السعودية وبريطانيا .. «مصداقية» أطلقها المؤسس ويتعهدها الحفيد
يواصل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جولته الخارجية ضيفا رسميا على المملكة المتحدة. مدشنا "فصلا جديدا" من العلاقات السعودية البريطانية بحسب وصف مكتب رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي. مؤكدا المكتب في بيانه أن الرياض "أقدم الأصدقاء". وهي الحقيقة التي تؤكدها العودة لجذور العلاقة بين البلدين منذ عهد المؤسس إذ لطالما اتسمت بالندية الثنائية على مستوى العلاقات البينية، والثقة المتبادلة والمصداقية العالية إزاء تعزيز أمن المنطقة.
فبعد نجاح الملك عبدالعزيز في استرداد الرياض سنة 1319هـ-1902 وانطلاق توحيد المملكة العربية السعودية، أدركت بريطانيا حقيقة الواقع الجديد في المنطقة ومن هنا بدأ الاهتمام الفعلي بالدولة السعودية من قبل بريطانيا العظمى صاحبة المصالح الكبرى في المنطقة إذ كانت تسيطر على الخليج العربي ولها نفوذها في عدن وعدد من المناطق المحيطة. فضلا عن حرصها على ضمان مصالحها الاقتصادية المرتبطة بالهند والتجارة معها. لذلك بدأت الدولة العظمى في الاتصال وإرسال المبعوثين للدولة الناشئة.
ومن أبرز تلك الاتصالات ما حدث على مستوى سياسي ومنها ما توثق شخصيا أيضا بفعل كاريزما الملك عبدالعزيز القيادية خصوصا ما تم بين الملك عبد العزيز والكابتن ويليام شكسبير، الممثل السياسي في الكويت التي استمرت بين عامي 1910-1914م/ 1328-1332هـ. وكان أول لقاء بين الملك عبدالعزيز والكابتن شكسبير بحسب ما ينقله الباحث الدكتور فهد السماري في الكويت حيث كان الملك في زيارة للكويت سنة 1919م-1337هـ، واتسم ذلك اللقاء بالصفة غير الرسمية، وكان بمثابة التعرف وسبر أغوار شخصية الملك عبدالعزيز من الجانب البريطاني. قال شكسبير معلقا على ذلك اللقاء الأول: «ابن سعود رجل وسيم ورائع، وهو أطول كثيرا من متوسط طول الرجال العرب.. وله وجه صادق جدا ولا يخفي سرا.. ويشتهر عنه أنه نبيل وسخي، ورجل لا ينحدر إلى مستوى الأعمال الدنيئة». ومن نتائج تلك المقابلة، قيام شكسبير بالتقاط عدد من الصور الفوتوغرافية للملك عبدالعزيز وبعض إخوانه وأبنائه، وأصبحت من أوائل الصور النادرة التي توثق تاريخ الملك عبدالعزيز في تلك الفترة المبكرة.
وبعد عام تقريبا التقى شكسبير مرة أخرى الملك عبدالعزيز في معسكره في ثاج وأجريا مباحثات ومفاوضات حميمة. وارتاح شكسبير لهذا اللقاء وعقد صداقة شخصية مع الملك عبدالعزيز. واستطاع شكسبير التعرف على مواقف الملك عبدالعزيز وطموحاته وأهدافه وآرائه في السياسة الدولية والعلاقات مع الدول الأخرى بما فيها بريطانيا. ولكن شكسبير، المعجب بشخصية الملك عبدالعزيز وأسلوب تعامله وسياسته الواضحة، حذر الملك عبدالعزيز من احتمال عدم قدرته كمعتمد إنجليزي من التأثير على الحكومة البريطانية التي ترى عدم مناسبة الدخول في شؤون وسط الجزيرة العربية، والحصول منها على جواب لأسئلته المهمة. ورد عليه الملك عبدالعزيز قائلا: «أيا كان الجواب الذي سيقدم المهم أن يكون جوابا صادقا، وأنه يفضل أن يحصل على الحقيقة من الإنجليز بدلا من المراوغة التي علمته التجربة أن يتوقعها من الأتراك».
يبقى أن علاقة الملك عبدالعزيز بمبعوث الإنجليز آنذاك ويليام شكسبير وإعجاب شكسبير الشخصي والمنقطع النظير بالمؤسس لها رمزيتها العميقة تاريخيا على مستوى تنامي العلاقات بين البلدين وتطورها. وفي المقابل فإن ما تتناقله الصحف الإنجليزية اليوم بإعجاب وتقدير عن زيارة "أهم وأقوى رجل في المنطقة" في إشارة منها إلى ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان تؤكد أن العلاقات السعودية البريطانية بإمكانها أن تعيش على الدوام فصلا متجددا من الصدق المتبادل.