Author

النمو العالمي و«حرب» الرسوم

|

ستحتفظ المملكة بنمو اقتصادي جيد في العامين الجاري والمقبل. وفق صندوق النقد الدولي، سيسجل الاقتصاد السعودي 1.7 و1.9 في العامين المشار إليهما. وهذا متوقع من جانب كل المؤسسات المعنية بمراقبة النمو على الساحة العالمية، بينما تمضي المملكة قدما في تنفيذ مشروعها الاستراتيجي الاقتصادي ضمن نطاق "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها. والسعودية "كما هو معروف"، تمكنت من الحفاظ على النمو حتى في ظل التراجع الكبير الذي ضرب أسعار النفط قبل ثلاث سنوات، كما أنها احتفظت بسمعتها الائتمانية تحت ضغط هذه الأسعار، وإن عادت في الآونة الأخيرة إلى الارتفاع بصورة نسبية. لكن السعودية تسير استراتيجيا نحو تنويع مصادر الدخل، ما يعزز التنمية المستدامة والنمو المضمون في السنوات القليلة المقبلة.
الوضع على الساحة العالمية ليس سيئا على صعيد النمو، ولكنه ليس جيدا بما يكفي، وفق رؤية صندوق النقد الدولي، خصوصا مع بدء رحى ما يمكن تسميته بـ "الحرب التجارية"، وعدم استقرار الوضع التجاري العالمي حتى بين الحلفاء التقليديين، وتحديدا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالرسوم الجمركية الجديدة التي طبقتها الإدارة الأمريكية، ستضر بثقة السوق والإنتاج على الساحة العالمية. ولذلك، يرى "صندوق النقد" وغيره من المؤسسات العالمية المشابهة، أن العالم لا يمكنه أن يتحمل حربا تجارية "أو حرب الرسوم إن جاز التعبير"، بينما لا يزال يخرج من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت في عام 2008. صحيح أن غالبية البلدان خرجت من هذه الآثار، إلا أنها لا تزال عرضة لعودتها إذا ما استمر التوتر التجاري العالمي على هذا المنوال.
النمو العالمي سيبقى في العامين الجاري والمقبل أيضا دون تغيير عند 3.9 في المائة، وهو نمو لا بأس به، إلا إذا تأثرا سلبا بالتوتر التجاري الراهن. والخوف هنا، أنه من المتوقع أن يتباطأ هذا النمو بعد عام 2019، ولا سيما في البلدان الغربية، والسبب يبقى كما هو، أي ارتفاع أعداد شرائح كبار السن في هذه البلدان، ما ينعكس سلبا على الإنتاجية. والحق، أنه لا حول ولا قوة لهذه الدول في هذا المجال، خصوصا مع ارتفاع مستوى الرعاية الصحية، والاكتفاء الذاتي للمواطنين فيها. ومن هنا، تظل البلدان النامية أكثر نموا لسنوات طويلة مقبلة. وبالطبع، تتصدر الصين والهند المشهد في هذا المجال. بل إن الهند ستتقدم الصين بنسبة أكبر على صعيد النمو.
الصين ستحقق نموا يصل إلى 6.6 في المائة، بينما ستحقق الهند نموا يبلغ 7.4 في المائة. واللافت هنا، أن اليابان التي لا تختلف كثيرا في أوضاعها الاجتماعية عن البلدان الغربية، ستتمتع بأداء اقتصادي قوي في العامين الجاري والمقبل، وإن كان النمو فيها لن يتعدى 1.2 في المائة، بحسب "صندوق النقد". المهم الآن بالنسبة للاقتصاد العالمي، يجب أن يتم احتواء الأزمة التجارية المتصاعدة، خصوصا بعد وصول إدارة دونالد ترمب إلى الحكم في الولايات المتحدة. فهذه الإدارة تنظر بوضوح إلى مسألة التجارة كأمن قومي حقيقي، وهي تتحدث بصراحة عن أنها لا تحفل كثيرا بعلاقاتها مع حلفائها عندما يتعلق الأمر بالتجارة والرسوم الجمركية والحمائية.
ستكون هناك جولات من المشاورات والاتصالات بين الأطراف العالمية الرئيسة على الصعيد التجاري، غير أنه لا تبدو في الأفق أي إشارات للمرونة من الجانب الأمريكي، الذي يسعى إلى توفير أكبر حماية ممكنة للإنتاج الوطني، بصرف النظر عن أية اعتبارات.

إنشرها