FINANCIAL TIMES

أصول المشتقات تعود إلى بلاد الرافدين..قبل «وول ستريت»

أصول المشتقات تعود إلى بلاد الرافدين..قبل «وول ستريت»

أصول المشتقات تعود إلى بلاد الرافدين..قبل «وول ستريت»

أصول المشتقات تعود إلى بلاد الرافدين..قبل «وول ستريت»

يتتبع المؤرخون الماليون نشأة المشتقات ويعيدونها إلى بلاد الرافدين أو ما بين النهرين القديمة، عندما كان المتداولون يستبدلون العقود مقابل تسليم حبوب في المستقبل.
كانت واحدة من أولى المكاسب المالية الكبيرة المسجلة للفيلسوف اليوناني طاليس في القرن السادس قبل الميلاد، عندما اشترى بنوع من التبصر الحق في استخدام معاصر الزيتون، قبل حصاد وافر للغاية.
إجمالي القيمة الاسمية للمشتقات (هي في الأساس أوراق مالية مشتقة قيمتها من شيء آخر)، التي يجري تداولها في أنحاء النظام المالي العالمي اليوم تبلغ أكثر من 542 تريليون دولار، وفقا لبنك التسويات الدولية.
هذه الوسيلة تساعد الزراع على التأمين ضد المحاصيل السيئة، وحماية الدائنين من القروض المعدومة، ووقاية الشركات من تقلبات أسعار العملات - والسماح للمتداولين بوضع رهانات على التقلبات.
في الممارسة العملية، تنطوي جميع المشتقات على رهان ضمني على التقلب. على سبيل المثال، شراء "حق البيع الآجل" - الحق في بيع أصل بسعر متفق عليه من قبل في مرحلة ما في المستقبل - يشبه شراء التأمين ضد انخفاض الأسعار.
وشراء "حق الخيار في الشراء"، الذي يعطي الحق وليس ملزما بالشراء بسعر محدد مسبقا، هو طريقة للرهان على أن سهما معينا سوف يرتفع.
إذا اشترى متداول حق الخيار في الشراء وحق البيع الآجل معا، فإنه يمكن أن يشكل "مضاربة مختلطة" تعمل بمنزلة رهان على اضطراب السوق نفسها. وإذا باعها، فإنه يراهن على هدوء السوق.
تدين هذه الخيارات بشعبيتها إلى فيشر بلاك وروبرت ميرتون ومايرون سكولز، وهم ثلاثة أكاديميين نشروا في عام 1973 نموذجا ثوريا لحساب قيمة الخيارات بشكل أكثر كفاءة.
وعمل نموذج بلاك-سكولز على منح ميرتون وسكولز جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1997 (توفي بلاك قبل ذلك ببضع سنوات).
لم يكن هذا كافيا لتحويل التقلب إلى شيء يمكن التداول فيه فعلا، لكن الاهتمام بالتقلب كان في ارتفاع.
في الثمانينيات، نشر مناحم برينر ودان غالاي سلسلة من الأبحاث التي أوجدت مؤشرا فعليا للتقلب في سوق الأسهم بناء على الخيارات، والذي أطلق عليه اسم "سيجما". لقد عرضا الفكرة على بورصات مختلفة، ولكن في ذلك الوقت لم يكن أحد يريد تحويلها إلى معيار تقلب مباشر.
بقيت الفكرة ساكنة حتى عام 1992، عندما عينت بورصة شيكاغو للخيارات روبرت والي، وهو أكاديمي مالي يعشق أغاني بوب ديلان، لتحويل فكرة مؤشر التقلب القائم على الخيارات إلى حقيقة.
رحل والي وعائلته إلى فرنسا لمدة ستة أشهر لوضع التفاصيل. بحلول عام 1993، ولد مؤشر التقلب في بورصة شيكاغو. كان من المفترض في البداية أن يكون للمؤشر رمز REW على شريط الأسهم في البورصة، إلا أن هذا الاسم قد تم أخذه من قبل، لذا أرسلت بورصة شيكاغو عبر الفاكس قائمة بالبدائل إلى القرية التي كان يختبئ فيها والي.
وكما يقول: "ضمن القائمة كان الرمز VIX. وضعت دائرة حوله وأرسلته بالفاكس مرة أخرى".
يهدف VIX إلى قياس التقلبات المتوقعة لسوق الأسهم الأمريكية خلال ثلاثين يوما مقبلة، وفقا لما تنطوي عليه أسعار الخيارات - نظريا يقيس مستوى قلق المستثمرين.
نظرا لأنه رقم يعتمد على حسابات معقدة من آلاف المشتقات الضمنية، لا يستطيع المستثمرون شراء أو بيع VIX نفسه. ومع ذلك، عندما تكون هناك رغبة - وتحصيل الرسوم - تجد المصارف الاستثمارية دائما وسيلة لفعل ذلك.
يبدو أن أول مشتق تقلب "خالص" كان صفقة تم تصميمها من قبل أحد المصرفيين في بنك يو بي إس يدعى مايكل ويبر في عام 1993. ويبر، الذي يعمل الآن في بنك جيه بي مورجان، رفض التعليق على هذه المقالة، ببناء شيء أصبح يعرف باسم "عقود التباين المتبادلة"، استنادا إلى تقلبات سوق الأسهم في المملكة المتحدة، لحماية دفتر تداول المصرف السويسري من الخسائر.
بدأت عقود التباين المتبادلة بسرعة في الانتشار في وول ستريت، وخاصة في أواخر التسعينيات، عندما كانت الأسواق تعاني من تشنجات الأزمة المالية الآسيوية وانهيار صندوق التحوط LTCM.
أثار هذا الاهتمام بفكرة تداول التقلبات في حد ذاتها، لكن عقود التباين المتبادلة بقيت غامضة فوق الحد، على نحو حالَ دون استخدامها على نطاق واسع. من شأن ذلك كله أن يتغير في العقد الأول من القرن الحالي.
في صيف عام 2002، واجه مارك كوبان مأزقا. قبل بضع سنوات من ذلك، باع صاحب المشاريع موقع Broadcast.com، وهي شركة إذاعية عبر الإنترنت، إلى شركة ياهو مقابل سعر رائع هو 5.7 مليار دولار، ما جعله يحصل على مبلغ صاف يبلغ 1.4 مليار دولار من قيمة أسهم البوابة الإلكترونية في ذلك الوقت. بعد ذلك تبددت فقاعة الدوت كوم، وكان كوبان يريد شراء بعض الحماية.
وسيطه في بنك جولدمان ساكس جعله على اتصال مع زميل له في مكتب المشتقات التابع للمصرف في نيويورك، إلا أن المحادثة كانت محبطة. حاول ديفاش شاه، وهو المصرفي الذي أجرى الاتصال، أن يبيع لكوبان أحد عقود التباين المتبادلة، لكن صاحب المليارات الذي يتخذ من تكساس مقرا له، أراد أن يراهن على "مؤشر الخوف" الجديد الساخن الذي سمع عنه كثيرا.
يتذكر كوبان: "واصلت سؤالهم إن كانت هناك طريقة للمقامرة على التقلبات، لاستخدام VIX، لكن لم تكن هناك طريقة".
يعترف شاه أنه لم تكن لديه أي فكرة عن كوبان في ذلك الوقت، لكن المحادثات استمرت معه. بعد ذلك بفترة وجيزة، أشار بشكل عرضي إلى رغبة رجل الأعمال في الرهان على VIX إلى زميل له هو ساندي راتري، وهو بريطاني عقلاني دغدغت الفكرة دماغه.
يقول شاه: "كان يعتقد أن الأمر سيكون ممتعا. بعد ذلك كتب ساندي، وهو من هو، رسالة لطيفة من بنك جولدمان ساكس إلى بورصة شيكاغو للخيارات، يقول فيها إن لدى المصرف فكرة لطيفة سوف تعجبكم."
من جانبها، عينت بورصة شيكاغو البنك الاستثماري لتعديل منهجية VIX لجعل العقود الآجلة القابلة للتداول التي تعتمد على مستواها أكثر قابلية للاستخدام. في عام 2004، كانت البورصة على استعداد لإطلاق أول عقود آجلة لمؤشر VIX.
في البداية، كان الاهتمام بذلك من باب الاحترام فحسب. في عام 2006، بلغ متوسط عدد العقود الآجلة في VIX التي يتم تداولها 1730 عقدا في اليوم. عندما اندلعت الأزمة المالية، حولت التغطية الواسعة لـ"مقياس الخوف في وول ستريت" مؤشر VIX إلى نجم شهير في صناعة التمويل.
هرع الناس إلى شراء العقود الآجلة لـ VIX لحماية أنفسهم من الكارثة الآخذة في الانتشار، وبحلول عام 2008 كان يتم تداول أكثر من 4300 من العقود الآجلة للتقلب كل يوم، لدرجة أن هذا اللقب ألهم كتابة "مؤشر الخوف"، وهو أحد أكثر الكتب مبيعا لعام 2011 بقلم روبرت هاريس عن صندوق التحوط القاتل المدعوم بالذكاء الاصطناعي، الذي يُطلق عليه اسم "فيكسال -4".
