Author

صلاحيات تصفية الشركات المساهمة .. الصفحة المطوية

|

انقضاء الشركات المساهمة قضية أرقت السوق المالية منذ بدأت في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، فقد تم إنشاء بعض الشركات المساهمة "وكان عددها محدودا"، ولم تستطع إثبات قدرتها على تحقيق أغراضها الرئيسة، ومع ذلك فلم يكن هناك وسيلة فعالة في النظام ذلك الحين تجبر هذه الشركات على التصفية؛ ولذا بقيت في التداول، رغم أنها عاجزة كليا عن تحقيق غرضها بسبب حجم الخسائر وعدم قدرة الجمعية العمومية على معالجة الأوضاع سواء بزيادة رأس المال أو تخفيضه أو حل الشركة، لكن مع ظهور هيئة السوق المالية على الساحة الاقتصادية في أوائل القرن الحالي ومنحها سلطات قوية على الشركات المساهمة المدرجة أوجد حقائق جديدة في أفق تنفيذ أحكام انقضاء الشركات المساهمة، لكن هذا التحول الرئيس لم يكن سهلا، إذ إن ظهور رغبة هيئة السوق المالية في ضبط التداول والأوراق المالية المدرجة وحالة المصدرين، أوجد تضاربا واسعا في الصلاحيات، ولم يكن بمقدرة نظام الشركات القديم حينها حل هذا التعارض.
كان تعارض الصلاحيات واضحا بين ما منحه نظام هيئة السوق المالية من قدرات للهيئة وصلت حد منع تداول أي سهم في السوق، وبين صلاحيات وزارة التجارة في إنشاء الشركات المساهمة ومعالجة أوضاعها وبين حقوق الجمعية العمومية ومجلس إدارة الشركات وأيضا حقوق المساهمين، لعل من أبرز الأمثلة في ذلك ما حدث للشركة المتكاملة، وما دار حول تصفيتها من لغط، وأيضا ما حل بشركة بيشة الزراعية وغيرها ومنعها من التداول في سوق المال، رغم أن حق تداول الأسهم ثابت للمساهمين بقوة نظام الشركات نفسه، لكن عدم رغبة الجمعية العمومية في تصفية الشركة وقوة هيئة السوق المالية في منع التداول فقد كان التعارض في الصلاحيات واضحا، وبقي المساهم قليل الحلية غير قادر على التخارج من هذه الشركات بأي طريقة ممكنة نظاما.
في عام 2015 صدر نظام الشركات السعودي الجديد، وفي الوقت نفسه أصدرت هيئة السوق المالية لائحة الحوكمة، ومرة أخرى ظهر تعارض الصلاحيات، كما أن قدرة هيئة السوق المالية تنفيذ تصفية الشركات غير واضحة، رغم أن المواد 149ــ150 من نظام الشركات 2015 وضحت موضوع انقضاء الشركة المساهمة، وجعلت من قوة النظام آلية لتصفية الشركة، والمادة 150 على الخصوص منحت قوة النظام حق حل الشركة إذا بلغت الخسائر نصف رأس المال، ولم تجتمع الجمعية العمومية للنظر في زيادة رأس المال أو تخفيضه. لكن بقي السؤال عن قوة النظام هذه لمن؟
هذه الصورة البانورامية توضح بجلاء مشكلة تعارض الصلاحيات لتنفيذ قوة النظام في انقضاء الشركات المساهمة بسبب الخسائر، وعندما يصبح من الواضح جدا أنها فقدت الغرض من إنشائها ولم يعد بإمكانها تحقيقه مع عدم قدرة الجمعية العمومية على معالجة الوضع. في هذا الوضع الشائك حاليا نشرت "الاقتصادية" خبرا يمثل خطوة في المسار الصحيح بعد كل التجارب المؤلمة التي مرت على السوق، حيث تم تشكيل فريق مشترك بين وزارة "التجارة والاستثمار" و"هيئة السوق المالية"، للإشراف على إجراءات تصفية الشركات حال انقضائها، ووفقا للخبر، فإن حل تعارض الصلاحيات سيأتي من خلال إشراف وزارة التجارة على الشركات المساهمة غير المدرجة في السوق المالية، بينما السوق المالية ستتولى الشركات المساهمة المدرجة، وذلك لحين تعديل نظام الشركات 2015. وسيترتب على انقضاء الشركة المساهمة المدرجة إلغاء إدراجها، حيث تقوم الهيئة مباشرة بإلغاء إدراج أسهم الشركة في السوق المالية السعودية.
من المناسب جدا أن هذا التوجه يأتي مع إعلان المملكة لنظام الإفلاس، الذي سيمنح الشركات عند التصفية كثيرا من المرونة لمواجهة المقرضين، حيث تحتفظ بالشخصية الاعتبارية بالقدر اللازم للتصفية. وبهذا كله فإن صفحة مؤلمة من صفحات السوق المالية السعودية تم طيها، والمسار الحالي يعد تطورا قانونيا يصب في مصلحة السوق والمتداولين، وأيضا سوف يقدم كثيرا من الثقة في السوق المالية والهيئة، وهذا سيسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية للسوق.

إنشرها