نحن وهُم .. كيف انقسمت أمريكا إلى قبائل؟

نحن وهُم .. كيف انقسمت أمريكا إلى قبائل؟

في عام 2005 تم تكليف عقيد أمريكي لم يكن معروفا في ذلك الوقت، اسمه إتش آر ماكماستر، بمهمة فرض السلام على مدينة تلعفر شمالي العراق. كانت تبدو مهمة مستحيلة: بعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 كانت المنطقة "إلى حد كبير واقعة تحت سيطرة المتمردين السنة وغارقة في عمليات قطع الرؤوس وإراقة الدماء"، كما تشير آمي تشوا، الأكاديمية الأمريكية والكاتبة في كتابها الجديد "القبائل السياسية".
ومع ذلك، كان ماكماستر مقتنعا بأن أحد الأسباب التي أدت إلى فشل السياسة الأمريكية في العراق هو أن الأمريكيين أخفقوا في فهم أهمية القبائل في المنطقة. قال في وقت لاحق لتشوا: "عندما وصلنا إلى العراق لم نكن نفهم التعقيد. ما الذي يعنيه بالنسبة لمجتمع أن يعيش تحت ديكتاتورية وحشية، مع انقسامات عرقية وطائفية".
لذلك أمر ماكماستر جنوده بتلقي دورات عاجلة في الأنماط الثقافية المحلية، وأنشأ تحالفات مع زعماء القبائل المحليين. وبعد أشهر قليلة، كما تكتب تشوا، استطاع ماكماستر أن يستقر في تلعفر "من خلال الإقناع المضني على الأرض، وغالبا ما كان يناقش زعيما قبليا واحدا في كل مرة".
هل هذا مجرد علامة على المهارات الاستراتيجية التي تتسم بالدهاء التي يمتلكها ماكماستر، الذي يجلس الآن في البيت الأبيض رئيسا لمجلس الأمن القومي؟ ربما. تشوا، وهي أستاذة في كلية الحقوق في جامعة ييل ـ ربما تكون معروفة بمذكراتها كأم، التي كانت بعنوان "ترنيمة المعركة من الأم النمرة" (2011) ـ مقتنعة بأن هذه الحكاية الصغيرة تبرز درسا أكبر بكثير، وهو الأمر الذي يحتاج القادة الأمريكيون إلى إعادة تعلمه.
خلال معظم وجود أمريكا، تكتب تشو، كان القادة الأمريكيون يتجاهلون فكرة "القبلية" أو الهويات المحلية والعرقية الشديدة. السبب في ذلك هو أن الخطاب المهيمن - أو الأسطورة المؤسِّسة للدولة - حول الهوية الأمريكية كان أن القبائل غير موجودة، لأن أمريكا دولة حديثة. تقول تشوا: "أمريكا وحدها بين القوى الكبرى، هي ما أصفها بأنها مجموعة فائقة". تُعرّف تشوا "المجموعة الفائقة" بأنها "نوع مميز من المجموعات (...) حيث العضوية مفتوحة للأفراد من مختلف الخلفيات - العرقية والدينية والعنصرية والثقافية".
لكنها تجادل بأن هذه الرؤية للأمة الأمريكية يعتريها دائما الخداع الذاتي، لأن الولاءات العرقية والعنصرية والطبقية لم تختف قط في أمريكا، ناهيك عن أي مكان آخر. وهي ترى أن هذا الأمر له تأثيران مهمان.
أولا، يجب على الأمريكيين أن يدركوا أن القبائل - بمعنى الهويات الجماعية - موجودة داخل أمريكا وأصبحت أقوى اليوم تحت حكم الرئيس دونالد ترمب. ثانيا، استنادا إلى مثال ماكماستر، تقول تشوا إن القادة الأمريكيين بحاجة إلى التفكير في مسألة القبائل على الساحة العالمية. وتختتم قائلة: "إذا أردنا أن نفهم سياستنا الخارجية على نحو صحيح (...) يجب على الولايات المتحدة أن تتعامل مع القبائل السياسية"، وذلك بعد أن قدمت سلسلة من الحكايات عن مغامرات أمريكا الفاشلة في فيتنام وأفغانستان والعراق، وهي ثلاثة أماكن تعتبر الولاءات العرقية والقبلية مهمة فيها بعمق، وقد تجاهلتها واشنطن.
