FINANCIAL TIMES

الحل.. اعتبار تقلبات البورصات من معطيات السوق

الحل.. اعتبار تقلبات البورصات من معطيات السوق

لنتناول كتابا قديما عن الاستثمار – فلنقل إنه من قبل عام 1990. ونتتبع الفهرس. ستجد أمورا مثيرة للاهتمام إلى حد كبير في بنود صغيرة تحت الحرف "V" مثل VAT كدلالة على ضريبة القيمة المضافة، ووضع البائع، وأي ذكر لمدير صندوق "مغامر" يدعى بيتر دي فينك.
ما لن تجده هو التقلب. لم يكن هذا أمرا ملحوظا في ذلك الوقت. بالتأكيد، أشار الوسطاء إلى اليوم الغريب باعتباره أكثر تقلبا من غيره، عندما كانوا يتجولون متجهين إلى غرف الاجتماعات في العاشرة صباحا.
لم يتداولوا مفهوم التقلب؛ ولم يستثمروا فيه؛ ولم يجعلوا مستواه محور استراتيجيتهم الاستثمارية؛ ولم يتعاملوا معه على المكشوف؛ وإنهم بالتأكيد لم يشيروا إليه على أنه "vol بمعنى تقلب".
الزمن مختلف الآن. إذا كنت قد استمعت إلى التغطية الإعلامية حول التصحيح المصغر في الأسواق هذا الأسبوع، فلن تكون قد سمعت عن أي شيء آخر. لقد كان تقلب غاغا، وتقلب غوغو دون توقف. فحول ماذا يدور كل ذلك؟
بدأ ذلك بطريقة بسيطة. في أواخر الثمانينيات، قدم اثنان من الأكاديميين الماليين، مناحيم برينر ودان غالاي، فكرة إيجاد مؤشر يمكن أن يقيس بشكل فعال توقعات السوق لمدى احتمال أو عدم احتمال تذبذب سوق الأسهم - والسماح للناس بالتحوط من هذا التغيير.
ومع إدخال العقود الآجلة والخيارات إلى السوق، كما أشار المؤلفان، فقد أصبح من السهل نسبيا على المستثمرين التحوط ضد التغيرات الحادة في اتجاه استثمارات معينة.
على أنه لم تكن لديهم أي وسيلة للتحوط ضد التغيرات في الصعود والهبوط العام للسوق.
وفي أعقاب حادث انهيار عام 1987، كانت هناك مخاوف من أن "يتخلى الجمهور عن الاستثمار في أصول محفوفة بالمخاطر بسبب تصور المخاطر المعززة".
لذلك من المؤكد أن تقديم مؤشر للناس من شأنه أن يسمح لهم بالتحوط من جميع التحركات قصيرة الأجل المخيفة داخل الاتجاه، كان فكرة جيدة؟

وافقت الصناعة على ذلك. بعد بعض المناقشات في أوائل التسعينيات، أطلقت بورصة شيكاغو لتداول الخيارات مؤشرا - مؤشر التقلب Cboe، الذي يشار إليه اختصارا بكلمة Vix.
حتى الآن، الأمور واضحة جدا، ولكن بعد ذلك، وكما أشارت بورصة شيكاغو Cboe، "أعرب عدد من المستثمرين عن اهتمامهم بأدوات التداول المتعلقة بتوقعات السوق للتقلبات المستقبلية".
بالطبع فعلوا ذلك. استحدث مؤشر فيكس عن تقلب العقود الآجلة (2004) ومؤشر خيارات فيكس (2006) ومجموعة متنوعة من الأوراق المالية المتداولة والصناديق التي تركز على تلك المشتقات.
أي شخص أعتقد أن أسواق العالم كانت ستكون هادئة ومستقرة يمكن أن يراهن على المكشوف على التقلب (الرهان على أن يكون هناك القليل منه).
أي شخص يعتقد أن الأمور ستكون مشحونة أكثر يمكن أن يراهن على ارتفاع التقلب (الرهان على وجود مزيد من التقلب). وهكذا تم إعداد المسرح للأحداث.
اليوم، يقول دنكان ماكينس من شركة إدارة الاستثمار روفر، إن هذا "المقياس المالي الذي كان غامضا في الماضي" تحول من مقياس بسيط للإجهاد المالي إلى "أحد المدخلات المستخدمة على نطاق واسع في كثير من استراتيجيات الاستثمار".
المشكلة؟ معظم هذه الاستراتيجيات كان لها منذ وقت طويل التحيز الاتجاهي المضمن فيها نفسه. في وقت سابق من هذا الشهر، اعتبر ماكينس أنه كان هناك نحو ترليون دولار استثمرت بطريقة واحدة وأخرى في الأصول باستخدام استراتيجيات "تهدف إلى كسب المال مع انخفاض التقلبات". وبحلول الشهر الماضي، كان مؤشر التقلب قد سجل أدنى مستوياته على الإطلاق.
كان المخضرمون يشعرون بالملل من إخبار الجميع بأن البيتكوين فقاعة قد بدأت في الإشارة إلى أننا كنا أيضا في فقاعة تقلب منخفض - أو بمعنى آخر، فقاعة ضخمة في التهاون.
وقد كان مؤشر فيكس يتراجع لفترة طويلة بحيث أنه لم يكن أمام التقلب أي مجال إلا للارتفاع، ولكن إذا عاد إلى مستويات أكثر طبيعية ("عدم الاستقرار الكبير" أمر طبيعي بالنسبة للسوق الأمريكية، كما يشير برينر وغالاي في عام 1989) فإن كثيرا من الناس سيفقدون كثيرا من المال.
وهذا ما حدث فعلا. في يوم الإثنين الماضي، أدى اجتماع النمو القوي للأجور في الولايات المتحدة والبيانات الضيقة لسوق العمل إلى أن تشعر الأسواق بالقلق من أن أسعار الفائدة قد ترتفع بوتيرة أسرع مما هو متوقع.
التقلبات ارتفعت (تضاعف مؤشر فيكس). المتداولون الذين قضوا السنوات القليلة الماضية في جمع ثروات يراهنون على أنه لن يتغير شيء على عجل، فسارعوا إلى البيع. وانخفضت جميع أنواع الأدوات المرتبطة بمؤشر فيكس بنسبة 80 في المائة وأكثر.
أغلب ظني هو أن كثيرا منكم لم ينزعج كثيرا من أي من هذا. لم تكن، ولستَ مستثمرا في أي مشتقات للتقلب، ولكن ربما يجب أن تكون مهتما – لأنك ربما ستهتم بالأمر.
إن استقرار الأسواق على مدى السنوات الثماني الماضية أو نحو ذلك - ما جعل المراهنة على التقلب المكشوف مربحا إلى حد كبير - كان مدعوما إلى حد كبير بفهم أنه سيتم دعمها باستمرار من قبل البنوك المركزية.
وفي أدنى تلميح للمتاعب، أوضح أولئك الذين هم في المناصب العلوية أنهم كانوا على استعداد لاستخدام السياسة النقدية للتأكد من عدم خسارة أي شخص للمال، بغض النظر عن المبالغة التي أصبحت عليها أسعار الأسهم أو حجم الديون هناك في النظام.
لذلك، إلى الحد الذي تملك فيه أسهما من أي نوع من التي استفادت من هذه الديناميكية، قد كنت أيضا "تراهن على التقلب على المكشوف". هذا بالطبع يعني أنك أيضا عرضة لخسارة المال في الوقت الذي تبدأ فيه التجارة بالارتعاش.
وإذا شحت سوق العمل (كما حدث فعلا) وارتفعت الأجور (وهو ما بدأته) ويزداد خطر التضخم الحقيقي بوتيرة أسرع مما يتوقعه الجميع، عندها سيتعين على السياسة النقدية أن تشدد بشكل أسرع مما يتوقعه الجميع.
هذا هو بالضبط ما قاله محافظ بنك إنجلترا مارك كارني هذا الأسبوع الماضي. من جانب آخر، كانت الرسالة متطابقة من الجميع - على الرغم من أن التعبير عن ذلك جاء ليس فيما قاله جاي باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الجديد، وإنما فيما لم يقله.
هو لم يبد أي تعليقات مهدئة على الإطلاق مع تراجع سوق الأسهم الأمريكية مرة أخرى يوم الخميس الماضي.
البنوك المركزية التي كانت في الماضي مثبتات السوق الكبيرة، قد لا تكون مكرسة لقضية دعم السوق الآن، لأن لديها قضية التضخم لتبدأ بالقلق حولها.
كتبت قليلا الأسبوع الماضي عن سبب توقعي أن يفاجئنا التضخم على الجانب الصعودي، ولكن الأدلة لا تزال تتراكم. الاقتصاد العالمي قوي في جميع المجالات حيث يشهد كل مكان من اليابان إلى المملكة المتحدة ظروف عمل ضيقة (يمكننا بوضوح جميعا التوقف عن القلق حول سرقة الروبوتات لجميع الوظائف لبضع سنوات).
تضاعف سعر النفط من أدنى مستوياته. وتظل مؤشرات التضخم في كل مكان أكبر من التوقعات بقليل.
كان هذا أسبوعا مروعا لكثير من المستثمرين. الأسبوع المقبل قد يكون أسوأ، أو قد يكون أفضل، ولكن في كلتا الحالتين أظن أن مؤرخي سوق الأوراق المالية سيرون هذا الأسبوع علامة على بعض التغييرات المهمة.
إنه يمثل ذلك الاعتراف النهائي من قبل البنوك المركزية بأنه سواء كان الأمر يتعلق بها أم لا، فإن الانكماش يحتاج إلى الاختفاء من قوائم قلقهم (حتى الآن، على الأقل) وقد يحتاجون إلى الجدية بشأن التشديد النقدي.
إضافة إلى اعتراف المستثمرين بأن ارتفاع التضخم سيعني ارتفاع أسعار الفائدة، وما يترتب على ذلك من عودة التقلب.
اعتمادا على مدى الجدية التي يأخذ فيها المصرفيون المركزيون ملخصاتهم حول مكافحة التضخم، فإن ذلك قد يمثل أيضا بداية نهاية لواحدة من أطول الأسواق الصاعدة، التي عمل معظمنا فيها أو عليها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES