روسيا تهدد بإجراءات انتقامية موجعة ضد الاقتصاد البريطاني

روسيا تهدد بإجراءات انتقامية موجعة ضد الاقتصاد البريطاني

هددت روسيا أمس بالعمل على إعداد إجراءات انتقامية ضد بريطانيا بعد قرارها طرد 23 دبلوماسيا روسيا التي تعد أكبر عملية طرد من نوعها منذ الحرب الباردة بسبب هجوم كيماوي على عميل روسي مزدوج في إنجلترا، ألقت فيه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي اللوم على موسكو وهو ما أيدته الولايات المتحدة.
وأفادت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية أن بريطانيا رفضت التعاون مع موسكو في التحقيق محل الواقعة، مضيفة أن المزاعم بتورط روسيا في الهجوم "جنون" وأن بلادها قلقة بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في بريطانيا، معتبرة أن العقوبات "استفزاز وقح".
وبحسب "الفرنسية"، ندد الكرملين بموقف لندن "غير المسؤول على الإطلاق" بعد إعلانها عن عقوبات ضد روسيا مرتبطة بقضية تسميم العميل الروسي السابق في إنجلترا، وأكد أن الرد الروسي سيكون "الأفضل لمصالح روسيا".
وأوضح ديمتري بيسكوف الناطق باسم الكرملين غداة إعلان تيريزا ماي سلسلة عقوبات ضد روسيا أن "موقف الجانب البريطاني يبدو لنا غير مسؤول على الإطلاق"، مشيرا إلى أن إجراءات الرد "لن تتأخر بالطبع".
من جانبه، أشار بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني إلى أن الشرطة البريطانية قد تستهدف الروس الفاسدين الذين يدينون بثرواتهم إلى صلاتهم بالرئيس فلاديمير بوتين، مضيفا في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي" بشأن الرد البريطاني على قضية سكريبال: "ما يرغب الناس في رؤيته هو بعض الأشخاص فاحشي الثراء المرتبطين مباشرة بفلاديمير بوتين الذين يمكن أن يكون السبب في ثرواتهم هو علاقاتهم ببوتين، والذين ربما تستطيع أجهزة القانون والشرطة أن تصدر أوامر ضدهم تتعلق بحيازتهم ثروات لا تفسير لها، لتقديمهم للعدالة بسبب ما ارتكبوه من فساد شديد".
ويأتي تصعيد التوتر بين البلدين قبل أيام على الانتخابات الرئاسية في روسيا الأحد المقبل التي يعتبر فيها الرئيس فلاديمير بوتين الأوفر حظا بالفوز وقبل أشهر على كأس العالم لكرة القدم في روسيا.
وبحسب شبكة تليفزيون بي بي سي العربية، فإن الحملة على علاقات الأعمال الروسية مع بريطانيا في أعقاب قضية محاولة اغتيال سيرجي سكريبال (66 عاما) الجاسوس الروسي السابق بالغاز، وابنته يوليا (33 عاما) واللذان لا يزالان في حالة "حرجة"، ستؤدي إلى أضرار معقدة للمصالح الاقتصادية البريطانية.
وقدمت رئيس الوزراء البريطانية تعهدات باتخاذ إجراءات عقابية ضد موسكو إذا لم توضح روسيا موقفها من محاولة اغتيال الجاسوس الروسي، لكن يبدو أن العقوبات التي تتحدث عنها ماي تمس مصالح بريطانية في مجالات عدة، منها كرة القدم وأعضاء في مجلس اللوردات، وأملاك لشركات بريطانية في الخارج.
وبين هذه الأملاك حصة شركة بريتيش بتروليوم "بي بي" في شركة الغاز والنفط الروسية العملاقة "روسنفت"، وتبلغ 20 في المائة من إجمالي حجم الشركة.
وبريتش بتروليوم شركة مدرجة في البورصة في لندن، وتوجد على مؤشر فوتسي، وتمتلك خمس أكثر شركة روسية قيمة، وهي شركة "روسنفت" التي تسيطر عليها الدولة.
كما أن بوب دادلي مدير بريتيش بتروليوم عضو في مجلس إدارة يرأسه إيجور سيتشين، أحد المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وخلال الأشهر الماضية نجحت الشركتان البريطانية والروسية في تأسيس إطار للتعامل بينهما رغم العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا في أعقاب ضم القرم و أزمة أوكرانيا.
ولم تنخفض أسعار الأسهم حتى الآن لتؤثر بشكل كبير في قيمة حصة "بي بي"، وتؤكد مصادر في الشركة أن مجلس الإدارة يرى أن العقوبات ستركز على شخصيات روسية أكثر من التركيز على الشركات الأجنبية، لكن الأمر الذي يبدو أكثر أهمية هو كيف سترد روسيا على أي عقوبات؟
وتساءل أحد المديرين السابقين في شركة اتصالات تعمل من خلال موزع محلي في روسيا كيف يمكن للحكومة الروسية أن تجعل حياتنا في بريطانيا صعبة، مضيفا أن السلطات الروسية فرضت على شركات الاتصالات في شبه جزيرة القرم تغيير الأرقام الخاصة بالعملاء، لتبدأ بمفتاح المهاتفات الروسية بدلا عن مفتاح المهاتفات الأوكرانية، وأن الشركات التي تمتنع عن تنفيذ هذه التعليمات ستفقد رخصتها.
وقبلت بورصة لندن للأسهم إدراج شركة "إي إن" للتعدين للتداول، وهي شركة يرأسها أوليج دريباسكا، الذي استضاف في السابق اللورد ماندلسون ووزير الخزانة السابق جورج أوزبورن على يخته الخاص.
وأكثر من ذلك فإن جريج باركر وزير الطاقة البريطاني السابق في حكومة دافيد كاميرون هو المدير غير التنفيذي لمجلس إدارة شركة "إي إن" وهو أمر لا يتناقض مع العقوبات أو القانون لكن هذه هي قمة جبل الجليد الذي ينبغي على الحكومة البريطانية أن تنقب عنه قبل فرض أي عقوبات قد تطال العملاء الروس أو الشركات الروسية الموجودة على الأراضي البريطانية.
وحصل رجال أعمال مثل عثمانوف وأبراموفيتش على حصة جيدة من مقاولات تنفيذ الأرضيات في ملعبي الإمارات التابع لأرسنال وستامفورد بريدج الخاص بتشيلسي وأتما كل العمليات بشكل قانوني.
وإذا كانت الطريقة المفترض اتباعها هي إضرار بوتين عبر الإضرار بأصدقائه فإن أبراموفيتش وعثمانوف من أصدقاء بوتين المقربين، فإلى أي حد يجب أن تذهب بريطانيا للتأكيد لبوتين بأن الأموال والشركات الروسية لم يعد مرحبا بها هنا؟
وبعد إبعاد الديبلوماسيين الروس تبقى إحدى الطرق للانتقام وهي مقاطعة الشركات الروسية التي تقوم بالاستثمار في مجال العقارات في بريطانيا خاصة العقارات الباهظة الثمن في قلب لندن.
وهناك أيضا خيارات أخرى مثل مقاطعة نهائيات كأس العالم المقبلة في روسيا، لكن كم دولة أخرى ترغب في مشاركتنا هذا القرار خاصة في أوروبا التي تعتمد على الغاز الروسي أكثر من بريطانيا؟
في الوقت نفسه، يبقى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وسياساته الحمائية في المجال الاقتصادي والتركيز على كوريا الشمالية أمور أخرى تجب مراعاتها وبذلك ربما يكون أكبر اختبار لماي في هذه الأزمة هو حجم الدعم الدولي الذي ستحصل عليه.

الأكثر قراءة