هل هذا صحيح؟ باعتباري من المختصين في الأنثروبولوجيا - وهو التخصص الذي يتلذذ بالاعتراك مع طبيعة الهوية الثقافية – يغلب علي أن أقول بأعلى صوتي "لا فض فوكِ". أو ربما لا أقول بأعلى صوتي: هناك عدد قليل من الأماكن في كتاب "القبائل السياسية" حيث يبدو التحليل ضعيفا إلى حد ما، وتستخدم تشوا كلمة "القبلية" بطريقة فضفاضة نوعا ما. وهي لا تدرك دائما نقطة يشدد عليها علماء الأنثروبولوجيا في كثير من الأحيان، وهي أن الهويات ليست أبدا جامدة تماما وذات بعد واحد. بل على العكس من ذلك، لكل شخص تسلسل هرمي من الهويات المتداخلة المحتملة التي يمكن أن يتمسك بها (مثل كونه عضوا في أسرة، أو قرية، أو منطقة، أو مهنة، أو دين، أو أمة)، ومستوى الهوية التي يتم التأكيد عليها يتوقف على السياق.
بغض النظر عن هذا التحذير، الكتاب مهم لأن حجة تشوا الرئيسة صحيحة تماما: قادة أمريكا بحاجة إلى الاعتراف بأن القبائل موجودة، والتفكير بشكل أكثر وضوحا في الآثار المترتبة على ذلك. قضيت بضع سنوات في آسيا الوسطى، ورأيت بأم عيني كيف أن الفشل في التعامل مع التاريخ الأفغاني أو الثقافة القبلية أسهما في عدم فاعلية السياسة. كذلك أتفق بقوة مع حجة تشوا التي تقول إن النخبة الليبرالية في أمريكا أسهمت في صعود ترمب من خلال إخفاقها في الاعتراف بإحساسها هي ذاتها بالعنصر القبلي فيها.
لكن لعل القضية الأكثر إثارة للاهتمام – وغير المحلولة – التي تثيرها تشوا هي ما الذي يمكن عمله (إن كان هناك ما يمكن عمله أصلا) بشأن هذا الأمر. بخلاف حاجة الزعماء إلى الاستيقاظ والانتباه للظاهرة، تقترح الكاتبة أن يتخذ الأمريكيون خطوات من أجل الانخراط مع القبائل المختلفة داخل بلدهم، وتستشهد بأمثلة مشجِّعة يقوم المواطنون فيها بهذا الأمر. لكن ما تتجنب المؤلفة ذكره بمهارة هو أن أسرع طريقة لبناء هوية للمجموعة هي التآخي ضد أحد الأعداء؛ ما يؤكد ذلك هو أن اللحظات التي يمكن أن يقال عنها إن أمريكا كانت في أقصى حالاتها من الترابط هي اللحظات التي كانت خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها (أو في لحظات خلال الحرب الباردة).
بالتأكيد تشوا لا يبدو أنها ترغب في أن يحدث هذا مرة أخرى. لكن السؤال حول كيفية إنشاء هوية وطنية حديثة دون إيجاد إحساس بمعارضة "الآخر" يظل سؤالا بلا حل. أو، بعبارة أخرى، تشوا محقة في المجادلة بأن القبلية مهمة؛ لكن السؤال الذي يتركه كتاب "القبائل السياسية" بلا جواب هو السؤال المهم تماما، المتعلق بكيف تستطيع أمريكا (أو أية جهة أخرى) إيجاد عالم غير قبلي. ربما يستطيع الجنرال ماكماستر أن يعرض بعض الأفكار.

الأكثر قراءة