«إلى باريس» .. بطولة أمريكية مستحقة أم تزوير للتاريخ؟

«إلى باريس» .. بطولة أمريكية مستحقة أم تزوير للتاريخ؟
«إلى باريس» .. بطولة أمريكية مستحقة أم تزوير للتاريخ؟

بعد النجاح الملموس الذي حققه فيلمه «سولي»، المقتبس من قصة ‏واقعية، حول الربان «تشيسلي سولينبرجر» ‏الذي أنقذ كل ركاب طائرته سنة 1951 رغم تعرضها لعطل، عاد المخرج كلينت إيستوود المولع بإخراج القصص الحقيقية، وتناول الجانب الإنساني منها على ‏الخصوص، إلى تقديم فيلم «15:17 إلى باريس» الذي يسرد تفاصيل واقعة الهجوم الإرهابي الذي كان سيقضي على ركاب قطار أمستردام، لولا تدخل ثلاثة جنود أمريكيين كانوا على متنه.
وتدور قصة ‏«15:17 إلى باريس»‏ المقتبس عن أحداث حقيقية في إطار من الدراما والإثارة حول ثلاثة من الجنود الأمريكيين يحبطون مؤامرة ‏إرهابية على قطار متجه إلى باريس‎.‎ وتعود أحداث الفيلم إلى عام 2015، حيث انطلق الجنود الثلاثة سبنسر ستون وأنتونى سادلر وأليك سكارلاتوس، من مدينة سكرامنتو ‏بولاية كاليفورنيا، لقضاء عطلة في أوروبا وفى طريقهم من أمستردام إلى باريس على متن القطار، فتح مسلح يشتبه بأنه متشدد ‏النار على الركاب، لكنهم تغلبوا على هذا الرجل المسلح، بشجاعة منقطعة النظير.

أمريكيون في فرنسا

تبدأ المشاهد الأولى للفيلم مع عملية تدريب قاسية لمجندين جدد في الجيش الأمريكي، ويبرع المخرج في تسليط الضوء على تصرفاتهم وقصور في استيعابهم العلم العسكري، ‏كذلك في حسه الفني بالعثور على مخارج لمشاكل طارئة تعترضهم خلال أداء مهماتهم القتالية. كما يلاحظ المشاهد الحياة البسيطة لأولئك المجندين الذي يظهرون أنهم ليسوا منضبطين كما هو مطلوب ضمن ما ينص عليه الانضباط العسكري، فنراهم ينفذون عقوبات بحقهم لكثرة مخالفاتهم التي تنم عن ‏طيش وجهل، مع ذلك يستغلون أول إجازة لهم للسفر إلى عدد من العواصم الأوروبية تبدأ بروما ثم برلين، أمستردام، فـباريس، وتكون المشكلة الوحيدة التي واجهتهم على متن القطار الذي أقلهم بين آخر عاصمتين حين وقف شاب له ملامح ‏شرقية يدعى أيوب يؤدي دوره الممثل راي كوراساني، غير المعروف الجنسية، لقم رشاشه استعدادا لإطلاق النار عشوائيا على الركاب، ‏فاندفع باتجاهه أحد المجندين وكان محظوظا لأن الرشاش قد تعطل، لسوء حظ الإرهابي ولحسن حظ الركاب، فأخذه المجند المهاجم في طريقه وأسقطه أرضا‎.، قبل أن يتدخل الآخران فورا وينجحوا معا في تثبيت حركة الإرهابي، بعدما أصاب أحدهم بجروح بليغة في عنقه، وتعاون معهم الركاب، الذين تعرض ‏أحدهم للإصابة بسلاح أبيض، وتمت مداواته ووقف النزيف ريثما يصل القطار إلى باريس وتتم مداواة الجرحى واعتقال المسلح. ومن ثم ينتهي الفيلم بتقليد الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند المجندين الثلاثة مع راكب رابع وسام الشرف لما بذلوه في سبيل إنقاذ حياة الركاب الذين كانوا مسافرين على متن القطار.‏ ‏

مهارات إخراجية

ومن شدة ولع إيستوود بسينما الواقع، وإيمانه بأهمية دور السينما في كونها مرآة تعكس الواقع، لم يكتف بتحويل تلك القصة على فيلم سينمائي، فحسب، بل عمد إلى الاتصال بالجنود الثلاثة والاتفاق معهم على لعب أدوارهم الحقيقية في الفيلم لإكسابه المزيد من الواقعية، رغم عدم امتلاكهم مواهب تمثيلية، وبالتالي شكل مغامرة وسابقة غير معهودة في عالم الفن السابع، مستعيضا عن مهارات وأداء الممثلين بمهاراته وقدراته الإخراجية الرائعة التي أثبتها طوال الأعوام العشرين الأخيرة من عمره الذي يناهز الـ 88، كرس معظمها في الوقوف خلف ‏الكاميرا.
وكان إيستوود الحاصل على جائزة الأوسكار التقى بالأمريكيين الثلاثة خلال حفل لتوزيع ‏الجوائز وقرر تناول قصتهم في فيلم لكنه وبدلا من أن يستعين بممثلين لأداء الأدوار اتصل ‏بأبطال القصة الحقيقية للمشاركة في الفيلم‎.‎ وقال سادلر في تصريح صحافي:«اتصل إيستوود بنا قبل ثلاثة أسابيع من التصوير. وقال: ‏‏«حسنا هل تودون فعل هذا بأنفسكم؟ فقلنا: ماذا؟ سيطرح الفيلم خلال ‏ثلاثة أسابيع ولم نخضع لدورات في التمثيل». وأضاف استوود: «لا تقلقوا، ‏نحن ذاهبون فقط للقيام بذلك. لذا تعامل مع الأمر ببساطة وقال: كونوا ‏أنفسكم ونحن سنصور».‏

مشاهد متوقعة

بالواقع، قدم المخرج فيلمه الذي كان من إعداد وتأليف كل من أنتوني سادلر وأليك سكارلاتوس، ببساطة مبالغ فيها، حيث لم يكن للمؤثرات السينمائية أو عامل التشويق والإثارة أثر يذكر، بل جميع المشاهد متوقعة، خاصة أن القصة معروفة لدى الكثيرين حيث لم يمض على حدوثها أكثر من ثلاث سنوات، وظهر الفيلم وكأنه نتاج تلفزيون الواقع مع اختلاف إبداع المخرج في بعض اللقطات. ولعل أكثر ما يشد الانتباه فيه الحوار الذي دار بين دليلا سياحيا كان يدل الجنود على المكان الذي انتحر فيه ‏‏هتلر قبل احتلال برلين من قبل الجيش الروسي، فقال له أحد المجندين «نحن نعرف أن الأمريكيين قتلوه»، فرد الدليل «أنتم ‏الأمريكيون تزورون التاريخ على الدوام وتنسبون لأنفسكم كل الإنجازات الكبيرة‎». هذه المشهدية تطرح بعض علامات الاستفهام، فلماذا تم وضعها في الفيلم، ولمن أراد إيستوود توجيه الرسالة من خلالها؟
ويهدف إيستوود من فيلمه الجديد توجيه تحية عسكرية لأبطال شجعان من باب السينما بحيث يسمع العالم صدى بطولات أولئك، المجندين الأغرار في الجيش الأمريكي، الذين سبق لهم أن نشروا، بمساعدة أحد الصحافيين الأمريكيين، ‏كتابا يلخص تفاصيل ما واجهوه ‏من مخاطر بعد قرارهم التصدي للمسلح الذي يحمل كلاشينكوف و500 طلقة بمعدل واحدة لكل راكب‎.‎ ‏

محاكمة على الملأ‎

ما أن ‏بدأت دور العرض العالمية بعرضه، حتى بدأ الفيلم يثير الكثير من الجدل حول واقعة قطار «باريس»، ولا سيما من قبل المحامية سارة موغير بولياك، وكيلة الدفاع عن المتهم في الواقعة «أيوب الخزاني»، التي رأت في عرض الفيلم قبل إعادة تمثيل الأحداث من طرف العدالة الفرنسية، ‏إضرارا بمصالح موكلها، خاصة أن التحقيق لا يزال جاريا ولم يصدر القضاء ‏حكما نهائيا بحقه‎.‎ وقالت في تصريحات صحافية متلفزة: «طلبت من قاضي التحقيق إعادة تمثيل الجريمة، وأجابني ‏بأن الأمر لم يعد مهما بوجود الفيلم». وألقت اللوم على أبطال الفيلم لأنهم يدلون بشهاداتهم من خلال أداء ‏أدوارهم الحقيقية في الفيلم، قبل أن يدلوا بها أمام القضاء الفرنسي‎.‎ كما أعربت عن نيتها في مقاضاة الشركة المنتجة «وارلانر بروس»، والمطالبة بتأجيل عرض ‏الفيلم حتى انتهاء التحقيق‎، وختمت قائلة: «نحن في بلد القانون، ولا يليق أن ندع الضحايا يقيمون محاكمة على الملأ».‎
تجدر الإشارة إلى التنويه الذي حاز عليه الجنود الثلاثة، حيث وصفهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بأنهم أبطال ومنحتهم ‏فرنسا أعلى أوسمتها تقديرا لشجاعتهم وتمكنهم من المسلح على متن ذلك القطار، ‏وقد حقق الفيلم‎ إيرادات خيالية خلال الأسبوع الثاني من عرضه في دور ‏السينما العالمية، حيث وصلت إيراداته إلى 38 مليون دولار أمريكي‎.‎‏

الأكثر قراءة