"أفضل نصيحة مالية لمعظم الناس يمكن وضعها في مساحة بطاقة مؤشر". هذا هو جوهر تعليق غير مباشر في عام 2013 من قِبل هارولد بولاك، الأستاذ في جامعة شيكاغو. وعلى الفور طولب بولاك بإثبات صحة قوله، وسرعان ما هرع للعثور على بطاقة مؤشر وكتابة بعض النقاط المهمة - مع نتائج مثيرة للاحترام.
عندما سمعت عن فكرة بولاك - التي شرحها بالتفصيل في كتاب في عام 2016 - سألت نفسي: هل سينجح هذا بالنسبة لعلم الإحصاء، أيضاً؟
هناك بعض أوجه التشابه الواضحة. في كل حالة، المنطق العادي مفيد إلى حد بعيد على نحو يثير الاستغراب؛ في كل حالة، الأرقام المذهلة والمصطلحات المبهمة تظهر؛ في كل حالة، هناك تفاصيل تقنية عنيدة ذات أهمية؛ وفي كل حالة، هناك أشخاص لديهم حافز حاد لتضليلنا.
حجة القدرة الرقمية العملية اليومية لم تكُن أكثر إلحاحاً. الادعاءات الإحصائية تملأ الصحف ومنشورات وسائل الإعلام الاجتماعية، وهي غير مصنّفة بحسب حُكم الخبراء، وغالباً ما تكون مصممة كسلاح سياسي، ونحن قد لا نتثق بالضرورة بالخبراء - أو بشكل أدق، قد تكون لدينا وجهة نظر مميزة عمن يُعتبر خبيرا ومن ليس كذلك.
كذلك نحن لسنا مستهلكين سلبيين للدعاية الإحصائية؛ فنحن الوسط الذي تنتشر الدعاية من خلاله. نحن وسطاء لما سيراه الآخرون؛ ما نعيد نشره كتغريدة، أو إعجاب به أو مشاركة على الإنترنت، يُحدد ما إذا كان الادعاء سينتشر بسرعة أو يتلاشى.
إذا صدقنا الأكاذيب، نُصبح متواطئين بدون قصد في خداع الآخرين. على الجانب المُشرق، لدينا أدوات أكثر من أي وقت مضى للمساعدة في موازنة ما نراه قبل مشاركته - إذا كنا قادرين وراغبين باستخدامها.
على أمل أن أحدا ما قد يستخدمها، بدأت بكتابة دليل للمواطنين بحجم بطاقة بريدية للإحصاءات. وإليكم ما تعلمته.
بطاقة مؤشر بولاك
تشمل البطاقة نصيحة مثل "وفّر 20 في المائة من أموالك" و"ادفع حساب بطاقتك الائتمانية بالكامل كل شهر". المؤلف مايكل بولان يُقدم نصيحة غذائية بشكل أكثر قوة بكثير: "تناول الطعام، ولكن بكمية صغيرة. ركّز على النباتات في الغالب". هذا كلام جميل، إلا أنني ما زلت أرغب في التهام شطيرة همبرجر بالجبن.
مهما كانت النصيحة التي يُقدمها بولاك وبولان جيدة، ليس من السهل دائماً العمل بها. المشكلة ليست بالضرورة الجهل، فهناك عدد قليل من الناس يعتقدون أن كوكا كولا مشروب صحي، أو يعتقدون أن بطاقات الائتمان تسمح لك بالاقتراض بشكل رخيص.
إلا أن كثيرا منا يقع ضحية شكل أو آخر من أشكال الإغراء. هذا جزئياً، لأن المسوّقين البارعين يُركّزون على بيعنا شراب الذرة عالي الفركتوز والائتمان السهل. وهذا جزئياً، أيضاً، لأننا بشر نعاني نقاط ضعف طبيعية.
مع أخذ هذا في الاعتبار، تبدأ بطاقتي الإحصائية بنصيحة عن المشاعر وليس المنطق. عندما تواجه ادعاء إحصائيا جديدا، اضبط مشاعرك. نعم، هذا يبدو كأنه جملة من فيلم حرب النجوم، لكن نادراً ما نُصدق أي شيء، لأننا مضطرون للقيام بذلك من خلال الاستنتاج المنطقي الخالص أو الأدلة الدامغة.
لدينا مشاعر حول كثير من الادعاءات التي قد نقرؤها - أي شيء من "التفاوت في تزايد" إلى "الشكولاتة تمنع الخرف". إذا لم نلاحظ وننتبه إلى تلك المشاعر، نكون في بداية متزعزعة.
أي نوع من المشاعر؟ الدفاعية. نشوة الانتصار. الغضب المُبرر. الحماس الديني. وعندما يتعلق الأمر بالشكولاتة والخرف، هناك الراحة. من الجيد وجود رد فعل عاطفي على رسم بياني أو إحصائية صادمة – على أنه لا ينبغي أن نتجاهل تلك المشاعر، أو نسمح لها بتضليلنا.
هناك ادعاءات معينة، بحيث نُسرع لإخبار العالم، وأخرى نستخدمها لحشد الناس الذين يفكرون بالطريقة نفسها، ولا تزال هناك أخرى نرفض تصديقها.
تصديقنا أو عدم تصديقنا لهذه الادعاءات جزء ممن نشعر أننا نحن. يقول دان كاهان، أستاذ القانون وعلم النفس في جامعة ييل: "نحن جميعاً نُعالج المعلومات التي تتسق مع قبيلتنا".
في عام 2005، أجرى كل من تشارلز تابر وميلتون لودجر، خبيرا العلوم السياسية في جامعة ستوني بروك، نيويورك، تجارب تمت فيها دعوة المشاركين لدراسة الحجج حول بعض القضايا السياسية الساخنة.
أظهر المشاركون تحيز تأكيد واضحا: لقد بحثوا عن شهادات من منظمات مماثلة لأساليبهم في التفكير. على سبيل المثال، المشاركون الذين عارضوا السيطرة على الأسلحة، يغلب عليهم البدء بقراءة وجهات نظر جمعية الأسلحة الوطنية.
كما أظهر المشاركون أيضاً تحيز عدم تأكيد؛ عندما قدّم لهم الباحثان حججاً معينة وطلبا منهم التعليق. المشاركون كانوا أو كادوا أن يقبلوا بسرعة الحجج التي يتفقون معها، إلا أنهم كانوا يبذلون جهداً كبيراً للاستخفاف بالحجج المعارِضة.
الخبرة ليست دفاعاً ضد رد الفعل العاطفي هذا. في الواقع، لقد توصل تابر ولودج إلى أن المشاركين في التجربة الأكثر اطلاعا، أظهروا تحيزاً أقوى. كلما عرفوا أكثر، زادت الأسلحة المعرفية التي يُمكنهم توجيهها إلى خصومهم.
يقول بنجامين فرانكلين: "من السهل أن تكون مخلوقا منطقيا، لأن هذا يُمكّن المرء من التوصل إلى سبب لكل شيء يُريد القيام به".
لهذا السبب من المهم مواجهة مشاعرنا حتى قبل البدء بمعالجة الادعاءات الإحصائية.
إذا لم نعترف على الأقل بأننا قد نجلب بعض النظريات العاطفية معنا، ستتضائل فرصنا لتمييز ما هو صحيح.
وكما قال الفيزيائي ريتشارد فاينمان ذات مرة: "يجب ألا تخدع نفسك - وأنت أسهل شخص يُمكن لشخصك خداعه".
النصيحة الحاسمة الثانية: فهم الادعاء
هذا يبدو واضحاً. في كثير من الأحيان نقفز لعدم تصديق أو تصديق (تكرار) ادعاء بدون التوقف لنتساءل ما إذا كنا فعلاً نفهم ما هذا الادعاء، بالضبط.
لاقتباس الحاسوب الفلسفي، ديب ثوت، لدوجلاس آدمز، "بمجرد أن تعرف ما السؤال فعلاً؟ ستعرف ما تعنيه الإجابة".
على سبيل المثال، لنأخذ الادعاء المقبول على نطاق واسع من أن "التفاوت في ازدياد". هذا يبدو غير مُثير للجدل، ومُلح كذلك. ماذا يعني عدم المساواة العنصرية؟ عدم المساواة بين الجنسين، عدم المساواة في الفرص أو الاستهلاك أو التحصيل العلمي، أو الثروة، داخل البلدان أو في جميع أنحاء العالم.
حتى عند تقديم ادعاء أضيق: "التفاوت في الدخل قبل الضرائب في ازدياد "، ينبغي أن تسأل نفسك، منذ متى؟
هناك عدة طرق مختلفة لقياس مثل هذا الزعم. إحدى الطُرق هي مقارنة دخل الناس بنسبة 90 ونسبة 10، لكن هذا لا يُخبرنا أي شيء عن فاحشي الثراء، ولا عن أناس عاديين في الوسط.
البديل هو دراسة حصة الدخل من نسبة 1 في المائة الأعلى – إلا أن هذه الطريقة تعاني نقاط ضعف معاكسة، حيث لا تُخبرنا عما يتعلق بحراك الأكثر فقراً بالنسبة إلى الأغلبية.
ليست هناك إجابة واحدة صحيحة - كما لا ينبغي أن نفترض أن كل المقاييس تروي قصة مماثلة. في الواقع، هناك كثير من التصريحات الحقيقية التي يُمكن أن نُطلقها عن عدم المساواة. قد يكون من المفيد معرفة أي واحدة أُطلقت قبل إعادة إرسالها كتغريدة.
ربما لا يكون من المستغرب أن مفهوما مثل عدم المساواة قد تبيّن أنه يملك أعماقا خفية. إلا أن الشيء نفسه ينطبق على مشاركين أكثر واقعية، مثل "ممرضة".
هل القابلات ممرضات؟ أم زائرات صحيات؟ هل ينبغي احتساب ممرضتين تعملان نصف الوقت كممرضة واحدة؟ هناك ادعاءات أطلقت مثل هذه التفاصيل بشأن موظفين في خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة.
كل هذا يُمكن أن يبدو كأنه حذلقة - أو أسوأ من ذلك، محاولة ساخرة لتشويش المسألة والإيحاء بأن في الإمكان إثبات أي شيء بالإحصاءات.
بيد أن هناك هدفا صغيراً في محاولة تقييم ما إذا كان الادعاء صحيحاً، إذا لم يكُن المرء واضحاً حول حتى ما يعنيه الادعاء.
لنتخيل دراسة تُظهر أن الأطفال الذين يلعبون ألعاب الفيديو العنيفة هم أكثر احتمالاً ليكونوا عنيفين في الواقع.
ريبيكا جولدين، عالِمة الرياضيات ومديرة مشروع المعرفة الإحصائية ستاتس، تُشير إلى أنه ينبغي علينا طرح أسئلة عن مفاهيم مثل "اللعب"، "ألعاب الفيديو العنيفة" و"العنف في الواقع".
هل لعبة غزاة الفضاء تعد عنيفة؟ هي تنطوي على إطلاق النار على أشياء، في النهاية. هل نقيس الإجابة عن استبيان بعد اللعب لمدة 20 دقيقة في المختبر؟ أم الميول القاتلة فيمن يلعبون 30 ساعة أسبوعياً؟
تقول جولدين: "كثير من الدراسات لن تقيس العنف، إذ إنها ترى فيه شيئا آخر مثل السلوك العدواني". تماماً مثل "عدم المساواة" أو "الممرضة"، هذه تبدو كلمات منطقية تُخفي مجالاً واسعاً للتذبذب.
