هزات سعرية تهدد أسواق المعادن العالمية.. والألمنيوم يتصدر الارتفاعات

هزات سعرية تهدد أسواق المعادن العالمية.. والألمنيوم يتصدر الارتفاعات

عديد من الأسئلة تطرح نفسها بقوة عند بحث وتحليل الأوضاع الراهنة في أسواق المعادن الدولية، فالربع الأول من العام الجاري انتهى مخلفا وراءه جدلا بشأن أسباب التغيرات الجارية في الأسواق، ومثيرا تساؤلات بشأن المستقبل والأشهر المتبقية من العام.
ما يحدث في أسوق المعادن؟ وما التوقعات المستقبلية؟ وما أبرز المعادن التي ستتعرض لهزات سعرية هذا العام ومستقبلا؟ أسئلة بسيطة ومعتادة تطرح نفسها على الأسواق، لكنها تلك المرة تذهب بعيدا خارج نطاقها التقليدي، لتثير لغطا بين الخبراء والمحللين يتجاوز عملية التقييم التقليدية التي تحدث عادة في أسواق المعادن.
فالحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، واحتمال اتساع نطاقها أو تراجعها يؤثر في الأسواق بشدة، أضف إلى ذلك العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا الاتحادية، والتي طالت بعض كبريات شركات المعادن في العالم، ما أثر بقوة في الأسواق، كما أن الاضطرابات الجيوسياسية تثير مخاوف كثيرين باحتمال عدم انتظام العرض العالمي، لعديد من المعادن الصناعية الأساسية، ومن ثم احتمال تعرض الأسواق لهزات سعرية غير متوقعة.
لكن الهزات التي تعرضت لها سوق المعادن تعد أبرز علامات الربع الأول من العام الحالي، وتجلت تلك الهزات في سوق الألمنيوم بشكل ملحوظ، فالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد شركة "روسال" الروسية ثاني أكبر منتج للألمنيوم في العالم هزت الأسواق بعنف، وقد حدت تلك العقوبات من قدرة الشركة الروسية على الولوج للأسواق العالمية، وترجم ذلك في شكل فقدان الأسواق نحو ثلاثة ملايين طن من إنتاج الألمنيوم؛ أي نحو 6 في المائة من العرض العالمي، ما أسفر عن ارتفاع أسعار الألمنيوم بنسبة تزيد على 23 في المائة منذ أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية قرارها في السادس من هذا الشهر.
العقوبات الأمريكية كان تأثيرها أكبر في مادة الألومينا (أكسيد الألمنيوم)، وهي مادة أساسية لإنتاج خام الألمنيوم، ومنذ أن تسببت العقوبات المفروضة على "روسال" ومالكها الملياردير أوليج ديريباسكا في إجبار المصارف الدولية والمنقبين والتجار على كبح علاقاتهم مع الشركة.
وتسهم روسال بأكثر من 6 في المائة من إمدادات الألمنيوم العالمي، بإنتاج بلغ نحو 36 مليون طن العام الماضي، وتعد روسال جزءا رئيسا من سلسلة التوريد العالمية، فهي تشتري خام البوكسيت من غينيا وتحوله للألمنيوم، ثم تبيعه إلى المصاهر المنتشرة في أوروبا.
ونتيجة العقوبات، قفزت أسعار الألومينا بنحو 80 في المائة، ما يعني ارتفاع تكلفة إنتاج الألمنيوم في العالم، خاصة أن إنتاج طن واحد من المعدن الذي يستخدم بكثافة في تصنيع السيارات والطائرات يتطلب طنين من الألومينا.
وكان ارتفاع أسعار الألمنيوم واضح المعالم في بورصة لندن، ويوضح لـ "الاقتصادية"، جودمان جوردن المحلل المالي في البورصة، أن "الأسعار وصلت إلى مستويات غير مسبوقة منذ عام 2011، إذ يسود الأسواق قلق بأن المعروض العالمي من الألمنيوم سينخفض، وقد ارتفعت الأسعار منذ العقوبات بأكثر من 30 في المائة، وزادت خلال الشهور الثلاثة الأخيرة بنحو 6.7 في المائة إلى 2718 دولارا للطن، لكنها انخفضت لاحقا إلى 2630 دولارا، وسط توقعات بأن تعاود الارتفاع إلى حدود 3000 دولار للطن.. فشركة روسال الروسية التي طالتها العقوبات جزء حاسم في سلسلة التوريد العالمية للألمنيوم، وتعد أكبر منتج له في العالم خارج الصين، ونتيجة العقوبات أُجبِر المستهلكون الغربيون والتجار على البحث عن موردين آخرين للألمنيوم ومادة الألومينا".
وتشير التوقعات الآن إلى أن بورصة لندن ستسحب نحو 430 ألف طن من الألمنيوم من المخزونات، بينما تشير شركة ألكوا أكبر منتج للمعادن في الولايات المتحدة، إلى أن الطلب على الألمنيوم قد يتجاوز العرض بنحو مليون طن هذا العام، مقارنة بتوقعات سابقة بأن النقص لن يزيد على 700 ألف طن، بينما سيبلغ النقص في مادة الألومينا نحو 1.1 مليون طن مقابل تقديرات سابقة بأن النقص لن يتجاوز 200 ألف طن.
وقد امتد تأثير العقوبات أيضا إلى معادن أخرى تعد روسيا من كبار منتجيها، فنحو 10 في المائة من الإمدادات العالمية من النيكل المستخدم في صناعة الفولاذ المقاوم للصدأ ولبطاريات السيارات الكهربائية يأتي من روسيا.
وارتفعت أسعار النيكل إلى نحو 16 ألف دولار للطن، ليبلغ أعلى مستوى له منذ عام 2015، ويحتمل أن يعزز النيكل موقعه في الأسواق في المستقبل نتيجة انخفاض إنتاج البرازيل.
وطالت الزيادة في الأسعار أيضا معدن البلاديوم؛ حيث تنتج روسيا نحو 40 في المائة من الإنتاج العالمي، وقد دفعت الحملة الدولية الرافضة للسيارات التي تعمل بالديزل قطاعا كبيرا من مستخدمي السيارات إلى التحول للسيارات التي تعمل بالبنزين.
ويدخل البلاديوم في إنتاج مصفي انبعاثات عوادم السيارات، وقد ارتفعت أسعار المعدن منذ بداية العام بنحو 50 في المائة، ليصل إلى أعلى سعر له منذ 17 عاما، كما بلغت الزيادة الناجمة عن العقوبات الأمريكية على روسيا نحو 13 في المائة.
كوربن كوك الخبير الاستثماري يعتقد أن "الارتفاع في أسعار الأسهم قد يخطف كثيرا من الأنظار هذا العام، ولكن سوق المعادن ستشهد وضعا إيجابيا سواء نتيجة العقوبات الأمريكية على شركات روسية مؤثرة في الأسواق، أو نتيجة تحسن معدل نمو الاقتصاد الدولي".
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "معدل النمو الصيني سيظل العنصر الحاسم في تحديد اتجاهات أسواق المعادن، فالصين تستهلك ما يقرب من نصف الناتج العالمي من المواد الخام، وستواصل تأثيرها في الأسواق، خاصة أن حملة السلطات الصينية لمكافحة التلوث دفعتها إلى تقليص القدرات الإنتاجية لعديد من المصانع، ما قلص الناتج العالمي من الألمنيوم والصلب وخام الحديد، وهذا سيساعد على تعويض التأثيرات السلبية للسياسات النقدية المتشددة، وتباطؤ نمو سوق العقارات السكنية في الصين".
ومن جهته، يقول لـ "الاقتصادية"، كوربن كوك إن الصين لن تستطيع زيادة إنتاجها من الألمنيوم خلال السنوات الخمس المقبلة بأكثر من مليوني طن، والطلب المحلي سيزداد نتيجة انتعاش صناعة السيارات، ما يعني تراجع الصادرات، وسيؤدي ذلك حتما إلى زيادة أسعار الألمنيوم في العالم، ولخفض مستوى الأسعار دوليا لا بد من زيادة القدرات الإنتاجية خارج الصين، كما أن الصين تتجه إلى إغلاق مصانع الفولاذ الملوثة للبيئة وإنشاء مصانع فولاذ عالية الجودة، وهذا يعني زيادة الطلب على الأنواع مرتفعة الجودة من خام الحديد، ما يعني ارتفاع أسعار النوعيات الجيدة منه.
