Author

كيف نفرز الذين يملكون عن الذين لا يملكون؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
قد لا يخلو مقال من عبارة the havers and have nots (الذين يملكون والذين لا يملكون أي شيء) عند الحديث عن الفوارق المهولة بين الأغنياء والفقراء. وهناك اليوم إحصائيات دقيقة تنشرها منظمات عالمية ذات صيت تجعلنا نخاف أو حتى نمقت العالم الذي نعيش فيه. كيف لعالم وكوكب يحتله اليوم المخلوق العاقل الرشيد ألا وهو الإنسان أن يسمح لـ1 في المائة من مجموع سكانه أن يتنعموا بأكثر من 80 في المائة من الثروة المتاحة لنا كبشر على وجه الأرض؟ ليس بودي الدخول في عالم الأرقام والإحصائيات لأنها كثيرة ومتداولة على نطاق واسع. بيد أن الأرقام حول الثروة قد تكون مربكة وأحيانا كثيرة لا تمنحنا أية معلومات عن حياة الناس وأمزجتهم وبيوتهم والمواد والأشياء التي في حوزتهم. من هنا ظهرت الحاجة إلى اتباع معايير أخرى إضافة إلى الأرقام لفرز الذين يملكون والذين لا يملكون شيئا. في الحقيقة، الذين لا يملكون شيئا في حوزتهم بعض الأشياء ولهم في أغلب الأحيان سقف فوق رؤوسهم. إلا أن التعرف على هذه الأشياء والحاجيات والإحساس بها مهم للتعايش المشترك وتبادل المشاعر مع الناس الذين لا يملكون. في الأسبوع الماضي عرضت واحدا من المعايير الجديدة التي ظهرت أول ما ظهرت في الدول الإسكندنافية من خلال تعريف القراء بموقع في الشبكة العنكبوتية اسمه Dollar Street (شارع الدولار) الذي يتخذ من الوسائل البصرية أداة كي يحس الناس بصورة عامة، والذين يملكون بصورة خاصة بطبيعة الحياة التي يعيشها الذين لا يملكون أي شيء. الموقع هذا الذي جذب انتباه الإعلام الرئيس في الغرب يخلو من أي أرقام أو إحصائيات. هدفه تمكين رواده من خلال "جاليري" من الصور مشاركة حياة عائلة فقيرة تقع في خانة الذين لا يملكون أي شيء. والغاية هي أيضا تقديم المعلومة من خلال الصور وتعاليق قصيرة كي يشعر أو يحس الذين يملكون بما يعانيه الذين لا يملكون، وكذلك تقديم معلومات تختلف عن تلك التي نستقيها من خلال الإعلام. ومن خلال هذا الموقع بإمكان المرء أن يضع نفسه وبسهولة إما في خانة الذين يملكون أو الذين لا يملكون. وما يميز الموقع هذا هو أن الذين لا يملكون قد يعيشون في بلد يقع في قمة سلم الثراء حسب الأرقام والإحصائيات. وقد لا يستغرق الوقت طويلا وأنت تتفحص "جاليري" الصور الخاص بكل عائلة أن تتعرف على ما هو الفقر وكيف نميزه عن الثراء. مثلا، هناك تباين هائل بين اللعب التي يستخدمها الأطفال في الروضات المختلفة ضمن البلد الواحد وضمن الثقافات المختلفة. نظرة واحدة إلى اللعب التي يمسك بها الأطفال أو التي تزين صفوفهم المدرسية قد تكون كافية لتقديم مؤشرات عن سياق حياتهم ومعيشتهم وبيئتهم. والصور التي هي بعشرات الآلاف عن عشرات الدول تقدم لمحة عامة ولكنها مركزة تسلط الضوء على المنزل العائلي بالدرجة الأساس ومحتوياته من أثاث وأدوات مطبخ وملابس قاطنيه ومحيا وجوههم ومظهرهم، وكذلك الحالة التي يظهر فيها المنزل بحيطانه وشبابيكه وأرضيته وسقفه وحجمه. ونظرة إلى المطبخ مثلا تظهر بجلاء إن كان قاطنوه يحصلون على ماء جار صالح للشرب أم لا أو أنهم ينعمون بنور الكهرباء أم لا. الفقراء مثلا وحسب الصور هذه أغلب أدوات مطابخهم بلاستيكية، وكلها من السكين والملعقة والصحون وغيرها يضعونها في سلة واحدة. وتظهر الصور أوعية ودلاء بلاستيكية لحفظ الماء والطعام. والطعام من لون واحد في أغلب الأحيان وبكميات قليلة وأفراد العائلة في الغالب نحفاء الجسم. ولكن ما يميز الصور هذه هو أن الفقراء مثل هؤلاء أغلبهم لهم وجوه طلقة تعلوها الابتسامة، ويشتركون تقريبا في ملبس واحد قد تتغير ألوانه ولكنه كثيرا ما يظهر وكأنه زي واحد. وأكثر الأدوات رفاهية بالنسبة للعائلات الفقيرة التي تتباهى بها تتألف من دراجة هوائية تراها مركونة في الغرفة الرئيسة التي هي غرفة الضيوف وغرفة النوم، إضافة إلى ماكينة خياطة يدوية من الطراز القديم. أما الأثرياء فمنازلهم تختلف كما حيطانها وأسقفها وأرضياتها وشبابيكها. المطبخ فيه طباخ كهربائي أو غازي مزود بصنابير المياه. أما أدوت المطبخ فهي من الفولاذ الذي لا يصدأ وقد تم ترتيبها حسب أصنافها وفي جرارات خشبية. وفي المطبخ ثلاجة كهربائية وفي أغلب الأحيان هناك أجهزة تدفئة أو تبريد. ومنازل الأثرياء فيها غرف عديدة، ولكنهم يعتنون كثيرا بغرفة الضيوف التي تكون مؤثثة بشكل جيد وفيها مكتبة مع كتب وسجاد والشبابيك تعلوها الستائر ولوحات تزين الحيطان. وملابس العائلات الثرية مزركشة تتبع الموضات الحديثة وكل فرد تقريبا له زيه. أجسامهم ووجوههم مملوءة ولكنها ـــ وهذا ما استقيته بعد أن أمضيت وقتا طويلا وأنا أتصفح موقع Dollar Street– قلما تعلوها الابتسامة البريئة التي تعلو وجوه الفقراء.
إنشرها