مهلا .. لا سبيل للتغافل عن رسالة سوق السندات

مهلا .. لا سبيل للتغافل عن رسالة سوق السندات

إذا وجدت أن سوق السندات الحكومية الأمريكية مرعبة، فأنت لست وحدك من يشعر بذلك. جيمس كارفيل، الشخصية القوية التي كانت وراء انتخاب الرئيس بيل كلينتون في عام 1992، قال لو كان هناك تقمص "فأنا أريد أن أعود سوقا للسندات. يمكنك تخويف الجميع بذلك".
تحدد أسواق السندات سعر المال للمصارف والمقترضين في أنحاء الاقتصاد العالمي كافة، وتفعل ذلك لسنوات في المستقبل. فهي تسمح للحكومات بالاقتراض، ولأموال المعاشات التقاعدية بتمويل ضماناتها للعمال. لذلك فهي قوية.
وهي أيضا تشكل رعبا لكثيرين، لأنها معقدة وغير بدهية: ترتفع العوائد (النسبة المئوية للعائد على السندات) كلما انخفض سعر السند.
ومع ذلك، الإشارات التي ترسلها عن الاقتصاد كانت موثوقة بشكل كبير بمرور الوقت، وهو سبب آخر يجعلها مرعبة للغاية. لأنك حين تتجاهل رسالة سوق السندات، فإن هذا سيكون على مسؤوليتك. وهذا يقودنا إلى مشكلة حرجة طرأت على مدار العام الماضي في الوقت الذي حاولت فيه الولايات المتحدة، في النهاية، وضع حد لحقبة شراء سندات التسهيل الكمي (حاولت البنوك المركزية إبقاء سعر المال منخفضا عن طريق شراء السندات وبالتالي تقليل عوائدها). الرسالة من سوق السندات غير واضحة ومتناقضة، ما يثير الخوف من أنه لم يعد من الممكن الوثوق بها. لذا دعوني أحاول أن أشرح أين نحن، باستخدام أقل قدر ممكن من مفردات السندات.
أولا، سندات الخزانة لمدة عامين، التي ارتفعت عوائدها إلى نحو 2.44 في المائة، صعودا من 1.26 في المائة فقط في أيلول (سبتمبر) الماضي. إذا كان هذا في سوق الأسهم، فالأمر كما علق بيتر أتواتر من مؤسسة Insyghts المالية في الأسبوع الماضي: "سيكون هناك تقرير خاص الليلة بعنوان: الأسواق في حالة اضطراب، على قناة CNBC".
بدأ الارتفاع، وهذا ليس من قبيل المصادفة، عندما بدأ الضغط في الكونجرس من أجل تخفيض الضرائب، وكان العائد هو الأعلى منذ عقد ـ منذ الشهر الذي سبق انهيار ليمان براذرز. ومع أن العائد لا يعتبر عاليا من الناحية التاريخية، إلا أن زيادته النسبية كانت صادمة - ارتفع إلى الضعف تقريبا في غضون أشهر.
هذا يخبرنا في المقام الأول بأن السوق الآن تتوقع من "الاحتياطي الفيدرالي" أن يباشر رفع أسعار الفائدة في المستقبل القريب - على الأقل مرتين أخريين هذا العام، وربما ثلاثة. وتوصل "الاحتياطي الفيدرالي" إلى أنه يحتاج إلى فعل ذلك، وأن الهزات في سوق الأوراق المالية لن تكون كافية لإيقافه. والارتفاع في أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية يشير أيضا بشكل عام إلى أن "الاحتياطي الفيدرالي" قلق بشأن التضخم.
التضخم الأساسي في الولايات المتحدة آخذ في الارتفاع وهو الآن يتجاوز 2 في المائة. ونقطة تعادل التضخم لأجل عشر سنوات ـ معدل التضخم الذي عنده قد تدفع سندات الدخل الثابت والمرتبطة بالتضخم المقدار نفسه، وبالتالي معدل التوقعات الضمنية للتضخم ـ آخذة في الارتفاع أيضا. التضخم الآن في أعلى مستوياته منذ أربع سنوات، إذ يصل إلى نحو 2.2 في المائة، وهو منخفض من الناحية التاريخية، لكنه فوق الرقم المستهدف للاحتياطي الفيدرالي.
