منذ «كوينسي» وحتى «نيوم» .. طريق السلام يمر عبر السعودية

منذ «كوينسي» وحتى «نيوم» .. طريق السلام  يمر عبر السعودية
منذ «كوينسي» وحتى «نيوم» .. طريق السلام  يمر عبر السعودية

لم يكن اللقاء التاريخي بين الملك المؤسس عبدالعزيز والرئيس الأمريكي الراحل روزفلت في بحيرات سيناء المرة على متن البارجة الأمريكية كوينسي وهي في طريق عودتها من مؤتمر مالطا للسلام حدثا عابرا بل بذرة سياسية حقيقية للعلاقة السعودية الأمريكية الممتدة منذ لقاء الساعة والربع بين الملك والرئيس وحتى هذه اللحظة التي يطلق فيها الحفيد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نيوم مشروع السعودية الأكثر طموحا لربط خير قارات العالم على مقربة من مرفأ البارجة التاريخية كوينسي.
وإن كان هذا اللقاء يمثل بذرة العلاقة السعودية الأمريكية السياسية على مستوى الزعماء إلا أنه سُبق بعلاقات اقتصادية استحقت سوكال الأمريكية بموجبها امتياز التنقيب عن النفط السعودي. في تجربة يمكن وصفها بالتحدي المشترك. إذ لم يكن هناك الكثير من الدلائل الطبوغرافية على جدوى التنقيب اقتصاديا قياسا بالكميات المتوقعة. ولكن الطرفين قررا خوض التجربة سويا للدرجة التي استعانت فيها مجاميع التنقيب في وقت من أوقاتها الصعبة بالإبل لحمل المعدات بعد أن شح الوقود وتقطعت السبل بالعربات المخصصة للنقل والتموين.
كما كان حضور خميس بن رميثان الدليل السعودي ومن معه لحظة فارقة في سبر أغوار المنطقة وخفاياها المستعصية حتى على الآلات الحديثة حينها ما سرع في كسب التحدي المشترك. والإعلان عن اكتشاف بئر الدمام الذي أسماه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في وقت لاحق بئر الخير؛ لأنه بالفعل كان فاتحة خير على مواطني هذه البلاد وعلى علاقتها المتميزة بالأشقاء والأصدقاء فور تمكن مؤسسات الدولة وشركاتها من القيام بأعمالها وفقا لأحدث ما توصلت إليه النظم البشرية والإدارية.
وبالعودة للعلاقة السعودية الأمريكية الممتدة لأكثر من ثمانين عاما يمكن تفهم طبيعة الثقة العميقة والمتبادلة سياسيا لأنها بنيت على تحد اقتصادي مشترك. فيما يعاود الأمير محمد بن سلمان اليوم إحياء التحديات المستقبلية بفرص تكنولوجية واعدة ومبشرة للشركات الأمريكية والسعودية تبثها مجددا في عروق العلاقة التاريخية بين البلدين نيوم مدينة الحالمين البكر ووجهة الطموحين والمتطلعين دوما لمستقبل عمل وسلام تقدمي ومغاير.
ولتبيان عمق العلاقة واستشراف فرص استمرار نجاحها في نيوم أو غيرها من مشاريع رؤية 2030 الواعدة لا بد من التذكير بمقولة للملك المؤسس عبدالعزيز نقلها عنه الأديب أمين الريحاني تفسر تفضيله لشركة تنقيب أمريكية عما سواها رغم حداثة عهد الشركات الأمريكية آنذاك بالتنقيب: "كلما قل تدخل السياسة في رأس المال كان أفضل للمملكة". بهذه الكلمات المختصرة وضع الملك عبدالعزيز الأسس المستقبلية لأمرين غاية في الأهمية. أولا شكل الاقتصاد السعودي الحر والمفتوح، وثانيا طبيعة علاقة الرياض مع واشنطن، القائمة على شراكة واحترام حكومي متبادل لا يقف حجر عثرة أمام الشراكات الاقتصادية الخاصة بل يشجعها بعدم المساس في حرياتها الاستثمارية مع الالتزام بتوفير الاستقرار والأمن اللازمين.
ومعلوم أيضا أن من الأسباب الرئيسة التي جعلت الملك عبدالعزيز لاحقا يوافق على منح حق التنقيب لشركة سوكال الأمريكية، هو كون أمريكا آنذاك بعيدة كل البعد عن المشاريع الاستعمارية في المنطقة، وفقا للمؤرخ سكوت مكموري.
وهذا تماما ما تباركه وتواصل السير على منواله اليوم زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للولايات المتحدة، المتوجة بكثير من الاتفاقيات والتفاهمات الأمنية والاقتصادية، المبنية دائما على التكامل والندية، لمصلحة شعوب الطرفين، وازدهار المنطقة وسلم العالم. لتتوافق رؤية المؤسس ورؤية البلاد الحالية ما يدعو إلى مزيد من الثقة بأصالة هذه العلاقة وقصة عزمها الذي لطالما تجاوز كثيرا من التحديات المشتركة بإصرار لافت، لتحوز هذه العلاقة على المديين القريب والبعيد كثيرا من الإنجازات ومزيد من الفرص.

الأكثر قراءة