Author

السعودية .. والرؤية الحضارية

|

ما قاله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عن الثقافة ودورها على الصعد العالمية، هو في الواقع مفهوم متأصل للمملكة في هذا المجال. فالسعودية كانت دائما حريصة على احترام الثقافات، ولا سيما خصوصياتها، وقد أطلقت عشرات المبادرات وشاركت في عديد من المناسبات لتكريس هذا المفهوم، بل دعمت نشاطات تصب في الهدف نفسه. والهدف هنا احترام الثقافات "بصرف النظر عن الفوارق بين بعضها بعضا"، وتكريس دورها من أجل التواصل الإنساني لما فيه خير لكل الأطراف. والمملكة كانت وما زالت تقف ضد التطرف بكل أنواعه، انطلاقا من مفهومها لضرورة الحوار حول أي شيء، والتوصل لسد الثغرات الموجودة عن طريق التحاور وتبادل وجهات النظر والآراء، مع ضمان احترام خصوصية هذه الثقافة أو تلك.
من هنا يمكن فهم ما قاله خادم الحرمين الشريفين، حول تنوع الثقافات وتعددها في خطابه للمشاركين في المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية 32". فالمهرجان نفسه يمثل منصة سعودية أخرى يعبر عن حراك المملكة من أجل مزيد من التفاعل بين الثقافات العالمية المختلفة، لتحقيق التعايش والتسامح بين الشعوب. والسعودية تدعو منذ عقود إلى تمكين التسامح بين أصحاب الثقافات المختلفة، وعملت على مختلف الأصعدة من أجل القضاء على التطرف بصرف النظر عن الجهة الآتي منها. وروجت بنجاح كبير حقيقة الدين الإسلامي السمحة، قاطعة الطريق أمام الإرهابيين والمتطرفين الذين شوهوا هذا الدين على مدى سنوات. وكذلك دعت إلى فهم متسامح للثقافات والأديان الأخرى، وهذه الأخيرة فيها أيضا من المتطرفين ما يكفي.
خادم الحرمين الشريفين كان واضحا، حين تحدث عن ضرورة التركيز على أهمية البعد الإنساني المشترك في كل ثقافة بعيدا عن مفهوم صدام الثقافات. وهذا الصدام المشار إليه، وقفت المملكة ضده طوال عقود، وتحركت في كل محفل من أجل تكريس حقيقة التفاهم وليس التصادم بين الأديان والثقافات، خصوصا بعد أن ساعد هذا المفهوم الضار "التصادم" كثيرا من الجهات المتطرفة للقيام بأعمال بشعة لا يقبل بها أي إنسان في هذا العالم بصرف النظر عن ثقافته وديانته. واستغل الإرهابيون هذه النظرية البشعة لدعم حراكهم التخريبي الذي يقوم على الكراهية فقط لا غير. ومن هنا كان الملك سلمان حريصا على التشديد على البعد الإنساني المشترك لكل الثقافات.
رؤية خادم الحرمين الشريفين، أن تنوع الثقافات وتعددها، هو بحد ذاته مطلب للتعايش بين الشعوب. وهذا التعايش يعني ببساطة انتشار السلام في كل مكان، وتحرك معاول التنمية والازدهار على مختلف الساحات، دون أن ننسى، أن التواصل المتسامح بين الثقافات ينتج أيضا إمكانات حقيقية على صعيد التنمية، من خلال تبادل الخبرات والإمكانات في هذا المجال أو ذاك. المهم أنه في البداية وقبل كل شيء، هذا التعايش يسهم في تعزيز الأمن والسلم الدوليين، وهما عنصران محوريان للبشرية كلها. وعلى هذا الأساس، تمضي سياسة المملكة فيما يرتبط بالحضارات والثقافات، ومسؤوليتها كدولة محورية على الساحة الدولية في تمكين الأمن والسلم.
كان الملك سلمان بن عبدالعزيز واضحا في مسألة تتطلب بالفعل الوضوح الذي التزمت به السعودية منذ عقود، ليس فقط من أجل الوطن، بل من أجل العالم كله أيضا.

إنشرها