هناك عقبتان محددتان أمام فهمنا تستحقان الاستكشاف بتفصيل أكثر قليلاً. الأولى هي مسألة السببية. "الأطفال الأطول لديهم سن قراءة أعلى"، كما يقول العنوان الرئيس.
هذا قد يُلخّص نتائج دراسة حذرة حول التغذية والمعرفة.
أو قد يكون ببساطة علامة على النقطة الواضحة من أن الأطفال البالغين من العمر ثمانية أعوام يقرؤون بشكل أفضل من الأطفال البالغين من العمر أربعة أعوام - وأنهم أطول. السببية عمل صعب فلسفياً وتقنياً، لكن بالنسبة لمستهلك عابر، فإن المسألة ليست معقدة للغاية: ما علينا سوى التساؤل ما إذا كان هناك ادعاء سببي؟ وما إذا كان بالإمكان تبريره؟
بالعودة إلى هذه الدراسة عن العنف وألعاب الفيديو، ينبغي أن نسأل: هل هذه علاقة سببية، تم اختبارها في ظروف تجريبية، أم هذا أن هذا ارتباط واسع؟ ربما لأن نوع الأشياء التي تقود الأطفال إلى العنف، قد تقود الأطفال أيضاً إلى ألعاب الفيديو العنيفة.
دون وضوح حول هذه النقطة، لن يكون لدينا أي شيء فعلاً سوى عنوان رئيس فارغ.
كما ينبغي ألا ننسى أبداً أن جميع الإحصاءات هي ملخص لحقيقة أكثر تعقيداً. على سبيل المثال، ما الذي يحدث للأجور؟ مع عشرات ملايين حزم الأجور التي تُدفع كل شهر، يُمكننا التلخيص فحسب، ولكن أي مُلخص؟ يُمكن تحريف متوسط الأجر من خلال عدد صغير من الأثرياء. يُخبرنا متوسط الأجر عن مركز التوزيع، لكنه يتجاهل كل شيء آخر.
أو قد ننظر إلى متوسط الزيادة في الأجور، الذي لا يعني الزيادة في متوسط الأجر – فهما ليسا سواءً على الإطلاق.
في حالة ارتفاع الأجور الأدنى والأعلى مع تراجع الأجور الوسيطة، من الممكن تماماً أن يكون متوسط زيادة الأجر صحيا بينما ينخفض متوسط الأجر.
السير أندرو ديلنوت، الرئيس السابق لهيئة الإحصاءات في المملكة المتحدة يُحذر من أن المتوسط لا يُمكن أن ينقل أبداً كامل القصة المعقدة. حيث أخبرني قائلاً: "الأمر مثل محاولة رؤية ما بداخل غرفة، من خلال النظر عبر ثقب المفتاح".
باختصار، كما تقول منى شلبي، محررة البيانات لصحيفة الجارديان الأمريكية: "عليك أن تسأل نفسك ما الذي تم إهماله".
هذا ينطبق على الحيل الواضحة، مثل المحور الرأسي الذي تم تقصيره لتضخيم التغيرات الصغيرة، لكنه ينطبق أيضاً على الأشياء الأقل وضوحاً - على سبيل المثال، لم لا يشتمل الرسم البياني الذي يُقارن أجور الأمريكيين السود بأجور البيض، على بيانات عن الناس من أصل إسباني أو الأمريكيين الآسيويين، أيضاً؟ ليس هناك عار من إهمال شيء ما.
لا يوجد رسم بياني أو جدول أو تغريدة يُمكن أن تحتوي على كل شيء. على أن ما هو مفقود أو مهمل، يُمكن أن يكون مهماً (من حيث التأثير على النتيجة النهائية، التي تم التوصل إليها، بل وإبطال البراهين السابقة).
أضف تعليق