Author

كليات التربية .. أطروحات وتساؤلات

|

من المتعارف عليه عالميا أن كليات التربية مهمتها الرئيسة إعداد معلمي التعليم العام، إضافة لما يتم من بحوث، ودراسات، وعقد مؤتمرات في المواضيع ذات العلاقة، ويوجد نظامان لإعداد المعلم، أولهما ما يعرف بالتكاملي، حيث يدرس الطالب، أو معلم المستقبل مواد التخصص، أيا كانت علوما، أو رياضيات، أو لغة عربية، أو غيرها بالتزامن مع المواد التربوية، والمسلكية، ولها 45 ساعة من ساعات البرنامج التي تبلغ في العادة 128 ساعة، وميزته أنه يعطي الطالب فرصة التطبيق، والربط بين طرق التدريس، والمناهج، وآليات التقويم، ونظريات علم النفس التربوي، ومواد التخصص التي سيضطلع بتدريسها بعد التخرج، كما أنه يستغرق في الغالب أربع سنوات إن لم يكن أقل حسب جهد الطالب، وقدرته، ما يتيح التدريب على التدريس في إحدى المدارس، لمدة فصل دراسي، كما أن من مزايا النظام التكاملي اختيار الطالب مهنة التدريس منذ بداية مشواره في الجامعة، ما يعزز مهنية التعليم، ويقوي الانتماء لها.
النظام الثاني لإعداد المعلم يعرف بالتتابعي، حيث يدرس الطالب التخصص بمعزل عن مواد التخصص، ويستغرق هذا أربع سنوات، وبعد التخرج إن رغب في التدريس يدرس الدبلوم التربوي لمدة سنتين، إذ يفترض أن يدرس جميع المواد التربوية والمسلكية، ويتدرب على التدريس في إحدى المدارس، ووفق هذا النظام يفتقد الطالب فرصة الربط بين مواد التخصص، والمواد التربوية، بفعل الفاصل الزمني بينهما، كما أن مهنة التدريس قد تتحول إلى الملاذ الأخير، لكل من لم يتمكن من الحصول على وظيفة في مجال تخصصه، ما يفقد بعض المنتسبين المهنية، والانتماء الحقيقي.
ضمن ما تشهده الجهات الحكومية من أنشطة تستهدف التواؤم مع "رؤية المملكة 2030 " تسعى وزارة التعليم إلى إعادة النظر في إعداد المعلم، حيث عقدت لهذا الغرض ورش عمل، وشكلت لجنة تطوير برامج إعداد المعلم، وقد أصدر وزير التعليم قراره رقم 67500 بتعليق أي تطوير، أو استحداث برامج في كلية التربية حتى تنتهي اللجنة من عملها، إلا أن وكيل وزارة التعليم استبق توصيات اللجنة، وأعلن أن كليات التربية ستتحول إلى كليات دراسات عليا، ماجستير، ودكتوراه، ودبلوم للتخصصات التي يحتاج إليها التعليم، كما نشرت "عكاظ".
الاستعجال في التصريح، وعدم الانتظار لمعرفة توصيات اللجنة المتخصصة ربما يشير إلى أن ما توصلت إليه اللجنة المشكلة لغرض دراسة الموضوع لا يتفق مع ما تريده قيادة الوزارة، وفي هذا إحراق لنتائج دراسة اللجنة، ومن حق المهتمين بالموضوع التساؤل عن جدوى تشكيل اللجان إن كان لن يؤخذ بتوصياتها، إلا إذا كان القرار متخذا دون أي اعتبار للمنافع، والمضار المترتبة على التوجه الجديد في إعداد المعلم، حتى وإن كانت تحيط بجدواه الشكوك.
هل فكر المتحمسون للنظام التتابعي في إعداد المعلم بالمدة الزمنية التي يستغرقها إعداد المعلم ــــ التي تبلغ على أقل تقدير ست سنوات ـــ بقدرة كليات التربية على تخريج العدد الكافي من المعلمين، بما يتناسب مع النمو السنوي للطلاب، والمدارس الجديدة؟! وهل تساءلوا عن الكيفية التي سيسد بها العجز في المعلمين، فهل ستلجأ الوزارة إلى التعاقد من الخارج، ليجد المواطن نفسه عاطلا، بحجة أنه يدرس دبلوم، أو ماجستير، ودكتوراه، أم ستضطر الوزارة بهدف معالجة العجز إلى توظيف الخريجين من غير التربويين، وتفعِّل قانون ما يسمى معلم الضرورة، الذي لجأت إليه الوزارة في بدايات التعليم في المملكة، حين كانت تعين خريج الابتدائية معلما، وكما حدث عند إيقاف النظام التكاملي في بعض كليات التربية، كما في كلية التربية جامعة الملك سعود، منذ أكثر من 20 عاما؟!
جودة التعليم هم يشترك فيه الجميع، وهدف يسعى إليه كل مخلص لوطنه، كما أن التواؤم مع "رؤية 2030" لا يتحقق من خلال نظام تربوي لا توازن بين إيجابياته وسلبياته، ويقارن بغيره من البرامج الأخرى. قد يعلل المتحمسون لنظام إعداد المعلم محل النقاش أن فنلندا تطبقه، ونظامها التعليمي من أفضل النظم، وهذا صحيح، لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن سكان فنلندا أربعة ملايين، كما أن النمو السكاني فيها منخفض، ولا مجال لمقارنة المملكة بفنلندا، من حيث عدد السكان، ونسبة النمو السكاني.
صحيح أن حامل الدكتوراه، أو الماجستير، أو الدبلوم أكثر نضجا، بفعل العمر، ويفترض أن يكون أكثر معرفة، وسعة في التخصص، إضافة إلى تنوع، وعمق الخبرات. إلا أن هذه الأشياء مطلوبة لكل تخصص فالطبيب، والمهندس، والمحامي، والصيدلي، والإخصائي الزراعي، والاقتصادي، كل هؤلاء ينطبق عليهم ما ينطبق على المعلم، فهل كليات الجامعة الأخرى سيطبق عليها النظام التتابعي، كما هو التوجه للتطبيق على كليات التربية؟! سؤال أخير لماذا شكلت اللجنة المعنية بدراسة موضوع تحويل كليات التربية إلى كليات دراسات عليا إذا كانت الوزارة لن تأخذ بالنتائج التي تتوصل إليها اللجنة، وتسارع بإعلان تحويل الكليات قبل إعلان اللجنة نتائجها؟!

إنشرها