FINANCIAL TIMES

تحديد سلبيات السيارات الذاتية قبل الرهان المفتوح

تحديد سلبيات السيارات الذاتية قبل الرهان المفتوح

تحديد سلبيات السيارات الذاتية قبل الرهان المفتوح

تحديد سلبيات السيارات الذاتية قبل الرهان المفتوح

عند النظر إلى سيارة ذاتية القيادة إلى العالم، هناك كثير من الأشياء التي يمكن رؤيتها. إنها تتمتع برادارات تقيس المسافة ما بينها وبين السيارة التالية، سواء المقبلة من الخلف أو تلك التي في الأمام، كما أن لديها كاميرات تلتقط صورا ملونة للشوارع، وأجهزة استشعار ليدار ترسل نبضات ليزر تقيس المناطق المحيطة بها.
بالنسبة لأي سيارة يقودها الروبوت، فإن من أكثر مكونات الرحلة أهمية ليس ما تراه فحسب، بل ما تعرفه مسبقاً عن المنطقة التي تسافر عبرها.
الروبوت يحتاج إلى خريطة - لكن ليس مجرد أي خريطة - فهذه السيارات بحاجة إلى تمثيل ثلاثي الأبعاد للبيئة المحيطة بها، وهو تمثيل يتم تحديثه باستمرار، ويتسم بالدقة وصولاً إلى بضعة قياسات لا تتجاوز سنتمترات.
في الوقت الذي تتجول فيه في الشوارع، تجمع السيارات ذاتية القيادة أكثر من تيرابايت من البيانات يومياً، أي بسعة 1400 قرص مُدمج.
مع ذلك، فإن أكثر تلك المعلومات التفصيلية التي تأتي من كثير من أجهزة استشعار السيارة، من غير الاقتصادي إرسالها من خلال شبكة كونية مثل الإنترنت.
بدلاً من ذلك، يجب أن تنقل الشركات مادياً البيانات من قُرص مُدمج إلى آخر، وهي عملية يُطلق عليها أحياناً اسم سنيكرنيت، بسبب مُزاح المهندسين من أن محركات الأقراص الصلبة تتحرك بوتيرة خاصة.
جمع البيانات جزء من سباق كبير لجمع المعرفة عن العالم المادي الذي يُمكن استخدامه لتدريب الجيل الجديد من السيارات.
يأمل الباحثون أنه سيتم في نهاية المطاف تطبيق الطبقة الأساسية لمعلومات السيارات الذاتية، ليس للنقل والخدمات اللوجستية فحسب، بل أيضاً لتطوير تقنيات الواقع المُعزز - لتُصبح مثل محاكاة للعالم الحقيقي الذي يُمكن استخدامه من قِبل أي روبوت - أو طائرة بدون طيار أو سيارة.
وسط جولة جديدة من الاستثمار والأبحاث، فإن تطوير تقنيات رسم الخرائط الرقمية الفعالة أمر حيوي للسيارات ذاتية القيادة. التخزين المرهق للبيانات مجرد مسائل تقنية تشغل بال كثير من ألمع المهندسين في سيليكون فالي. بدون خرائط ثلاثية الأبعاد أفضل، فإن تحقيق ثورة السيارات ذاتية القيادة المُعززة كثيراً سيكون أبطأ بكثير.
“هذه مشكلة صعبة جداً”، كما يقول بريان ماكليندون، خبير رسم الخرائط الذي كان في السابق مديرا لخرائط جوجل، والمؤسس المشارك للشركة التي أصبحت لاحقاً شركة جوجل إيرث.
السبب في أن هذه الخرائط مهمة جداً للسيارات ذات القيادة، كما يقول، ليس لتحديد المواقع بل أيضاً “لأنها تُقلل حجم العمل المطلوب لبرامج القيادة المستقلة للتعرف على العالم حولها”.
يقول إنه من خلال مقارنة محيطها الفعلي بما كان متوقعاً في الخريطة، بإمكانها تركيز انتباهها على الأشياء المختلفة مثل تحديد أحد المشاة أو دراجة هوائية.
ماكليندون غادر سيليكون فالي في العام الماضي للدخول في مجال السياسة في كنساس، لكنه لا يزال يعمل مستشاراً لشركة ديب ماب، الشركة الناشئة لرسم الخرائط التي أسسها زملاء سابقون في شركة جوجل.
الاستثمار في أبحاث السيارات المستقلة وصل إلى مستويات قياسية العام الماضي، ومعه جاءت زيادة في الأموال لتحسين رسم الخرائط.
الشركات الناشئة مثل سيفيل مابس، وديب ماب وLvl5 جذبت مهندسي رسم الخرائط من شركات جوجل وأبل وتسلا، وجمعت أكثر من 40 مليون دولار من أجل التمويل.
في الوقت نفسه، فإن أكبر شركات السيارات المستقلة لديها جميعا أنظمة رسم خرائط. براعة شركة ألفابيت في رسم الخرائط هي بمثابة ميزة رئيسية لوحدة السيارات ذاتية القيادة، التي أكملت بالفعل أكثر من 4 ملايين ميل من القيادة المستقلة.
(شركة ألفابيت تملك خرائط جوجل، وجوجل إيرث، وجوجل ستريت فيو وتطبيق الملاحة ويز الذي يتعقب حركة المرور في الوقت الحقيقي).
داخل الصناعة، هناك نقاش حيوي حول ما إذا ينبغي دعوة هذه التمثلات “خرائط” على الإطلاق، وذلك بسبب تعقيدها الهائل.
المعلومات التي تم جمعها يُمكن تقسيمها إلى طبقات: الموقع الفعلي للأرصفة، والمباني والأشجار؛ وعلامات الطرق وإشارات المرور؛ وكيف ينبغي أن تتصرف السيارة ذاتية القيادة، مثل مراقبة الحد الأقصى للسرعة.
الدقة مهمة جداً، بحيث إنه حتى التغييرات الصغيرة، مثل تحريك اللوحات التكتونية التي تتحرك بضعة بوصات كل عام، يُمكن أن يكون لها تأثير، في نهاية المطاف.
“كلمة ’خريطة‘ طريقة غير دقيقة لوصفها” كما تقول واي لو، كبيرة الإداريين للتشغيل في شركة ديب ماب.
وهي تفضل التفكير فيها باعتبارها قطعة من البرنامج الذي يُغذّي السيارة بالمعلومات عن محيطها.
زميلها جيمس وو، مؤسس شركة ديب ماب، يصف هذه الخرائط باعتبارها “جزءًا من دماغ” الروبوت المستقل الذي يسمح له بفهم موقعها.
يقول رالف هيرتويش، رئيس قسم خرائط السيارات في شركة إتش آي آر إي، التي تملك شركات السيارات الألمانية حصة الأغلبية فيها، بعد أن اشترى أحد الاتحادات وحدة صياغة الخرائط في شركة نوكيا مقابل 2.8 مليار دولار في عام 2015: “أميل لرؤية الخرائط باعتبارها ’ذاكرة جماعية‘ لجميع السيارات ذاتية القيادة”. ويضيف مازحاً: “الأمر مثل مدرسة تعليم قيادة سيارات مستقلة”.
بغض النظر عما يُطلق عليها، فإن رسم هذه الخرائط أمر صعب للغاية. الحجم الضخم من البيانات المُستخدم في الخرائط مجرد معضلة واحدة. هناك تحد آخر، إلا وهو إبقاؤها مُحدثة باستمرار، حتى تتمكن من توفير أحدث المعلومات للسيارات.
يقول سرافان بوتاجونتا، الرئيس التنفيذي للشركة الناشئة لرسم الخرائط سيفيل مابس: “كثير من الشركات لا تعرف كيفية تخزين بياناتها فعلاً. لهذا السبب، فإن السيارات المستقلة مقيدة جغرافياً. إنها لا تستطيع فعلياً وضع البيانات في صندوق السيارة، لذلك فهي تقتصر على بعض المناطق”.
تحاول شركة سيفيل مابس التعامل مع هذه المشكلة من خلال تبسيط بيانات الخرائط بحيث يكون من الأسهل إدارتها، لكن لا يوجد معيار صناعة واحد استطاع أن يبرز على البقية. علاوة على ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي اللازم لتوليد هذه الخرائط لا يزال بعيداً عن الكمال.
غالباً ما تكون هناك حاجة إلى البشر للتحقق من تصنيف الخرائط، وتقييم الحاجة إلى أي تحديث وتحليل السبب في قيام السيارات، بارتكاب الأخطاء في قيادات الاختبار.
يقول ألكسندر وانج، المهندس من شركة سكيل آيه بي آي، التي توفر مدربين من البشر لمخترعات الذكاء الاصطناعي: “هناك شيء واحد لا يتم الحديث عنه بشأن الذكاء الاصطناعي، ألا وهو العمل البشري المطلوب فعلاً من وراء الكواليس، لتشغيل هذه التقنيات بالفعل”.
“في الوقت الذي تحاول فيه هذه الشركات إنتاج سيارات مستقلة، فإنها تحتاج إلى مجموعة من البشر للمتابعة وتصنيف هذه الخرائط، تماماً مثل دعم خرائط جوجل اليوم”.
هناك تحد آخر هو التفكك العميق داخل القطاع، مع عدم وجود معيار مشترك واضح لهذه الخرائط ثلاثية الأبعاد وعالية الوضوح، أو أي مشاركة للبيانات لأن الشركات تعتبرها معلومات مهمة ذات مُلكية حصرية.
يقول وو من شركة ديب ماب: “الجميع يحاول تطوير حل الخرائط عالية الوضوح في الداخل لتلبية احتياجاتهم ذاتية القيادة، وهذا لا يمكن توزيعه على نطاق واسع. الكل يُعيد ابتكار عجلة القيادة، وهذا هدر لكثير من الموارد. من المرجح أن يكون ذلك من الأسباب التي تمنع السيارات ذاتية القيادة من أن تُصبح سلعة، على غرار السيارات التقليدية ذات السائق”.
ونظراً لأن الشركات لا تتشارك في بيانات الخرائط وتستخدم معايير مختلفة، يجب عليها إنشاء خرائط جديدة لكل مدينة جديدة تُخطط لدخولها. يقول وانج: “هذا سيؤخر التطوير في مناطق جغرافية معينة”.
قواعد القيادة المختلفة في كل مدينة تعني أيضاً أنه يجب إحداث مزيد من التعديلات في البرامج. ويضيف: “سيكون عليك إعادة كتابة البرنامج في كل منطقة جغرافية تدخلها”.
الطلب الناشئ على خرائط ثلاثية الأبعاد خلق سباقاً بين الشركات الحالية مثل هير وتوم توم، شركة صناعة أجهزة الملاحة القائمة على الأقمار الصناعية، والشركات الناشئة مثل ديب ماب.
في حين أن الشركات الناشئة تُركز على الخرائط للسيارات ذاتية القيادة بالكامل، إلا أن شركة هير وتوم توم تعتقدان أن الخرائط عالية الوضوح ستكون مفيدة حتى قبل الاعتماد الشامل على السيارات المستقلة، لأنها ستسهم في تقديم المساعدة للسائق.
ويليم ستريجبوش، رئيس القيادة المستقلة في شركة توم توم، يقول إن الخرائط اللازمة للسيارات بدون سائق تختلف عن تطبيقات الخرائط الحالية، لأنها سوف تحتاج إلى “خدمة وظيفة حرجة للسلامة”، بدلاً من استخدامها للملاحة.
وأضاف: “هناك تغيير آخر هو أنه لم يعُد بإمكاننا استخدام نظام تحديد المواقع العالمي وسيلة وحيدة لتحديد المواقع على الخريطة”، لأن نظام تحديد المواقع العالمي ليس دقيقاً بما فيه الكفاية للسيارات ذاتية القيادة.
يعتقد صنّاع الخرائط التقليديين أن الخرائط عالية الوضوح ستُصبح مصدراً كبيراً للإيرادات في الأعوام القليلة المُقبلة.
يقول هيرتويش: “الأمر مثل التطور في التلفزيون، والانتقال من التلفزيون التقليدي إلى إتش دي وفور كيه، بمجرد أن تصل تلك الموجة لن تكون هناك عودة. نحن نرى أن كثيراً من خرائطنا المستقبلية التي سنبيعها، ستكون عالية الوضوح”.
