شركات جمع البيانات بحاجة إلى ضوابط صارمة

شركات جمع البيانات بحاجة إلى ضوابط صارمة

مر وقت في المملكة المتحدة عندما كان يطغى على معظم الناس انطباع بأن الاستشارات المالية مجانية. كانوا يذهبون لرؤية مستشار وكان بدوره يقدم لهم النصح والمشورة. ومن ثم يودِعون مالهم لتولي رعايته. ولم يكونوا يحصلون على فاتورة أبدا.
فقط عندما غيرت الحكومة القوانين في عام 2012 أدرك الناس أنهم كانوا يدفعون المال مقابل الاستشارة، وأنهم كانوا يدفعون مبالغ كبيرة. كل ما في الأمر أنهم لم ينتبهوا للموضوع قط لسبب بسيط وهو أنهم لم يكونوا يدفعون ذلك المبلغ بشكل مباشر إلى المستشار. كان فقط يأخذ منهم نسبة من مجموع الأصول لديهم – التي كان يتمتع بالسيطرة التامة عليها وإمكانية الوصول الكاملة إليها.
قد يبدو هذا أمرا مألوفا. إن كان كذلك فهو لأنه تماما ما يحدث الآن في قطاع وسائل التواصل الاجتماعي. حتى وقت قريب جدا لم يكن معظم الناس يتفهمون أن حساباتهم الموجودة على فيسبوك وتويتر – وعلى كثير من التطبيقات الأخرى التي يستخدمونها - ليست "مجانية" حقا.
الآن بدأوا يدركون أنهم يدفعون أجرا، بل وأجرا كبيرا. مرة أخرى لم يكونوا يلاحظون ذلك لسبب بسيط وهو أنهم لم يكونوا يدفعون الأجر مباشرة للجهات التي تزودهم بالخدمة. بدلا من ذلك تمد جهات التزويد يدها إلى المدفوعات من خلال مجموعة من الأصول التي يمكنها السيطرة عليها بالكامل والوصول إليها بشكل كلي. الفرق الوحيد بين "فيسبوك" و"جوجل" وبين الخدمات المالية هو أن الأصول موضوع البحث ليست من الأسهم أو السندات وإنما هي البيانات الشخصية.
ليس هناك أي شيء آخر يُدفع أجره بهذه الطريقة. إن اشتريت أي خدمات أخرى، لنقل مثلا من محامين أو وكلاء عقارات، فأنت تدفع مباشرة من خلال عملية تحويل الأجر لمرة واحدة منك إليهم. وحين تشتري سلعا مادية يكون الوضع مماثلا. فقط المصرفيون ومديرو الأموال والمستشارون الماليون، وبشكل حاسم الشركات المختصة بجمع البيانات، لديهم القدرة على أن يمدوا يدهم للاستفادة من موادك.
إن بدأت بإعطاء بياناتك قيمة عالية بقدر قيمة أصولك التقاعدية، ستتفهم الوضع بشكل سريع. الشركات التي تقتني أصول العملاء على أنها جزء من تقديم خدمة معينة لهم يجب إخضاعها لمعايير أعلى.
ما الذي ينبغي أن يعنيه ذلك في الممارسة العملية؟ هذا يعني مستوى مرتفعا من الشفافية القسرية. قانون حماية البيانات العامة الجديد في الاتحاد الأوروبي يعد بداية، لكنها مجرد بداية فقط.
لنأخذ في الحسبان تطبيق الخدمات المصرفية الجديد، "يولت" Yolt، الذي يجري إطلاقه من قبل ING، أحد أكبر المصارف في أوروبا. هذا التطبيق يسمح لك بدمج جميع حساباتك المصرفية في مكان واحد. لكن عندما تضيف حساباتك إلى التطبيق، تمنحه أيضا إمكانية الوصول إلى المعاملات والتحويلات المالية التي تمت خلال الـ 12 شهرا الماضية وجميع التحويلات المستقبلية، ورصيد حسابك، وديونك المباشرة، والطلبات الجارية، والحد المسموح للسحب على المكشوف وما إلى ذلك. ستخبرك نشرة التطبيق عن مدى الإثارة التي ستعيشها في حال كنت تتمتع بالقدرة على "استعراض كل شيء في مكان واحد، ورؤية عادات الإنفاق لديك، والحصول على أفكار ذكية والتصرف استنادا إليها.
إن كان ذلك مثيرا بالنسبة لك، تخيل فقط كيف سيكون مثيرا بالنسبة إليهم! محركات البحث مثل جوجل تستخدم أنماط بحث ومواقع بحث للتوصل إلى افتراضات حول طريقة تفكير المستخدمين.
التطبيق المصرفي المنظم بشكل جيد لا يتعين عليه التوصل إلى افتراضات. فهو يعرف كل شيء؛ يعرف أين تعمل، والدخل الذي تحصل عليه، ومقدار قرضك العقاري، والمبلغ الذي تنفقه على خدمات المنافع (مثل الماء والكهرباء)، وما إذا كنت عاشقا أم لا، ومقدار ديونك، والمبلغ الذي تنفقه على ممارسة هواياتك، وما عاداتك المنتظمة - وكيف ومتى تحيد عن تلك العادات.
التطبيق الذي من هذا القبيل لن يقوم فعليا ببيع بياناتك (التطبيقات التي اطلعتُ عليها صريحة بهذا الخصوص) لكنها، بحسب كلمات "يولت"، ستستخدم تلك البيانات لتقدم لك المنتجات التي تحتاج إليها من "شركاء ذوي صلة ومثيرين". ربما إن رأى التطبيق أنك تجاوزت الحد المسموح لك بالسحب على المكشوف، قد يحاول إقناعك بالحصول على قرض. وإن رأى أن مصرفك يدفع لك سعر فائدة منخفضا جدا على مدخراتك، فإنه سيسمح لجهة منافسة بأن تقدم لك سعر فائدة خاصا بعلاوة. وإن رأى أنك تدعو شخصا للعشاء معك عدة مرات وترسل بوكيهات أزهار بأسعار مرتفعة، ربما يعرض عليك قرضا سكنيا جديدا (أكبر) أو قرضا لشراء سيارة. وإن رأى أنك ستسافر إلى البرتغال، يمكن أن يبعث بك إلى شركة وساطة لصرف العملات الأجنبية.
آن الأوان ليرغم المنظمون التطبيقات على منح العملاء مزيدا من المعلومات حول مقدار البيانات التي سيتم استخدامها وكيفية حدوث ذلك. أما بالنسبة لمقدمي الخدمات المالية، فينبغي أن يُفرَض على التطبيقات إرسال بيانات منتظمة إلى المستخدمين تبين بالتفصيل كيفية استخدام بياناتهم وما النتائج التي ترتبت على ذلك.
إن تم استخدام بياناتك ليباع لك شيء ما، ينبغي لك أن تعرف ذلك وأن تعرف المبلغ الذي تقاضاه مزود التطبيق على شكل عمولة. كذلك ينبغي أن يقدم لك خيارات حول طريقة الدفع التي تفضلها. المستخدمون الذين يحبون تطبيقا معينا لكنهم لا يرغبون في إطلاق يده في بياناتهم ينبغي أن يكونوا قادرين أيضا على دفع رسوم نقدية شهرية.
يحب كثير من الناس استخدام "فيسبوك" و"تويتر" و"جوجل" على الصعيد الاجتماعي والمهني. إليزابيث ليندر، الرئيسة السابقة للقسم السياسي في "فيسبوك" في لندن، تشير إلى أن الناس في بعض أجزاء من المملكة المتحدة يثقون بتحديثات "فيسبوك" الجارية من قبل قوة الشرطة المحلية بشكل أكبر حتى من مكالمة هاتفية من أحد رجال الشرطة.
وهذا أمر له قيمته بالنسبة لرجال الشرطة والمجتمعات المحلية التي يقدمون لها الخدمات، وربما يرحب بعض المستخدمين بدفع ثمن مقابل ذلك. لكن بالتأكيد لهم الحق في الحصول على شفافية مطلقة حول مقدار المبلغ الذي يدفعونه وآلية الدفع.
البشرى السارة هي أن لدينا منذ الآن نقطة انطلاق باتجاه هذا الإشراف من خلال الطريقة التي يتم بها تنظيم الشركات التي تجمع الأصول المالية. الخبر السيئ بالنسبة لشركات جمع البيانات هو أن المستخدمين إذا علموا فعلا مقدار ما يدفعونه مقابل خدمات الإنترنت "المجانية"، ربما أصبحوا أقل حماسة للاشتراك فيها.

الأكثر قراءة