Author

طريقة «الصندوق» القديمة لا تقبل الاستمرار

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

أبدأ بثلاث ملحوظات عن المقال. الأولى أنه يمثل كاتبه فقط. والثانية أنه لا علاقة له بحقوق من سبق أن تقدموا إلى الصندوق قبل أن يغير طريقته في التمويل. والثالثة أنه لا يناقش طريقة صندوق التنمية العقارية الحالية، لضيق المساحة المتاحة.
يطالب كثيرون بعودة الصندوق إلى طريقته القديمة.
إن من يطالب بالعودة إلى الطريقة القديمة أمره عجيب، فهو ينظر إلى الجانب الحسن منها، لكنه يجهل أو يتجاهل الجانب غير الحسن، وهو مفسد لحلاوة الجانب الحسن. هي لا تقبل الرسوخ أي الاستمرار، بل تصنع قوائم انتظار طويلة بل طويلة جدا، وتزداد طولا مع الوقت. ومن ثم فقد كان مطلوبا تغييرها إلى طريقة تمويل تقبل الاستمرار، دون حاجة إلى انتظار طويل، طبعا دون إخلال بمبدأ تيسير التمويل لفئات من المجتمع. وهذا التيسير هو سبب وجود الصندوق.
في حديث دار بيني وأحد من يؤيدون عودة الصندوق إلى طريقته القديمة، قلت له سأفترض أن الدولة قررت عودة الصندوق إلى طريقته القديمة. أفترض أن رصيد الصندوق 25 مليار ريال. وأن الدولة ضخت فوقها 225 مليارا، وهو مبلغ كبير جدا بالنظر إلى عجز الميزانية. وأفترض أن الصندوق يحصل سنويا على سداد ثلاثة مليارات من قروض قديمة.

ماذا سينتج؟
أولا: عدد المتقدمين سيراوح توقعا بين مليون ومليونين خلال فترة قصيرة فور إعلان عودة الصندوق إلى طريقته القديمة. وبعد ذلك سيتقدم كل سنة نحو 200 ألف طالب قرض، وسيزيد هذا العدد مع مرور السنين تبعا لزيادة السكان.
ثانيا: سيتوفر للصندوق في أول سنة ما يكفي لإعطاء 500 ألف متقدم تقريبا.
ثالثا: سداد القسط الأول بعد سنتين. أي أن الصندوق سيتوقف تقريبا عن الإقراض خلال السنة الثانية.
رابعا: بافتراض أن جميع المقترضين قاموا بسداد القسط الأول، فإن أقصى مبلغ سداد هو عشرة مليارات ريال. كيف؟ قسمة 250 مليارا على 25 سنة.
واقعا لن يسدد الجميع كل قسط في وقته بل كثيرون لا يسددون لأي سبب. وهنا من المهم التنبيه على أنه من الصعب على الدول رفع دعاوى عدم سداد على مواطنيها. هذه الصعوبة هي سبب جوهري في اعتماد الدول على المصارف في التمويل.
سنفترض، إذا كنا متفائلين، كل عام سداد 70 في المائة، يعني سبعة مليارات، يضاف إليها نحو ثلاثة مليارات عن سداد قروض قديمة. وأضيف نحو مليار سداد مبكر بسبب الرغبة في فك الرهن لأي سبب. ولنفترض أن الدولة تعوض الصندوق عن حالات عدم سداد خاصة "كالوفاة" نحو مليار سنويا. أي أن ما يدخل خزانة الصندوق بدءا من السنة الثالثة 12 مليارا تقريبا، تكفي 24 ألف طالب قرض. وسيسدد هؤلاء نحو 500 مليون ريال كل سنة لاحقا، بما يكفي نحو ألف طلب قرض.
خامسا: لن يستطيع الصندوق من السنة الثالثة فصاعدا، إلا إقراض بضعة وعشرين ألفا تقريبا كل عام. بالمقابل سيكون هناك بعد ثلاث سنوات قرابة مليوني طلب تحت الانتظار، وهو عدد يزيد كل سنة بنحو 200 ألف طلب. ومن ثم تتكون قوائم انتظار لمدة تزيد على 20 عاما. وسيسوء الوضع أكثر مع مرور السنين حيث يتزايد السكان وترتفع الأسعار "التضخم".
لو قلل الصندوق مدة السداد، فإن حجم القسط سيزيد طبعا، ومن ثم فإن نسبة التراخي أو التعثر في السداد ستزيد.
باختصار، الإقراض أو الدعم من رأس المال مشكلة جوهرية. وحل هذه المشكلة يتطلب أن يكون المصدر الأهم للإقراض أو الدعم هو العوائد وليس رأس المال. ولهذا لجأ الصندوق أخيرا إلى الاستثمار لتحقيق عوائد مالية تتصف بالاستمرارية أي الرسوخ.
التحدي أمام الصندوق يتركز في تحقيق هدفين:
الأول: ألا يلجأ الصندوق في تحقيق عوائده إلى طريقة استثمار تنافس كثيرا القطاع الخاص، في الوقت الذي تسعى فيه "رؤية 2030" إلى تعزيز دور القطاع الخاص. وهو تعزيز أكد عليه مرارا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
الثاني: أن تتوافر عوائد كافية سنويا لتحقيق أهم أهداف وتطلعات الناس والصندوق. وأتوقع أن الموارد المتاحة الآن لتحقيق هذا الهدف دون مستوى الطموح.
في هذا أقترح أن يتملك الصندوق جزءا كبيرا من أراضي الدولة غير المستغلة داخل النطاقات العمرانية. وما أكثر وأكبر هذه الأراضي. ثم يطور ما يحتاج إلى تطوير. ويلي ذلك البيع أو الاستثمار أو التأجير.

إنشرها