Author

حصاد جولة ولي العهد .. الاقتصاد أولا

|
من الصعب تلخيص نتائج جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في هذه المساحة من الكتابة، فهناك العديد من المليارات التي خصصت للكثير من الاتفاقيات والصفقات والمذكرات، ولكن الأصعب سيكون على عواتق جميع الأجهزة التنفيذية المعنية باللحاق بمواعيد تنفيذ الاتفاقيات، ومقابلة متطلبات المذكرات، والبدء في تنفيذ الصفقات، وهذا سيمثل تحديا واختبارا حقيقيا لهذه الأجهزة بكل تنوعها. ففي جانبي الأمن والدفاع، سيكون على الأجهزة المعنية بهما مقابلة التوقعات بشأن صفقات واتفاقيات أمنية وعسكرية مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة، ولعل أبرزها ما تم بشأن طائرات حربية متطورة من بريطانيا، وفي المسار نفسه، ولكن في الولايات المتحدة، تم توقيع اتفاقية بين الشركة السعودية للصناعات العسكرية SAMI وشركة بوينج الأمريكية لصيانة الطائرات الحربية، لتأسيس مشروع مشترك لتوطين أكثر من 55 في المائة من الصيانة والإصلاح للطائرات الحربية ذات الأجنحة الثابتة والطائرات العمودية، إضافة إلى صفقات تسليح بأكثر من 400 مليار دولار. فالحصاد يحمل معه صفقات تحولات في الصناعة العسكرية في المملكة، ولا بد أن نستغل الفرصة، لتحقيق تقدم في هذا المجال. ويبدو أن حصاد الجولة يظهر أن الاقتصاد كان أولوية في كل المحطات. وإذا كانت وثيقة برنامج صندوق الاستثمارات العامة تقرر تحقيق غايات "رؤية المملكة 2030" الوطنية في حقول الاستثمار، داخليا وخارجيا، وتنويع مصادر البناء والإنماء، وتعميق أثر ودور المملكة في المشهدين، الإقليمي والعالمي، من خلال تنمية أصوله في الأسواق العالمية، فقد شهد حصاد جولة ولي العهد خيرا كثيرا في تحقيق هذا الطموح. ففي قطاعات الاستثمار، تم توقيع اتفاقيات بـ 160 مليار دولار، منها تأسيس صندوق استثماري في التقنية بين صندوق الاستثمارات العامة و"سوفت بنك" للاستثمار في الولايات المتحدة، وأيضا اتفاقية ضخمة لإنشاء "خطة الطاقة الشمسية 2030"، التي تعد الأكبر في العالم في مجال الطاقة الشمسية، إضافة إلى اتفاقيات استثمارية بملايين الجنيهات الاسترلينية مع شركات ومؤسسات بريطانية في قطاع الرعاية الصحية وقطاع صناعة السيارات البريطانية. وفي القطاع العقاري، تم تأسيس صندوق استثمارات بقيمة 100 مليون جنيه استرليني، للاستثمار في العقارات البريطانية. كما جاء الحصاد وافرا في قطاعات التعليم والصحة والعقارات والرياضة والبتروكيماويات، فقد تم توقيع اتفاقيات بين المملكة والولايات المتحدة في النفط والغاز (13 اتفاقية)، وسبع مذكرات في مجال الصحة، وست مذكرات في التقنية، وأربع مذكرات لقطاع التصنيع، وثلاث للتعدين، وثلاث للبتروكيماويات، واثنتين للاستثمار، فيما كان نصيب الطيران والطاقة مذكرة واحدة لكل منهما. وفي قطاع الصحة ببريطانيا، تم توقيع اتفاقية بين وزارة الصحة السعودية وشركة bupa للاستثمار في مراكز الرعاية الصحية في السعودية، بقيمة نحو ملياري ريال، إضافة إلى التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي المتعلق بقطاع الرعاية الصحية، وصناعة الأدوية. وفي قطاع الطيران، تم توقيع اتفاقية في فرنسا لصناعة محركات الطائرات بقيمة 5.5 مليار دولار. وفي الحصاد، نجد "أرامكو السعودية" في الطليعة دائما، وهي تبحث عن فرص لتحسين موقعها الاستثماري وتوسيع قاعدة أنشطتها الاقتصادية، فقد وقعت ست اتفاقيات في لندن مع جهات مختلفة، من بينها ثلاث في قطاع التعليم والتدريب وبرامج القيادة، وكذلك في قطاع الطاقة. بينما بلغت الاستثمارات الخاصة في قطاع النفط والغاز "54 مليار دولار"، بين "أرامكو" وعدد من الشركات الأمريكية، كجزء من برنامج "اكتفاء" الرامي لزيادة نسبة المحتوى المحلي في أعمال الشركة، وتوطين سلسلة إمداد الطاقة في السعودية خلال السنوات الخمس المقبلة. وفي فرنسا، وقعت "أرامكو" اتفاقية مع "توتال" الفرنسية، بقيمة 7.2 مليار دولار لإنشاء مجمع بتروكيماويات عالمي جديد. على الرغم من توقيع اتفاقية استضافة السعودية لبطولة العالم للجولف في بريطانيا، مع الاتحاد الأوروبي للجولف، ووقع عليها من الجانب السعودي الهيئة العامة للرياضة، ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية. إلا أن الجانب الثقافي في حصاد جولة الأمير محمد بن سلمان، إلى أوروبا، نقرأه بوضوح في فرنسا، مع 18 اتفاقية أخرى في جوانب متعددة. ومع ذلك، يبقى الحدث الأبرز في زيارة فرنسا هو خطاب الأمير محمد بن سلمان التاريخي للعالم أجمع من قصر الإليزيه. ولعل الدلائل لا تخفى على أحد لفهم سبب اختيار ولي العهد هذا المنبر للحديث إلى العالم، فقد ذكّر العالم بأخطائه في التعامل مع هتلر منذ بدايات الأزمة، وطالب ألا يتكرر الخطأ نفسه مع إيران. ولقد كان ذلك الخطاب التاريخي بمنزلة النور الذي أضاء للعالم الطريق لأهمية التعامل الصحيح مع النظام الذي يحكم إيران اليوم، وأن المملكة لن تسمح بأن تكرر أوروبا خطأها التاريخي مرة أخرى.
إنشرها