يتندر شاه بقوله: "الجميع يعرف VIX، كان مثل كوكا كولا. لم يكن أحد يستطيع أن يشربه. ثم أنشأنا عقود VIX الآجلة، والأمريكيون يحبون السكر، لذا قام الناس بشرائها.
بعد ذلك تواردت التطورات. شعر المهندسون الماليون بفرصة "النشر الواسع" للوصول عن طريق بناء منتجات متداولة في البورصة تستند إلى المؤشر.
في عام 2009، أنشأ بنك باركليز أول منتج متداول في البورصة مرتبط بالتقلب باستخدام العقود الآجلة لـ VIX، وبحلول عام 2017 كان هناك أكثر من 40 من المنتجات المتداولة في البورصة مرتبطة بـ VIX ومتاحة للمستثمرين العاديين للتداول.
بعضها يرتفع عندما يرتفع التقلب، ويستفيد البعض الآخر منها عند انخفاضه. وكلها تغذيها العقود الآجلة لـ VIX، حيث تضخم متوسط حجم التداول اليومي إلى أكثر من 294 ألف عقد في العام الماضي.
كما توضح حالة الاضطراب في شباط (فبراير) الماضي، كانت هناك مخاطر كامنة في وجود مدخلات رئيسة في نماذج إدارة المخاطر، التي هي أيضا أداة تداول شائعة.
قمة التقلب العالمية انطلقت في عام 2010، ضمن المهرجان السنوي لصناديق التحوط المخصص للتداول في الاضطرابات، إلا أن حضورها لم يكن جيدا مثلما كان هذا العام.
ثم حل حدث شباط (فبراير) مباشرة في أعقاب اضطراب السوق، وكان المنظمون - صندوق التحوط كابستون - قد أقاموا سلة مهملات مليئة بشهادات VIX زائفة من باب الدعابة، مع إشارة تحث الحضور على "وضع جميع أسهم VIX في الحاوية المناسبة لذلك".
وتخلل المهرجان ساحر متجول، وكذلك لانس أرمسترونج، محترف سباق الدراجات الذي منع من الرياضة لفترة مؤقتة بسبب تناوله المنشطات، وسلسلة من مديري صناديق التحوط التي تحمل أسماء الأحرف اليونانية التي جلبها الفيزيائيون إلى صناعة المشتقات: جاما، ودلتا، وثيتا. المتحدث الأكثر إلحاحا كان شابا حادا يدعى كريستوفر كول من Artemis Capital Management.
اكتسبت رسائل كول المتعرجة والطريفة إلى المستثمرين معجبين كثيرين مفتونين به في أجزاء من بورصة وول ستريت، من خلال التنبؤ بحدوث كارثة مالية حتمية بفعل التقلب، وبإيراده اقتباسات من غوته وجورج لوكاس ودنيس رودمان أثناء ذلك.
بعد مذبحة شباط (فبراير) الماضي، بدا كول أكثر شبها بالعراف الثائر على التقاليد من كونه الرجل المجنون الذي كان يظنه الناس في السابق، ما جعله يحصل على دعوة للتحدث في أبرز حفل تقيمه الصناعة، على الرغم من الحجم المتواضع لصندوق التحوط التابع له، الذي يتخذ من تكساس مقرا له.
أشار مدير الأموال إلى المضامين المثيرة للقلق من جراء مبلغ ثلاثة مليارات دولار فحسب، من الأوراق المالية المتداولة في البورصة المرتبطة بـ VIX، ما تسبب في مثل هذه الفوضى في السوق، حيث أبرز كيف تحولت التقلبات من دليل للخطر إلى مدخل للمخاطرة - بمقارنتها مع الأفعى التي تبتلع ذيلها من الأساطير اليونانية.
وفي أثناء استعداده لموضوعه، ودون اكتراث بالحضور الذين كانوا يطلقون الضحكات من حين إلى آخر، حذر كول من أن موجة الاضطرابات التي وقعت في شباط (فبراير) الماضي، هي مجرد فاتحة شهية "لثورة تقلبات لن يتم بثها عبر التلفزيون".
أخبرني لاحقا أنه يعتقد أن "التقلب هو أداة للحقيقة"، ولكنها أداة مثيرة للقلق.
يشعر كول بالقلق من وجود حلقة تغذية مرتدة "خطرة" الآن، تربط التقلبات بأسعار الفائدة المنخفضة وبالهندسة المالية، ويقدر أن هناك أكثر من تريليوني دولار ضمن استراتيجيات تؤثر في تقلب أسواق الأسهم وتتأثر بها. ويقول: "هذا نظام هش للغاية. هذا ما جعل التقلب فئة الأصول الوحيدة المهمة حقا".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES