إبداع في الأحساء

تقاعد جاري بعد سنوات من الخدمة بلغت الـ40، عندما بادرته بالسؤال عن موقع منزله ذكر لي أنه سيعود إلى مدينته الأم "الهفوف"، وسيجلس في نفس الموقع الذي كان يجلس فيه في شبابه مع زملاء الدراسة. أكد أن "الدكة" التي يجلس عليها الجميع لا تزال هناك، والأشخاص يذهبون لكنهم يعودون. تذكرت ذلك وأنا أسأل زميلي الذي يعمل في "أرامكو" ويحمل ماجستير الهندسة الكيميائية عن نشاطاته في إجازة نهاية الأسبوع، فقال: على العادة سأذهب لبيت أمي.
هذه الحميمية والتعلق الشديد لأبناء الأحساء بأرضهم ومجتمعهم يؤكدان الروح الجميلة التي تربط القلوب وتجمع المتباعدين لدرجة أنك تجدهم يعيشون بانتظار اليوم الذي تجمعهم فيه أزقة الحواري القديمة، وذكريات الطفولة والشباب الماثلة والمتمكنة من قلوب الجميع.
تعد الأحساء من أجمل محافظات المملكة، وأهل الأحساء من أكثر السعوديين دماثة وحسن خلق وهذا ما يجعل العودة إلى الديار مطلبا ومحفزا دائما حتى لأولئك الذين استوطنوا أراضي أخرى، وبنوا البيوت قرب مواقع عملهم، لتجدهم يعودون كل إجازة إلى تلك الأرض السحرية.
الخبر الأجمل الذي يؤكد الروح الصافية والقلوب المتجانسة هو خبر إقامة حفل زواج جماعي جمع 280 شابا وفتاة، أسهم في تنظيم الحفل آلاف المتطوعين من الأهالي الذين يمثلون تلك الروح الرائعة والجمال البديع. تنظيم الحفل كان بمنزلة التأكيد لنجاح هذا العمل على مستوى المحافظة التي جاء المشاركون فيها من سبع بلدات.
قد تكون هذه الروح الجميلة مخرجا لقرون من التفاهم والمودة التي عاشتها هذه المحافظة الجميلة، هي بالتأكيد روح نحتاج إلى أن نتعاون على نشرها في كل محافظاتنا ومناطقنا، حيث تنتشر المودة والتعاون والأثرة التي تجمع القلوب وتحقق النجاحات وتربط الجميع بالمكان، وتجعله جاذبا للآخرين، فلا يضطر أحد للذهاب إلى مكان آخر ليجد الراحة النفسية والاهتمام المجتمعي، أو تبرير مواقفه وأسلوب حياته.
إلى أن يحين ظهور هذه الروح في المناطق الأخرى، أتمنى أن تعمل المجالس البلدية على تشجيع الأنشطة الجماعية والمواقع الاجتماعية التي تضم الجميع وتعطيهم الفرصة للراحة والحوار المفيد واللقاء الذي يعالج الهموم وينشر المحبة والانتماء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي