Author

مراكز الأبحاث في السعودية .. والتصنيف العالمي

|

تلعب مراكز الفكر دورا مهما جدا في صياغة السياسات، باختلافها، سياسات أمنية واقتصادية، تنموية، بل عسكرية، وتختلف تلك المراكز بحسب طبيعتها الإدارية والمالية والسياسية والفكرية، فتجد هنالك مراكز فكر في أقصى اليمين وأقصى اليسار، طبعا هذا بالنظر للسياسات الأمريكية في الخارج، فنجد مراكز مثلا تؤيد وجود دور عسكري أمريكي خارجي وهنالك من يرى العكس تماما بتخفيض التكاليف العسكرية الخارجية وهكذا.
تقوم جامعة بنسلفانيا بإصدار تقييم وتصنيف لتلك المراكز بحسب مدى تأثيرها في السياسات والمجتمع وتأثير الخبراء وقوتهم العلمية، وكذلك القدرات المالية لتلك المراكز، والاستدامة في عمل تلك المراكز.
تختلف مصادر دخل هذه المراكز عالميا، المراكز بعضها ممولة مثلا من الحكومة وأغلبيتها لها أوقاف ومجلس إدارة لتلك الأوقاف، تختلف طبيعة تخصصات تلك المراكز من سياسات دولية - تنمية ـــ اقتصاد ـــ أمن ـــ سياسات محلية، ومن أشهر تلك المراكز: بروكنجز ـــ كارنيجي ـــ مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ـــ هيرتج ـــ أمريكان بروجرس. والقائمة تطول.
هنالك درس مهم في تلك المراكز يمكن الحديث عنه: إن كثيرا من السياسات التي تتبناها الدول مبنية على عمل مؤسساتي وعلمي، وهناك تمكين لدور الأوقاف في خدمة المجتمع عن طريق السياسات وفوق ذلك المصالح الوطنية للدول.
تعد مراكز الأبحاث من الأدوات المهمة التي يمكن الاستفادة منها لتشكيل الأطر الموجهة للسياسات العامة وكذلك السياسات الخارجية، ويمكن لتلك المراكز لعب دور مهم في التأثير في الرأي العام الدولي، أو الرأي المتخصص في قضية معينة أو لدى جهات دولية وإقليمية. تتميز مراكز الأبحاث بأنها متخصصة في مجال علمي أو قضية في حد ذاتها، وتدرس تلك القضايا بشكل معمق ومكثف ما يجعلها بيت خبرة يستفيد من مختلف وجهات النظر، علاوة على أن تلك المراكز، تستعين بمختلف القدرات العالمية من أجل الوصول إلى أفضل التوجهات أو السياسات العلمية في مجالها.
وقد نظم مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية أخيرا ندوة حول دور مراكز الفكر في بناء الوعي الوطني في عصر الاضطرابات الرقمية والسياسية. وشارك فيه نخبة من قادة هذه المراكز في المملكة. وجاءت هذه الندوة بالشراكة مع برنامج مراكز الفكر ومؤسسات المجتمع المدني التابع لجامعة بنسلفانيا الأمريكية، وبالتزامن مع ندوات تناقش الموضوع ذاته حول العالم، وتكتسب هذه الندوة أهمية كبيرة من كونها الأولى من نوعها في المملكة.
وتمت الإشارة ضمن حلقة النقاش إلى أن قضية التمويل تظل هاجسا مستمرا لأصحاب المؤسسات البحثية لاعتمادهم على دعم الأفراد في المقام الأول.
وأكد الدكتور السلمي أن مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية يهدف إلى تجاوز التعامل مع إيران كمصدر تهديد لتقديم فهم أعمق للحالة الإيرانية وكشف الواقع فيها أمام صانع القرار، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن المركز يطمح إلى أن يكون له دور كبير في الجمع بين البحث الأكاديمي وتقديم الاستشارات للنخب المتخصصة. وشدد في هذا الإطار على ضرورة أن تدعم الحكومات مراكز الأبحاث كونها رافدا مهما لعملية صناعة القرار.
وركز المشاركون في الندوة من جانبهم على أهمية مراكز الأبحاث وما يصدر عنها كونها بمنزلة دليل استرشادي لصناع القرار. وأشاروا إلى أن وجود مراكز الفكر وانتشارها يعدان مقياسا لتطور المجتمعات ومقياسا لحالة النضج السياسي، واعتبروا أن الاعتماد على المعلومات القائمة على البحث والاستفادة منها أحد أسباب القوة.
وحول الوضع الحالي في الدول العربية أكد المشاركون أن هذه الدول تمتلك 580 مركزا بحثيا تشكل 7.49 في المائة من مجموع المراكز حول العالم، رغم الدور الفعال والمؤثر لهذه الدول. ففي إيران مثلا هناك 59 مركزا بحثيا، أما إسرائيل فهناك 58 مركزا تصوغ سياساتها في جميع المجالات، وفي مصر يوجد حاليا 53 مركزا، بينما يوجد في تركيا 32 مركزا، وفي العراق 31، وفي فلسطين 28، واليمن 22، وتضم الأردن 21 مركزا بحثيا.
وشدد المشاركون على الدور الذي يمكن أن تلعبه مراكز التفكير الاستراتيجي في تحقيق "رؤية 2030"، وأوضحوا أن هناك 543 مبادرة أطلقتها 26 جهة جميعها أكدت أهمية دور هذه المراكز في مستقبل المملكة. كما أكد قادة مراكز الفكر في المملكة أهمية ارتباط هذه المراكز بالفضاء الإعلامي كونه الوسيلة الأنجع لإسهامها في نشر الوعي وتبيان حقائق الأمور في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية نظرا لما تملكه من معلومات موثقة تستند إلى دراسات معمقة تجعلها ذات مصداقية عالية لدى المتلقي، وأشاروا أيضا إلى أهمية حضور هذه المراكز على منصات التواصل الاجتماعي لتعزز من قدرتها على التأثير.
وأكد قادة مراكز الفكر على ضرورة أن تحدث الجامعات السعودية مساراتها التعليمية لتسهم في صناعة الباحثين والمحللين الذين تحتاج إليهم مراكز الدراسات لتواصل مسيرتها وتطورها.
وبالله التوفيق.

إنشرها