مزارعو الأرز في مصر يتوقعون أوقاتاً عصيبة بسبب سد النهضة الإثيوبي

مزارعو الأرز في مصر يتوقعون أوقاتاً عصيبة بسبب سد النهضة الإثيوبي

تجاهل مزارعو الأرز في قرية كفر زيادة بدلتا النيل في مصر لسنوات القيود الزراعية التي تهدف إلى توفير المياه واستمروا في زراعة هذا النوع من الحبوب الذي يحظى بشعبية في العالم العربي. لكن قرارا على بعد آلاف الكيلومترات باتجاه الجنوب يوشك أن يغير هذا الوضع في مثال آخر على ما يفرضه القلق بشأن المياه، وهي إحدى السلع الأولية الأكثر قيمة في العالم، من تغييرات في قوانين الزراعة، بل وحتى الدبلوماسية الدولية. وبعيدا في اتجاه الجنوب، بالقرب من منابع النيل، تتأهب إثيوبيا لملء الخزان القابع خلف سد النهضة المشيد حديثا بقيمة أربعة مليارات دولار، وقد يكون هذا خلال العام الجاري. وقد تكون لسرعة ملء الخزان آثار مدمرة على المزارعين الذين يعتمدون منذ قديم الأزل على نهر النيل لزراعة المحاصيل المختلفة للسكان المحليين البالغ تعدادهم الآن 96 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصلوا إلى 128 مليونا بحلول عام 2030. وتتصدر حماية حصة مصر في مياه النيل، التي تعتمد عليها البلاد في الصناعة وفي توفير مياه الشرب ومياه الري أيضا، أجندة الرئيس عبد الفتاح السيسي مع بداية فترة حكمه الثانية. في الوقت ذاته، تعالج السلطات أخيرا مشكلة انتشار زراعة الأرز الكثيف الاستهلاك للمياه بشكل غير قانوني.

وتعني هذا الحملة أن مصر ستصبح على الأرجح بلدا مستوردا للأرز في عام 2019 بعد أن ظلت لعقود واحدة من كبار مصدريه حول العالم حسبما يقول تجار. وأصدرت القاهرة قرارا بالسماح بزراعة 724 ألف فدان من الأرز هذا العام، وهي مساحة تشير تقديرات التجار إلى أنها تقل عن النصف مقارنة مع 1.8 مليون فدان في عام 2017، والتي تزيد كثيرا عن المساحة المخصصة رسميا لهذا الغرض والبالغة 1.1 مليون فدان. وبدأت الشرطة في مداهمة منازل المزارعين واحتجازهم حتى يسددوا غرامات متأخرة تعود إلى سنوات مضت. وقال مزارع يدعى محمد عبد النبي أحمد عبد الخالق في قرية كفر زيادة الواقعة على بعد نحو 125 كيلومترا شمالي القاهرة بمحافظة البحيرة "آه هم كل مدى بيشددوا. وممنوع يعني ممنوع. ممنوع زراعة الأرز نهائي يعني ممنوع. "وبعدين إحنا قريتنا بالذات قرية كبيرة. فيها 4200 فدان، وفيها استهلاك تخش على 800 ألف ولا 700 ألف نسمة، قرية كبيرة و4200 فدان حيازة القرية بحالها. ده فيها استعداد كبير، وإزاي تنحرم من الأرز السنين الطويلة كلها، وإذا زرعنا، يتأخذ علينا محاضر، ونخشوا الحجز". وأضاف "أنا لا أنا مجرم ولا أنا عامل حاجة ولا أنا رجل عفش. أنا رجل فلاح، مزارع، تأخذني المباحث بالليل الساعة ثلاثة، ونخش في وسط المجرمين والحرامية نقعد معاهم، لية؟ مش عارف. عشان أنا زارع أرز". وتحدث ثلاثة من الفلاحين الآخرين عن تعرضهم للموقف ذاته وقالوا إنهم لن يزرعوا أرزا. وقال رضا عبد العزيز (50 عاما) إن أهالي القرية أصبحوا يخافون أن يغادروها.

وأضاف "يعني مفيش الميه (المياه) زي ما بيقولوا. موال المية مفيش. زي ما بيقولوا بيأخذ الميه بيأخذ الميه. لا أي زرع بتأخذ الميه، البرسيم بيأخذ الميه، الغلة (القمح) بتأخذ الميه، كل حاجة بتأخذ الميه، والأرز بيأخذ الميه زي أي زرع، يعني كلها أسبوع وبتخلص على طول". وتابع عبد العزيز "دول كانوا بييجوا يأخذوا بالليل، حوالي عربيتين ثلاثة، يعني ثلاثين، أربعين واحد كل ليلة، يروحوا يخبطوا عليهم (يطرقوا أبوابهم)ويمسكوهم". وكان عبد الخالق قد أعلن عبر مكبر الصوت الموجود بمسجد القرية الشهر الماضي أن الحكومة ستزيد الغرامة إلى مثليها على زراعة الأرز غير المصرح بها لتصل إلى سبعة آلاف و600 جنيه للفدان. وظلت مصر على مدى زمن تعتبر النيل هبة خالصة لها على الرغم من أن النهر وروافده يمر خلال عشر دول.

وكانت من مقولات الرئيس المصري الراحل أنور السادات الشهيرة ما صرح به عام 1979 من أنه مستعد للدخول في حرب من أجل النيل إذ تهدد سريانه. لكن أي تهديد من إثيوبيا في الماضي، وإلى الآن، لم يكن يعدو كونه تهديدا أجوف. أما السد الجديد، الذي يقطع رافد النيل الأزرق قبل أن ينحدر باتجاه جنوب شرق السودان، سيمنح أديس أبابا نفوذا سياسيا كبير على جيرانها في دول المصب. والسودان ومصر هما أكبر المستفيدين من مياه نهر النيل في الزراعة وفي السدود. وتريد مصر أن تتأكد من أن السد لن يؤثر على سريان نهر النيل وتدفقات المياه التي تقدر بنحو 84 مليار متر مكعب في المتوسط سنويا. وتسعى إثيوبيا إلى الاستفادة من السد لكي تصبح أكبر دولة تولد الكهرباء وتصدرها في أفريقيا ولكي توصل الكهرباء لعشرات الملايين للمرة الأولى في تاريخها. ولم يتمكن البلدان من الاتفاق على ترتيب شامل لتقاسم المياه على الرغم من التفاوض على هذا الأمر لسنوات. وما من شك في أن سريان النيل سيتأثر خلال تلك السنوات، لكن الأمر الذي لم يُعرف بعد هو حجم الأثر. ولا يتوافر سوى القليل من البيانات للإجابة على هذا السؤال.

 

وبحسب تقديرات مصادر في وزارة الري المصرية، فإن خسارة مليار متر مكعب من المياه ستؤثر على مليون شخص وتؤدي إلى خسارة 200 ألف فدان من الأراضي الزراعية. وقالت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة إن مصر تحتاج إلى استجابة "سريعة وكبيرة" من أجل ضمان الأمن الغذائي خلال السنوات القادمة لعدد من الأسباب من بينها الندرة المائية والتطور الحضري وآثار التغير المناخي. ويقول مزارعو الأرز، الذين اعتادوا البدء في زراعته بنهاية أبريل نيسان، إنهم قد يتركون أراضيهم بورا في ظل صعوبة التحول السريع إلى محاصيل زراعية أخرى مثل القطن والذرة، والتي تحتاج إلى تقنيات وآلات مختلفة.

الأكثر قراءة