاستغلال النفوذ، الذي سيضغط لمزيد من الإصلاحات للحد من ممارسة المسؤولين السابقين لأعمال الضغط، وإعادة تصنيف الذين يصفون أنفسهم بأنهم من المستشارين، الذين يقدمون النصح "بينما نعلم فيه جميعا أنهم من العاملين في مجال الضغط".
وحين أصبح رئيسا استمر في استخدام اللغة الطنانة حول تنظيف المستنقع. وقال الأسبوع الماضي "إن جماعات الضغط لمصلحة شركات الأدوية تحقق ثروة ضخمة على حساب المستهلكين الأمريكيين".
لكن بعض محامي الشؤون الأخلاقية اتهموا ترمب بتخفيف القيود المفروضة في حقبة أوباما بدلا من تشديدها. ووجدت "بروبابليكا" في آذار (مارس)، أن 187 على الأقل من الموظفين المعينين سياسيا كانوا من جماعات الضغط الفيدرالية قبل انضمامهم إلى إدارته.
وأشار عامل مخضرم في مجال الضغط في واشنطن إلى عدم وجود ما هو جديد في تدافع الشركات لفهم ما يدور في عقل إدارة جديدة، من خلال التعاقد مع أشخاص مقربين من قادتها. وقال: "هناك دائما عنصر من العاملين السابقين في الحملات الذين لا يمارسون نشاط الضغط، لكنهم يقدمون المنظور والمعلومات التي تساعد على الفهم".
بدورها، استطاعت شخصيات من الإدارات السابقة، مثل دوج باند، الذي كان مستشارا أول لدى الرئيس الأسبق بيل كلينتون ومؤسس شركة تينيو هولدنجز، أن تحول خبرتها في البيت الأبيض إلى شركات استشارية مزدهرة،
إلا أن الرئيس الأمريكي طرح تحديات أخرى لأولئك الذين يتطلعون إلى التأثير في حكومته - ما يعني البحث عن طرق بديلة للوصول إلى المكتب البيضاوي.
وقلة من العاملين في الصناعة هم من توقعوا فوز ترمب في الانتخابات، بالتالي معظم الجهود الاستباقية لبناء العلاقات أثناء الحملة كانت مع مساعدي هيلاري كلينتون. وقال ثيربر: "فوز ترمب المفاجئ كان هذا تعطيلا ضخما لكامل مجال الضغط".
وفي العادة كل رئيس يأتي إلى المنصب ومعه دائرة داخلية ترجو الشركات الكبرى، أن تتمكن من الوصول إليها. ويمكن لصناعة الضغط أن تتوقع أن يكون المخضرمون في القطاع الخاص الذين عينهم ترمب منفتحين أمام لفتات الشركات، لكن المحاولات الرامية إلى التأثير فيهم تعرضت للتعقيد؛ لأن القادمين الجدد لم يألفوا آلية صنع السياسة.
لكن لعل أكثر المشكلات الشائكة هي عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب المفاجئة. فمع ورود تقارير متكررة تشير إلى أن أقرب مستشاريه والجمهوريين في الكونجرس لا يعلمون فيما يبدو ما الذي هو عازم على فعله، فإن قيمة المعلومات التي يقدمها أي شخص تبدو موضع تساؤل.
قال ثيربر: "حين يهاجم الرئيس المسؤولين العاملين معه هو بالذات، ويتصرف بصورة عشوائية نوعا ما، فمن الصعب للغاية أن تأتي باستراتيجية من أجل الضغط".

الأكثر قراءة