حذارِ من بيع المصباح على القمر لمتداولي البورصات

حذارِ من بيع المصباح على القمر لمتداولي البورصات
حذارِ من بيع المصباح على القمر لمتداولي البورصات

المصارف وتجار التداول عالي التردد غالباً ما يتباهون بتنفيذ الطلبات، بأجزاء من بالألف من الثانية - أو آلاف الأجزاء من الثانية.
ثمانية أجزاء فقط من الألف من الثانية هي الوقت الذي يستغرقه المتداول لإرسال طلب معين، أو تحديد سعر لورقة معينة خلال مسافة الـ 800 ميل التي تقع بين نيويورك وشيكاغو.
لنقارن ذلك بمتوسط الوقت الذي تستغرقه إصبع الإنسان للنقر على الفأرة: 150 ألف ميكروثانية بدون جهد "هناك ألف ميكروثانية في كل جزء بالألف من الثانية"، والفرق يُصبح محيراً.
هناك ميزة لا متناهية الصغر يُمكن أن تعني الفرق بين تنفيذ التداول، أو تفويته - حقيقة غير معروفة تُصبح معروفة بعد نشر كتاب مايكل لويس الأكثر مبيعاً في عام 2014: "فلاش بويز"، عن عالم التداول عالي التردد.
بالنسبة إلى المنظمين، ضبط هذا العالم أصبح صعباً بشكل متزايد. الآن، هناك تشريع أوروبي كاسح سيُشدد القواعد حول التداول عالي السرعة. تلك التغييرات تدفع الأسواق لإعادة التفكير في الطريقة التي تقيس فيها الوقت في العصر الرقمي.
في بداية هذا العام، أدخل الاتحاد الأوروبي قواعده المسماة ميفيد 2 - وتحوي 1.7 مليون فقرة، تهدف إلى توفير حماية أكبر للمستثمرين وضخ مزيد من المنافسة في الأسواق. سيتطلب من المصارف، والسماسرة ومديري الصناديق تقديم مزيد من المعلومات - بما في ذلك الوقت المحدد عند إجراء كل عملية تداول.
في الواقع، فإن قواعد ميفيد 2 يُمكن أن تؤثر في ضبط الوقت غير المتناهي للأسواق المالية العالمية، بنفس الطريقة التي غيّرت فيها السكك الحديدية طبيعة قياس الوقت في القرن التاسع عشر، وذلك وفقاً لليون لوبو، مدير تطوير الأعمال في مختبر الفيزياء الوطني في المملكة المتحدة.
مختبر الفيزياء الوطني، في ضاحية تيدينجتون الخاملة جنوب غرب لندن، موجود منذ عام 1900.
المبنى الهادئ وغير المزعج حيث يعمل لوبو، مع مدخله المستدير من الصُلب والزجاج، تم إعداده من الطريق في الحدائق ذات المناظر الطبيعية. وهو يُعطي لمحة قليلة عن حجم المعرفة والمعدات العلمية في الداخل.
المختبر هو معهد القياس الوطني في المملكة المتحدة - حيث يحتفظ بالوقت الرسمي - ويتحمل مسؤولية القيام بآلاف عمليات المعايرة عالية الدقة للعلوم، والفيزياء والتكنولوجيا. الآن، وجد سوقاً تجارية جديدة: توفير نقطة مرجعية لأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة تُشغل التداول العالمي في القرن الحادي والعشرين.
أكثر من 12 مؤسسة سجّلت، بما في ذلك بورصة الإنتركونتيننتال، واحدة من أكبر مُشغلي البورصات في العالم، و"يو بي إس"، المصرف السويسري.
"(مُنتج مختبر الفيزياء الوطني هو) أول شيء يوجد شبكة من الوقت في جميع أنحاء العالم"، كما يقول لوبو، المهندس الميكانيكي والبصري السابق، الذي انضم إلى مختبر الفيزياء الوطني في عام 2011 كرئيس للمجموعة التي تطوّر الساعات الذرية وتُدير الجدول الزمني. "كنّا نطوّر تقنيات جديدة لنشر الوقت". وظيفته الآن، في الواقع، هي بيع الوقت.
تحديد وقت جميع الصفقات في أوروبا لإيجاد صورة متماسكة هو أمر محفوف بالمشكلات. الساعات في أجهزة الكمبيوتر التي تجري التداول، ليست متزامنة بشكل جماعي، لذلك فإن الوقت ليس منتظما.
في الأسواق المتقلبة، يُمكن أن ترتبط فئات الأصول بسرعة مذهلة. بعد سلسلة من شبه التفويت والقلق العام إزاء سرعة التداول، طالب المنظمون بمعلومات أفضل حتى يتمكنوا من الحصول على صورة مفصلة لدارسة الحوادث - نوعاً ما مثل إعادة بحركة بطيئة لحادث رياضي مُثير للجدل.
مع ذلك، من خلال توضيح عدم خبرتهم في هذا المجال، اقترح المنظمون الأوروبيون في البداية، أن يُقاس تحديد الوقت بنانوثانية واحدة - أو مليار من الثانية. يقول لوبو "اضطررنا إلى الكتابة إليهم لإخبارهم أن الأمر مستحيل من الناحية الفيزيائية".
المتداولون والبورصات عليهم الآن تحديد وقت الأحداث بدقة، وأن تكون ضمن إطار محدد مقابل المعيار العام المتفق عليه عالمياً المعروف باسم التوقيت العالمي المُنسق.
قد يحتاج المتداولون الأسرع في السوق إلى أن يكونوا ضمن دقة 100 ميكروثانية.
المتطلبات المعدلة تبيع وهم الوقت
أحد التحديات كان الانحراف: حيث تعمل أجهزة الكمبيوتر على ترددات مختلفة وتنحرف عن بعضها البعض بشأن الوقت. تصحيحها ليس بالأمر السهل.
"يُمكن أن يؤدي ذلك إلى تاريخ ضعيف. الحدث الذي حدث قبل تصحيح الساعة يُمكن أن ينتهي بتحديد وقت لاحق من الحدث الذي حدث بعد التصحيح"، كما يقول ريموند راسل، كبير الإداريين للتقنية في كورفيل، مجموعة التكنولوجيا الإيرلندية.
وحقيقة أن الوقت يعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي، النظام العالمي الذي تُشغله القوات الجوية الأمريكية، أوجدت مزيدا من التحديات.
نظام تحديد المواقع العالمي يستخدم شبكة من الأقمار الصناعية لإرسال المعلومات عن الوقت والموقع إلى مُستقبِلات على الأرض، لكن كما يوضح لوبو، فإن قوة بثها منخفضة جداً. "إنها بقوة مصباح على القمر".
هذا يجعل من السهل التدخل في الإشارة. يُمكن أن تتأثر بالظروف الجوية الشمسية أو العمل البشري. تستطيع التكنولوجيا عمداً أن تمنع، أو تحجب، أو حتى أن تسيطر على الإشارات اللاسلكية والتدخل في بثها.
قدّرت الحكومة البريطانية أن الحي المالي في لندن يختبر ما بين 80 و120 حادث تشويش لنظام تحديد المواقع العالمي شهرياً.
كل هذا يُمكن أن يؤدي إلى تعطيل خطير في جهود المنظمين لبناء مسار تدقيق موثوق للتداول في الأسواق المالية العالمية.
كل هذه المشكلات دفعت مختبر الفيزياء الوطني إلى سوق جديدة وجواب جديد: إرسال الوقت من خلال كابل الألياف البصرية، ما يعني أنه لا يُمكن التأثير في إشارته.
يقول لوبو "هذا يسمح لنا بأن نكون محصّنين تماماً لنظام تحديد المواقع العالمي. لا يوجد أي شيء آخر كهذا".
تم تطوير الإشارة نفسها على مدى خمسة أعوام من قِبل فريق مكون من ستة علماء ومهندسين.
ويُحتفظ بها من خلال ساعة سيزيوم، ساعة ذرية تعتمد على تنشيط نظائر من السيزيوم لتعزيز دقتها. وفقاً للمختبر، على الأغلب ستنحرف بمقدار ثانية واحدة على مدى 158 مليون عام.
الآلة نفسها بريئة بما فيه الكفاية. فهي مجموعة من الأجهزة بلون كريمي بحجم حقيبة مع وجود ساعة رقمية، ويتم تنشيطها من خلال أجهزة ميزر "شبيهة بالليرز" تبعث بموجات ميكروويف بحجم خزانة ملفات.
المعدات حساسة جداً، والغرفة مغلقة عن العالم الخارجي معظم الوقت، وتُفتح بشكل غير منتظم للصيانة. لم يُسمح لصحيفة فاينانشيال تايمز بالدخول لرؤيتها.
يقبل لوبو أن الساعة ستنحرف، لكن يُمكن قياسها بدقة ويُحتفظ بها بما يتماشى مع التوقيت العالمي المُنسق والساعات الوطنية الأخرى. الإشارة تُرسل منذ الآن لاستخدامها في الأسواق.
قبل 200 عام، كانت البلدات والمدن المختلفة تقيس أوقاتها بصورة مختلفة. هذا أدى إلى حدوث فوضى في الجداول الزمنية للقطارات البريطانية، وأدى إلى وضع معيار مشترك يستند إلى توقيت جرينتش.
إذا تبين أن العلماء في المختبر على حق، فإن تيدينجتون ستصبح للأسواق المالية، ما كانت عليه جرينتش وتوقيتها المتوسط للسكك الحديدية في القرن التاسع عشر – أي معيارا زمنيا لعصر تجاري جديد.


إطار
ما الذي يحول دون قياس عالمي للزمن؟
قانون ميفيد 2، الذي بدأ سريان مفعوله في الأسواق الأوروبية في الثالث من كانون الثاني (يناير) الماضي، انطلق من خلال بداية مكتومة. اقترح المنظمون أنهم لن يتخذوا في الوقت الحاضر نهجا متشددا بخصوص الالتزام.
أكبر عقبة أمام نظام عالمي لقياس الزمن تظل إنشاء شبكة عالمية، مع أن الطلب موجود. يقول ليون لوبو، مدير تطوير الأعمال في المختبر الفيزيائي الوطني في بريطانيا "كنا نحاول خلال الأعمال القليلة الماضية أن نقنع المختبرات المكافئة لنا في أنحاء العالم، أن تصدر حلولا مماثلة بحيث تستطيع أي مؤسسة مالية أن تنسجم مع التوقيت العالمي".
بعض المختبرات لا تعطي ضمانا على الخدمة، في حين إنه بالنسبة إلى مختبرات أخرى، هناك مناطق اختصاص لم تفرض حتى الآن المعايير الفنية.
مختبرات أخرى تواجه مشكلات عملية. بعض المختبرات بعيدة عن أسواقها المالية، ما يعني أنه سيكون هناك تأخير في الإشارة بين الموقعين.
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يقع المختبر الوطني في كولورادو، على بعد آلاف الأميال من مركزي التداول الرئيسيين في نيويورك وشيكاغو.
في المقابل، فإن مقر المختبر الوطني في تيدينجتون يقع على الشارع المقابل من أكبر مركز مالي في أوروبا.

الأكثر قراءة