ولم يكن أداء أسواق النحاس الدولية خلال الربع الأول مرضيا لكثير من التجار، فالأسعار تراجعت بنحو 6 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى، والمخاوف الجيو- سياسية وارتفاع المخزونات، وضعف الطلب الصيني جميعها عوامل تضغط على الأسعار، ومع هذا يعتقد بعض الخبراء أن الأسواق ستكون متوازنة بشكل يضمن تحسنا نسبيا في الأسعار خلال الأشهر المقبلة.
بيتر كليدين الرئيس التنفيذي للشركة البريطانية للاستثمار في المعادن يعتقد أن هناك مجموعة من العوامل ستؤثر إيجابا في الأسعار مستقبلا، ويضيف لـ "الاقتصادية" أن "هناك توقعات بانقطاع الإمدادات بسبب الظروف الجوية، والمفاوضات الجارية مع النقابات العمالية في البلدان الرئيسة المنتجة للنحاس مثل شيلي وبيرو، كما أن هناك مشاكل تتعلق بالملكية وتصاريح التصدير في منجم جراسبرج في إندونيسيا، وهو أكبر منجم لإنتاج الذهب في العالم، والثاني في إنتاج النحاس، كما أن الخردة الصينية في مجال النحاس سيكون لها تأثير في الأسواق، أما بالنسبة للطلب فيجب مراقبة القطاع العقاري الصيني ومعدلات نمو الاقتصاد العالمي".
ويتوقع كليدين: "الأسعار بصفة عامة ستتحسن في الجزء الأخير من هذا العام، وحتى العام المقبل، ولكن هذا يمكن أن يتحقق قبل ذلك إذا تغيرات الأوضاع، ومتوسط السعر هذا العام سيكون 6289 دولارا أمريكيا للطن".
وبطبيعة الحال تتزايد أهمية بعض المعادن مثل الكوبالت، والليثيوم، نظرا لأنهما من المكونات الرئيسة المستخدمة في صناعة السيارات الكهربائية، وتسهم التوقعات في زيادة مبيعات السيارات الكهربائية حول العالم، وفي زيادة الطلب على هذين المعدنين بشكل ملحوظ، فقد ارتفعت أسعار كربونات الليثيوم 36 في المائة، في حين تضاعفت أسعار الكوبالت.
ومع هذا يعتقد الخبراء أن أسعار الليثيوم قد تنخفض مستقبلا نتيجة المشاريع الإنتاجية الجديدة في أمريكا الجنوبية وأستراليا، ما قد يسد العجز الراهن في الأسواق بحلول العام المقبل، وخلال بضع سنوات أخرى قد يفوق العرض الطلب، ولا شك أن ذلك سيسهم في انخفاض تكلفة السيارات الكهربائية مستقبلا بشكل ملحوظ.
وإذا كانت أسعار خام الكوبالت تتسم حاليا بوضع إيجابي، حيث يبلغ سعر الطن في بورصة لندن للمعادن 85 ألف دولار، مرتفعا 70 في المائة عن هذا الوقت من العام الماضي، فإن تقديرات الخبراء تشير إلى أن مستقبل خام الكوبالت سيسير في الاتجاه ذاته الذي سيسير فيه عن خام الليثيوم، فشركة "جلينكور" أحد عمالقة إنتاج المعادن في العالم، قررت مضاعفة الإنتاج من فروعها في الكونغو الديمقراطية، وهو ما يعني وجود فائض في الأسواق العام المقبل.
ويتوقع إلينور نايت المضارب في بورصة لندن للمعادن، أن يبلغ متوسط السعر هذا العام 75 ألف دولار للطن، وأن يتراجع العام المقبل إلى 55 ألف دولار للطن، مع مواصلة الانخفاض ليصل إلى 33 ألف دولار طن بحلول عام 2020 أو 2021.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن الطلب على الكوبالت بلغ العام الماضي 104 أطنان استخدم نصفها تقريبا في صناعة السيارات، متوقعا نمو السوق هذا العام 9 في المائة وسيستهلك 113 طنا، لكن تطور صناعة البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية سيؤدي إلى انخفاض الطلب بحلول عام 2022، ولن يتجاوز 98 طنا؛ أي 61 في المائة من الطلب العالمي حاليا".

الأكثر قراءة