قلق محافظي ألمانيا من فداحة التنازلات لإنجاح الائتلاف

قلق محافظي ألمانيا من فداحة التنازلات لإنجاح الائتلاف

عرف المحافظون الألمان أنهم سيضطرون إلى التنازل لاستمالة الديمقراطيين الاشتراكيين، من أجل إعادة تشكيل ائتلاف كبير آخر للحك.
عندما أشارت عناوين الصحف الرئيسية إلى أنهم سيتخلون عن وزارة المالية، لم يصدق كثير منهم آذانهم.
قال أولاف جاتينج، عضو البرلمان من الحزب الديمقراطي المسيحي: "الكثير من أعضاء البرلمان كانوا يتساءلون - هل فاتنا شيء؟ هل كان الحزب الديمقراطي الاشتراكي من فاز فعلا في الانتخابات؟"
لم يفعلوا، ولم يفعل. حقق الحزب الديمقراطي الاشتراكي إلى أسوأ نتائجه في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب في أيلول (سبتمبر) الماضي، حيث سجل 20.5 في المائة فقط – أي دون 12.5 نقطة من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزبه البافاري الشقيق حزب الاتحاد الاشتراكي المسيحي.
في محادثاته عن تشكيل حكومة ائتلاف جديدة مع تكتل أنجيلا ميركل المكون من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاشتراكي المسيحي، التي اختتمت يوم الأربعاء الماضي، يبدو أن الحزب الديمقراطي الاشتراكي قد خسر بشكل كبير للغاية. سيحصل الحزب على ست وزارات في الحكومة الجديدة، بما في ذلك المالية، والخارجية والعمل. حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتبع له السيدة ميركل حصل على خمسة حقائب فحسب، فيما نال حزب الاتحاد الاشتراكي المسيحي ثلاثة أخرى.
كما سترفع الحكومة الجديدة أيضا الإنفاق على المعاشات التقاعدية، والمدارس، والبنية التحتية والنطاق العريض عالي السرعة – وهي جميعا أهداف طال انتظارها.

الائتلاف الكبير: النقاط الرئيسة
الحكومة الجديدة سترفع الإنفاق في البرامج الاجتماعية، بفضل فائض 46 مليار يورو، ولا تزال الحكومة تهدف إلى الحفاظ على توازن موازنتها.
قال هوبيرتوس هيل، أحد مفاوضي الحزب الديمقراطي الاشتراكي: "إنها نتيجة ممتازة، سواء من حيث السياسة أو الحقائب الوزارية".
لا تزال هناك بعض العقبات أمام الائتلاف الكبير الجديد. لا يمكن تجاوزها إلا إذا صوت أغلبية أعضاء الحزب الديمقراطي الاشتراكي الـ 460 ألف على الموافقة عليه.
النتيجة قد تكون متقاربة: كثير من الديمقراطيين الاشتراكيين يلومون ميركل على الأداء الضعيف في أيلول (سبتمبر) الماضي، ويمقتون فكرة التعاون معها مرة أخرى
على أن الديمقراطيين المسيحيين يشعرون بالانزعاج أيضا. يقول تيلمان ماير، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بون: "الثمن الذي اضطر الحزب الديمقراطي المسيحي إلى دفعه كان كبيرا جدا، حيث إنه من المحتم أن يتساءل الناس في الحزب: هل الأمر يستحق فعلا. سيكون على ميركل تهدئة الاضطرابات".
ليس الأمر أن الشعب يشعر بالقلق. بعض من النجوم الصاعدة في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذين حرموا من فرصة شغل منصب وزاري، سيكونون غاضبين أيضا. يقول ماير: "الناس الذين كانوا متحمسين لحدوث شيء ما لفترة طويلة تم تجاهلهم الآن".
مع ذلك، من الصعب رؤية ما يمكن أن تفعله ميركل. بعد انهيار محاولتها لتشكيل ائتلاف ثلاثي لم يسبق له مثيل مع الحزب الأخضر والليبراليين في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لم يتبق أمامها سوى ثلاثة خيارات: إحياء الائتلاف الكبير المكون من أحزاب الديمقراطي المسيحي والاشتراكي المسيحي والديمقراطي الاشتراكي؛ أو حكومة أقلية، حيث تحكم بسرعة كوصفة لعدم الاستقرار؛ أو إعادة إجراء انتخابات مبكرة، من المرجح أن تكون مفيدة للأحزاب الهامشية المتطرفة فحسب، مثل حزب البديل لألمانيا اليميني. ميركل اختارت الخيار الأول.
هذا، كما يقول البعض، كان خطأ كبيرا. يقول جوتينج: "أشعر بالانزعاج لأنه لم يكن لديهم الشجاعة لأخذ خيار حكومة أقلية في الاعتبار". بدلا من ذلك، كان حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي قد أصبح عالقا الآن مع حزب سيعمل على زيادة الإنفاق، في الداخل وفي أوروبا على حد سواء.
ويضيف: "نظم الحزب الديمقراطي الاشتراكي حملة على وعد بتعزيز الاتحاد الأوروبي، ومعهم دائما ما يعني هنا إرسال المزيد من المال إلى بروكسل".
مجموعات الأعمال تتفق. ديتر كيمبف، رئيس أكبر مجموعة ضغط للأعمال في ألمانيا، بي دي آي، قال إن اتفاق الائتلاف "يميل نحو إعادة توزيع الثروة، بدلا من تثبيت الاقتصاد الألماني في المستقبل".
هذا الخوف مشترك على نطاق واسع. الشك بين بعض المحافظين هو أن الحزب الديمقراطي الاشتراكي، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الأوروبية، سوف يسعى إلى قلب إرث فولفجانج شويبله، المتشدد المالي وحليف ميركل الذي كان وزير المالية الأكثر قوة - والأطول خدمة - في منطقة اليورو.
مارتن شولتز، زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي والمرشح لمنصب وزير الخارجية، عزز ذلك الانطباع. في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، قال في مؤتمر للحزب الديمقراطي الاشتراكي إن الاتحاد الأوروبي لا يمكن "أن يتحمل أربعة أعوام أخرى من سياسة ألمانيا في شأن الاتحاد الأوروبي، وفقا لفولفجانج شويبله".
وقال هذا الأسبوع إن الائتلاف الكبير من شأنه "إنهاء أمر سياسة التقشف" في أوروبا، وأن الاتفاق مع طاقم ميركل يعني "تغييرا جذريا للاتجاه" في القارة، حيث يعني أن ألمانيا "تعود إلى دور فعال وبارز في الاتحاد الأوروبي".
يعتقد بعض الخبراء أن مخاوف إعادة التفكير بشكل كبير في السياسة الألمانية يمكن أن تكون مبالغا فيها.
يقول جوزيف جانينج، زميل سياسة أعلى في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، "قد يود الحزب الديمقراطي الاشتراكي إنفاق المزيد من المال في أوروبا، لكنهم يعرفون أيضا أن الألمان لا يريدون بالضرورة رؤية المزيد من أموالهم ترسل إلى بروكسل".
من خلال الفوز بوزارة المالية، "كسبوا النفوذ، لكن في الوقت نفسه، يجب أن يتأكدوا من ممارستها بحكمة، وعدم فقدان المصداقية في نظر الشعب الألماني".
على الرغم من أن الحزب الديمقراطي المسيحي خسر واحدا من أعظم معاقله، إلا أن قدرته على توجيه السياسة الأوروبية ستبقى قوية.
يقول بول نولت، المؤرخ في جامعة برلين الحرة: "ستواصل المستشارية لعب دور حاسم في السياسة الأوروبية".
ويضيف أن الحزبين سيواصلان العلاقة التكافلية التي لديهما بموجب الائتلاف الكبير الأخير من عام 2013 حتى عام 2017. "سيجلس الحزب الديمقراطي الاشتراكي على عجلة القيادة، لتحديد اتجاه السفر، فيما يضع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي قدمه على الفرامل".
قدمت ميركل نقطة مماثلة يوم الأربعاء الماضي. ردا على سؤال ما إذا كان وزير المالية من الحزب الديمقراطي المسيحي سيقود الآن فورة إنفاق، قالت بشكل مقتضب: "أيا كان الذي سيدير الوزارة، سواء الحزب الديمقراطي الاشتراكي أو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ليس في الإمكان إنفاق المال الذي لا تملكه".

الأكثر قراءة