ثقافة وفنون

شيب أوف واتر .. لا صوت يعلو «صمت» الحب

شيب أوف واتر .. لا صوت يعلو «صمت» الحب

شيب أوف واتر .. لا صوت يعلو «صمت» الحب

الحب لا يأبه للشكل الخارجي ولا تعنيه مظاهر هذا أو ذاك، ولا تحده لغة أو عبارات، بل هو مشاعر خالصة تنبثق من القلب وتترجمه النظرات والهمسات، هذا ما ظهر جليا في فيلم «The Shape of Water» الذي قدم عبر شاشة الفن السابع نموذجا مثاليا للحب الصادق الذي وقع بين امرأة بكماء ورجل برمائي يشبه شكله الوحش.
وعلى الرغم من ظهور العديد من هذه النوعية من الأفلام التي تسلط الضوء على قوة رباط الحب بغض النظر عن المظهر الخارجي لأحد الحبيبين، فمن منا لا يذكر فيلم «الجميلة والوحش» الذي انطبع في مخيلة الكبار والصغار على حد سواء؟ أو فيلم King Kong” " وغيرهما... وعلى الرغم من التشابه الكبير بين تلك الأفلام وفيلم The Shape Of Water، إلا أن ما يميز الأخير هو وجود حب صامت بين الشخصيتين الأساسيتين، ونجاح البطلين في أسر مشاعر المشاهد وجعله ينغمس في قصتهما العاطفية من دون إصدار أي كلام أو التعبير بأي حرف.

حياة روتينية لفتاة بكماء

بدأت أحداث الفيلم في الستينات في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يوجد فتاة تعمل كعاملة نظافة لأحد المعامل العلمية التابعة للجيش الأمريكي، وما هي إلا دقائق حتى يعلم المشاهد تفاصيل الحياة الروتينية لتلك الشخصية التي تتحدث لغة الإشارة، ولقد برعت الممثلة الإنجليزية سالي هوكينز بدور إليزا في أدائها، فكانت عيناها تلمع وتتكلم، ويقرأ المشاهد أفكارها من خلال ابتسامتها التعبيرية، تعيش حياة روتينية مع جارها العجوز الذي يعمل كرسام لكن الظروف عاكسته وجعلته يائسا في إيجاد أي عمل رغم أنه فنان ماهر.
في مكان عملها يحجز الجيش والعلماء كائنا برمائيا غريبا، يؤدي دوره الممثل دوغ جونز، تم التقاطه في منطقة الأمازون الذي يعبده السكان الأصليون. ويعتقد المسؤولون الحكوميون والعلماء أن المخلوق يمكن أن يقدم لهم تفوقا عسكريا وعلميا ضد الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة الجارية، لذا يخضعون هذا المخلوق للاختبارات والتعذيب لمعرفة المزيد حوله، ويعاملوه بقسوة نابعة من خوف وجهل بقدراته القوية على التواصل، يربطونه ويجلدونه ويعذبونه، فيجرحهم بأظافره ويعضهم بأسنانه الحادة، فيعاقبوه مرة أخرى، ولكن إليزا لم تشعر تجاهه بالخوف، وكأنها تعرفه منذ مئات السنين، حتى بعد أن رأت الأصابع المبتورة تحت أسنانه، لم تهتم واهتمت فقط بما تراه في عينيه، تلك النافذة على روحه البريئة القوية الصامدة.

انطلاق شرارة الحب

كانت إليزا تسرق من وقت عملها لتدخل وترى هذا الكائن، تطعمه البيض ويتفاعل معها كأنه من فصيلة البشر، واستمرت في توطيد علاقتها به، فعلمته بعضا من لغة الإشارة، جعلته عاشقا للموسيقى مثلها، أحبته لما هو عليه، وهو أحبها لما هي عليه أيضا، ولذلك حين قرر المسؤولون عن دراسة هذا الكائن الغريب قتله؛ كان على إليزا أن تستعين بأصدقائها لتهريبه وحمايته من قسوة الجاهلين بقدراته، ولقد كان أداء جونز رائعا، لكن ليس غريبا عليه، فهو اشتهر في السابق بأدائه لأدوار مخلوقات غريبة ويقدم أداء وحركات إيمائية مذهلة تجعل تصاميم الشخصيات تنبض بالحياة والإنسانية، ولقد أتقن دور الرجل البرمائي ليكون الأفضل بين أدواره كافة، فأعطى لهذا المخلوق الذي يجمع بين الرشاقة والحسية وفي الوقت نفسه بين البدائية والحيوانية، ما تمتلكه أفضل أفلام الوحوش.

قدرات خارقة

لا يحكي الفيلم فقط قصة حب غريبة بل قدم فكرة عن ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يتمتعون بقدرات خارقة تميزهم عن الآخرين، فإليزا بكماء لكنها استطاعت أن تكسب هذا الكائن الغريب وتعرف كيفية التعامل معه أكثر من الأشخاص الآخرين، والعلماء المختصين في دراسته، ومن بين هذه الأشخاص كان يوجد المسؤل ستريكلاند، يؤدي دوره الممثل مايكل شانون، الذي ينظر إلى إليزا بعين الشهوة، أعجب بها وأصبح يلاحقها بين أروقة المعمل، يخترع لها عملا في مكتبه كي تأتي ويكلمها، لكن نظرته الفوقية وطبيعته النرجسية جعلته مكروها بين زملائه، وبالنسبة لها أيضا كان يعاملها على أنها عاملة نظافة، يذلها وفي الوقت نفسه يريد أن يستغلها، وهي بدورها كانت تكرهه ليس فقط لتعامله الفظ معها بل كانت تراقبه كيف يؤذي الكائن البرمائي الذي أغرمت به.

أصدقاء أوفياء

عندما قررت أن تخرج الكائن من ذاك المعمل وتخبئه في منزلها، أدركت أن جميع أصدقائها الذين ساعدوها فيما بعد هم من فئة المنبوذين، زميلتها وصديقتها المقربة زيلدا، تلعب دورها الممثلة أوكتافيا سبنسر، وهي سمراء البشرة وتتعرض للعنصرية طوال الوقت نظرا للظروف التي عانى منها سود البشرة في الولايات المتحدة في ذاك الوقت. وصديقها الآخر وجارها رجل عجوز رسام يحاول إيجاد مكان في عالم فني غزته اللقطات المصورة، لم يتردد الاثنان في مساعدتها، ونجحت في تهريبه بمساعدة أحد الأطباء الذين يجدون خسارة حقيقية في قتل هذا الكائن النادر، وتبدأ قصة الحب الرائعة، التي لا ينغصها شيء سوى الضرورة الحتمية لعودة هذا الكائن إلى مياة البحر، ولذلك على إليزا أن تودعه.

قصة تقليدية لكن مشوقة

تعتبر هذه القصة تقليدية إلى أبعد الحدود، ولقد كان متوقعا كيف ستسير الأمور بينهم، فعنصر المفاجأة في هذا الفيلم ليس متوافرا، لكن رغم ذلك تسارعت الأحداث بطريقة رفعت عنصر التشويق وحماس المشاهد في المتابعة، فعلى مدار ساعتين نجح المخرج الإسباني غويريلو ديل تورو في تقديم مشاهد مشوقة إن من ناحية تسارع الأحداث وانتقاله بينها بسلاسة فائقة الروعة، أو حتى من ناحية التصوير والزوايا التي جعل منها عنصرا مشوقا ووضع المشاهد في حالة تأهب لما خلف عدسة الكاميرا.
ولم يقتصر الإبداع على طريقة التصوير وإبراز الأحداث بل تم إدخال مشهد غنائي غير متوقع بالأبيض والأسود، الذي أخذ المشاهد إلى مكان وزمان آخرين بفضل التصوير السينمائي الرائع والإنتاج الكبير، فضلا عن أداء إليزا لأغان من الستينيات، وبدأت تتمايل راقصة فجاء هذا المشهد تحفة فنية رائعة مزج بين الماضي والحاضر، بين التاريخ والمستقبل، فالقصة لم تكن فقط عاطفية بل تم تمرير بعض الأحداث السياسية والخلافات في تلك الحقبة بين الروس والأمريكان، إضافة إلى إبراز قدرة ذوي الاحتياجات الخاصة، وفكرة أخرى فلسفية تتحدث عن انتقال العالم من مرحلة قديمة يلفها نمط حياة قديم وتاريخي إلى مرحلة المستقبل والعلم والاكتشافات والسيارات الفارهة.

نهاية شاعرية جميلة

وفي نهاية القصة التي من المفترض أن يذهب هذا الكائن البرمائي إلى مكان عيشه الطبيعي في البحر تتوالى أحداث قتالية وينتهي بمشاعر عاطفية بين الحبيبين، لا حروف نطقت ولا كلام قيل لكن التعابير على وجوه الأبطال وملامسة بعضهما كانت كافية لإشباع المشاهد بالأحداث الجميلة.
تجدر الإشارة إلى أن الفيلم نجح في جمع إيرادات متوسطة في شباك التذاكر العالمي في دول العالم وذلك بعد أسابيع من طرحه، حيث وصلت إيراداته إلى 53 مليون دولار أمريكي في دور العرض السينمائي حول العالم.
ويبقى الفيلم عملا سينمائيا شاعريا غير معتاد بموسيقاه الرائعة، التي حازت جائزة أفضل موسيقى تصويرية في حفل الجولدن جلوب، وطريقة تصويره السلسة التي أعطت طابعا رومانسيا يتماشى مع الأحداث، كما فاز الشهر الماضي عندما اختارته رابطة المنتجين للقب أفضل فيلم، وهذه المرة الأولى التي يفوز فيها ديل تورو بجائزة رابطة المخرجين الأمريكيين وأول مرة يترشح لها، وستعلن أسماء الفائزين بجوائز الأوسكار في الرابع من آذار (مارس) المقبل.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون