«حزام الصدأ» يهدد النمو الاقتصادي في الصين

«حزام الصدأ» يهدد النمو الاقتصادي في الصين

تخلت إيكو تشانج منذ فترة طويلة عن العودة إلى مسقط رأسها شمال شرقي الصين بحيث تكون أقرب إلى والديها المتقدمين في السن. ببساطة لا توجد هناك أي وظائف.
قالت المهندسة البالغة من العمر 39 عاما: "في بكين أرى تكنولوجيات جديدة تغير المدينة باستمرار، لكن عندما أعود إلى جيلين، يبدو الأمر وكأنه عودة إلى الماضي – إنها تتطور ببطء شديد".
في الماضي كانت جيلين، ولياونينج، وهيلونججيانج، المقاطعات الثلاث شمال شرقي البلاد، مفخرة الاقتصاد الصناعي الصيني المخطط مركزيا، لكنها الآن مثل "حزام الصدأ" بعدما أصبحت من بين الأكثر تضررا من تراجع الصناعات الثقيلة التقليدية، مثل الفحم والفولاذ، ومن التراجع طويل الأجل في الشركات المملوكة للدولة. وانخفضت مساهمة الشمال الشرقي في الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف تقريبا لتصل إلى 7 في المائة عام 2016 هبوطا من 13 في المائة عام 1980.
ومع تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين يحذر اقتصاديون من أن القروض السيئة وشركات الزومبي (الحية الميتة) تتركز في مناطق تعاني المتاعب، مثل الشمال الشرقي. وقد شهدت إحدى المقاطعات الثلاث، لياونينج، العام الماضي أول ركود رسمي في الصين منذ عام 2009، بعدما سجلت انكماشا بلغ 2.5 في المائة.
تقول كاترين راند، المسؤولة السياسية السابقة في السفارة البريطانية في بكين: "التراجع في الشمال الشرقي يشكل خطرا كبيرا على هدف الحزب الشيوعي المتمثل في تحقيق مجتمع مزدهر بشكل متواضع". وتضيف: "هذا الأمر يثير قلقا خاصا بالنظر إلى الأهمية الجيوسياسية للشمال الشرقي، الذي تقع على الحدود مع كوريا الشمالية وروسيا، حيث يعتبر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ضروريا للحفاظ على الوضع الراهن".
وتسعى بكين إلى إنعاش المنطقة بدعم المؤسسات الزراعية وشركات الصلب والنفط المملوكة للدولة التي تهيمن على الاقتصاد هناك، إلا أن هذه الاستراتيجية تعرضت للانتقاد من عدد من أبرز الاقتصاديين في البلاد.
في العام الماضي كتب جوستين ييفو لين، وهو كبير اقتصاديين سابق في البنك الدولي: "الاستراتيجية التي توسع إنتاج المؤسسات غير القابلة للاستمرار هي استراتيجية تتعارض مع الميزة النسبية".
واقترح تحويل دعم الدولة للقطاعات التي تتمتع فيها المنطقة بمزايا إيجابية على بقية البلاد، مثل الصناعات الخفيفة ذات العمالة الكثيفة التي تستفيد من الأجور المنخفضة نسبيا في المنطقة والسياحة.
رد هو شولي، مؤسس مجلة الأعمال "كايكسين"، على ذلك بأن المنطقة يجب أن "تتخلص من عقلية الحكومة الكبيرة"، وتسمح للأعمال الخاصة بالازدهار.
يقول أندرو باتسون، مدير الأبحاث الصينية في شركة جافيكال دراجونوميكس الاستشارية، إن المعركة حول مستقبل الشمال الشرقي "هي نقاش بديل للخيارات التي تواجه الصين، بين الإصلاحات الموجهة نحو السوق أو السياسة الصناعية التي تقودها الدولة". التعهدات الحكومية بالسماح بازدهار السوق الخاصة تتعارض مع الدعم الحكومي المستمر للمؤسسات الحكومية، والسكان المحليون يزدادون شكوى بشأن فشل المسؤولين المحليين في إقرار سياسات موجهة نحو السوق.
وبينما اختار ثلاثة أرباع الخريجين الصينيين العمل في مناطقهم في العام الماضي، وفقا لما ذكرته شركة ميكوس الاستشارية التي تتخذ من بكين مقرا لها، فإن الرقم أقل من النصف في الشمال الشرقي. ويقدر أن نحو 1.8 مليون شخص تركوا الشمال الشرقي في العقد الماضي.
يقول هاو شيسونج، وهو مطور عقارات: "ليس لدي أمل في "إنعاش" منطقة الشمال الشرقي". فحين عاد إلى مدينة جيلين من أجل اجتماع يلم شمل زملاء الدراسة السابقين، اتفق الجميع على أن بطء منطقة الشمال الشرقي يعود إلى مسؤوليها "اليساريين" فوق الحد – البيروقراطيين الجامدين المتمسكين بالمثل القديمة للاقتصاد المركزي.
كما أن البيروقراطية تعاني الفساد، وفقا لما ذكرته موظفة سابقة في لياونينج تعمل الآن في شركة متعددة الجنسيات في شانغهاي. وهي تقول إنها غادرت لأنها لم تتمكن من العثور على وظيفة مناسبة في الخدمة المدنية.
وتضيف: "أعتقد أن المشكلة ليست صعوبة الحصول على ترقية، المشكلة هي عدم وجود شفافية. ليست لدي علاقات اجتماعية لتأمين وظيفة في المصارف المملوكة للدولة أو حتى المصارف التجارية المحلية. الشركات الخاصة في لياونينج تعطي أجورا أقل".
ويعاني الشمال الشرقي أيضا لأجل اجتذاب المستثمرين. وكانت المنطقة الوحيدة في الصين التي انخفض فيها الاستثمار الخاص للأصول الثابتة عام 2016-2017.
وقال ما جيانتانج، من الأكاديمية الصينية للحوكمة، في مؤتمر حكومي عقد أخيرا، إن كثيرا من أصحاب المشاريع يعتقدون أن "الاستثمار ينبغي ألا يعبر ممر شان هاي"، وهو جزء من سور الصين العظيم الذي يفصل الشمال الشرقي عن بقية البلاد.
من جانبه، اعترف تشانج لي هوا، مدير شركة التكنولوجيا "تشانغ تشون بولي"، بأن الشمال الشرقي في وضع غير مؤات من الناحية التنافسية: "هناك أساس جيد للنمو، إذا تمكنا من إجراء إصلاحات. لكن المقاطعات الجنوبية تتنافس بقوة على المواهب والشركات، والشمال الشرقي هو بطريقة ما في الخلف".
أما لو شياومنج، الأستاذة المساعدة في معهد شانغهاي المتقدم للتمويل في جامعة جياو تونج، التي نشأت في مدينة هاربين في شمال شرقي البلاد، فهي على ثقة بأن الاستثمار الخاص سيزدهر ببطء، لكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا تم الحد من قوة الشركات المملوكة للدولة.
تقول: "مشكلة نفوذ الشركات المملوكة للدولة هي قضية على مستوى البلاد. كل ما في الأمر أن هذه الشركات تهيمن على اقتصاد منطقة الشمال الشرقي. وأملي أن يتمكن القطاع الخاص من الازدهار".

الأكثر قراءة