كذلك نقاط تعادل التضخم في أوروبا آخذة في الارتفاع هي الأخرى، من مستويات أدنى بكثير.
الآن نحن نقترب من التناقضات. العائد على السندات لأجل عشر سنوات مدفوع بشكل أقل بأسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية، ومدفوع بشكل أكبر بتوقعات التضخم والنمو على المدى الطويل. إن ارتفاع معدل التضخم المتوقع يعني أن الناس أقل رغبة في سداد قيمة السندات اليوم (لأن قيمتها ستنهار مع مرور الوقت)، وبالتالي فإن عائدها سيرتفع.
كان العائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات في اتجاه صعودي خطير في أوائل هذا العام. وقد شكل ذلك اختراقا لاتجاه هبوطي ثابت منذ فترة طويلة في العائدات استمر منذ أوائل الثمانينيات. لكن الارتفاع في العائدات توقف في مستوى دون 3 في المائة.
هذا الأمر يؤثر في شكل منحنى العائد - مقدار العوائد على السندات الأطول التي تتعدى تلك الخاصة بالسندات قصيرة الأجل. عادة ما يكون للسندات الطويلة الأجل عائدا أعلى للتعويض عن عدم اليقين الأكبر الذي ينطوي عليه الاستثمار على مدى فترة زمنية طويلة مثل عقد عشر سنوات، أو 30 سنة.
في الوقت الحالي منحنى العائد ثابت للغاية، وهذه العلاقة آخذة في الانحسار. فمع تجاوز عائد السندات لأجل عشر سنوات تتجاوز العائد على السندات لأجل سنتين بأقل من 0.5 نقطة مئوية، فإن هذه العلاقة لم تكن بهذه المحدودية منذ ما قبل الأزمة. وهذا يعني تباطؤ النمو وتدني التضخم لفترة طويلة في المستقبل - مع ارتفاع توقعات التضخم.
وتظهر الأسواق الغامضة التي يحتمي فيها المستثمرون من تحركات أسعار الفائدة في المستقبل أن "الاحتياطي الفيدرالي" بصدد إيقاف حالات رفع الفائدة في العام المقبل، ومن ثم تخفضها في غضون ثلاث سنوات.
وهذا يترك احتمالا مفاده أن سوق السندات تعتقد أن "الاحتياطي الفيدرالي" سيرفع أسعار الفائدة، ثم تتمنى أنه لم يفعل. ويعود ذلك إلى عدم الثقة بالاقتصاد الأمريكي، ويعني ضمنا أن التخفيض الضريبي في العام الماضي ـ الخطوة المالية التي تستهدف إنهاء سنوات من المال السائب ـ سيفشل.
أو بدلا من ذلك، أن مخدر التسهيل الكمي لم يعد مناسبا لنا حتى الآن لوضع أي وزن على ما تقوله سوق السندات. ولا تزال البنوك المركزية الأخرى تشتري السندات، ما يؤدي إلى قمع العائدات في اليابان وأوروبا، وبالتالي إقناع المستثمرين في هذه البلدان بشراء السندات الأمريكية التي تدفع معدل عائد ثابت أعلى بكثير.
كما أن صناديق المعاشات التقاعدية، المستميتة في شراء السندات ذات العائد الجيد بعد سنوات كان فيه ذلك صعبا بشكل لا يمكن تحمله، سارعت إلى الاستفادة من أي ارتفاع في الأسعار، وهو رد يحافظ على سقف لأسعار الفائدة طويلة الأجل.
قد يكون هذا هو أفضل تفسير. إن أسعار المال آخذة في الارتفاع على المدى القصير، لكن على المدى الأطول، تدابير برنامج التسهيل الكمي اليائسة تركت المستثمرين دون خيارات.

الأكثر قراءة