يتفق المشاركون في الصناعة على أن موجة من التوحيد أمر لا مفر منه.
يقول ستريجبوش من شركة توم توم: “إذا نظرنا إلى عدد الشركات في هذه المجال، فإن العدد هذا لا يُناسب العوامل الاقتصادية. هناك تكاليف ثابتة مرتفعة جداً، لذلك فإن بضعة لاعبين فحسبن يرجح لها أن يصلوا إلى النهاية”.
احتمال حدوث رد فعل تنظيمي عنيف يزيد من المشاكل التقنية للقطاع.
دفع إطلاق جوجل إيرث بعض أصحاب المنازل إلى الإصرار على أنه يجب إزالة أشكال ممتلكاتهم من الصور على أساس الخصوصية، وتفادت جوجل ستريت فيو تلك الإشكالية بوضع لوحات ترخيص ووجوه بشر غير واضحة، كذلك فإن شركات صناعة الخرائط عالية الوضوح ستضطر إلى التعامل مع المخاوف بشأن الخصوصية.
على الرغم من أن معظم هذه الخرائط غير متوافرة بشكل مباشر للمستهلكين – إلا أنها مصنوعة للتواصل مع أدمغة الروبوتات، وليس الركاب - إلا أن المستوى العالي من التفاصيل الذي تحتويه، يُمكن أن يُثير القلق بين المدافعين عن الخصوصية.
أنتوني فوكس، وزير النقل السابق في إدارة أوباما، يقول إن رسم الخرائط ومشاركة المعلومات عبر السيارات مجالان ينبغي أن تُشارك فيهما الحكومة بصورة أكبر.
“ستكون هناك حاجة إلى مشاركة جادة بين الصناعة والحكومة بشأن هذه القضايا. الأمر لا يتعلق برسم الخرائط، إنه شيء مثل الأمن الإلكتروني ومجالات أخرى، فما يحدث في إحدى السيارات، يُمكن بل ينبغي مشاركته مع ما أمكن من السيارات”.
وعلى الرغم من كل هذه التحفظات، فإن قطاع التكنولوجيا الأوسع متحمس بشأن الانفصال المحتمل عن رسم الخرائط ثلاثية الأبعاد، على أمل أن يتيح لها مثل ذلك الانفصال، تمكين تقنيات أخرى.
لقد بدأ السباق بالفعل لجمع البيانات الأكثر اكتمالاً، وبمجرد أن ينتهي ذلك، سيكون مفيداً لتقنيات من شاكلة الواقع المعزز، الذي يتطلب خريطة مثالية للعالم.
يعتقد البعض في الصناعة أنه بمجرد أن تتمكن السيارة من التجول بشكل مستقل، يُمكن وضع أنواع أخرى من الأجهزة الروبوتية، داخل برامج رسم الخرائط.
يقول وانج: “أعتقد أن جميع الروبوتات ستحذو حذوها وتذهب في اتجاه السيارات ذاتية القيادة. في نهاية المطاف، كل روبوت نبنيه في المستقبل سوف ينطوي على نفس المجموعة من أجهزة الاستشعار”.
يتوقع الباحثون في مجال الصناعة، أن السيارات ذاتية القيادة يُمكن في نهاية المطاف أن تُصبح أقل اعتماداً على الخرائط، لأن أجهزة الاستشعار ليدار تحوي كاشفات الضوء والنطاق، وهي تتحسن بما فيه الكفاية للسماح لها بالتنقل في بيئتها.
ستكون الخرائط حاسمة لضمان السلامة خلال الأعوام الأولى للسيارات ذاتية القيادة، كما يأمل المتفائلون، بل إن هناك من يرى أنه يُمكن للتقنيات تجاوز حتى ذلك المنعطف، أيضاً. يقول ماكليندون: “على المدى الطويل جداً، خرائط جوجل في شكلها الحالي هي كل ما نحتاجه، لأن السيارات ستكون ذكية بقدر قدرات البشر، وستحل جميع المشاكل اليومية. على أن هكذا هدف يربض على بعد أعوام كثيرة من الآن، وسيحين موعده مع ترقي ذكاء السيارة ذاتية القيادة الاصطناعي، حتى يتماثل مع متوسط الذكاء البشري”.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES