Author

استراتيجية وطنية شاملة للطاقة

|

طوّرت المملكة في السنوات الأخيرة عدداً من المصافي، في إطار سعيها إلى رفع مستوى إنتاج المواد النفطية المكررة. ورفدت عمليات التطوير هذه باستثمارات تواكب بالطبع مخططاتها المستقبلية في هذا المجال. من هنا، فإن زيادة منتجات الخام المكررة 155 ألف برميل يومياً العام الماضي كانت طبيعية، ولا تتصادم بالطبع مع اتفاق خفض الإنتاج العالمي من النفط، حيث تمثل السعودية حجر الزاوية فيه، خصوصا في سعيها الفعال إلى دفع بقية البلدان النفطية، إلى الالتزام بهذا الاتفاق التاريخي. وزيادة منتجات الخام المكررة، تدخل أيضاً في سياق الاحتياجات المحلية في المملكة، ولا سيما في ظل ورشة البناء الاقتصادي الكبرى التي تجري على الساحة، ضمن "رؤية المملكة 2030".
وزيادة منتجات الخام المكررة، تأتي في ظل بيانات وكالة الطاقة، التي أظهرت أن المملكة صدّرت 6.9 مليون برميل من النفط الخام يومياً في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي؛ بتراجع 760 مليون برميل يومياً عن المستوى المسجل قبل عام. وهذا يؤكد مجدداً أن السعودية تتصدّر قائمة البلدان الأكثر التزاماً في خفض الإنتاج. والذي حصل بالفعل، أن الزيادة في صادرات السعودية من المنتجات المكررة (إضافة طبعاً إلى تلبية الطلب المحلي) أسهمت في خفض تأثيرات انخفاض صادراتها من الخام وفق الاتفاق؛ أي أنها تقوم بما يمكن وصفه بالموازنة لامتصاص أي أثر سلبي على العوائد النفطية بشكل عام، يضاف إلى ذلك أن السعودية كانت بحاجة بالفعل إلى استثمارات جديدة في المصافي بما في ذلك الاستثمارات في مصفاة ساتورب في الجبيل التي تبلغ طاقتها 400 ألف برميل يومياً.
وهناك مخططات أخرى على الصعيد النفطي في المملكة، بعضها مرتبط بتطور أسواق النفط العالمية، خصوصاً مع النجاح الذي يحققه اتفاق خفض الإنتاج، الذي أدى إلى ارتفاع مقبول لأسعار الخام، في حين تتوقع جهات دولية مختلفة أن تشهد الأسعار ارتفاعات جديدة، بما يتناسب مع واقع حال السوق العالمية. وبالنسبة للمنتجات النفطية المكررة، فإنها تبقى محوراً رئيساً على الصعيدين المحلي والعالمي، علما بأن السعودية قادرة مالياً "بالطبع" على ضخ استثمارات جديدة في هذا المجال، مقارنة ببلدان نفطية (ومنها إيران) تجد مصاعب كبيرة في تجديد الحقول النفطية حتى المصافي؛ ما انعكس بصورة سلبية على إنتاجها في كلا المجالين، من دون أن ننسى بالطبع أن رفع مستوى المنتجات المكررة من النفط، يأتي أيضاً في ظل قوانين تنظيم سوق الطاقة المحلية.
في كل الأحوال، تبقى السعودية في المقدمة على الصعيد النفطي من كل الزوايا، بما فيها إنتاج الخام، والمنتجات المكررة؛ بل إنها تمضي قدماً على صعيد الطاقة المتجددة، ما سيؤمّن لها مكانة كبرى في هذا المجال لاحقاً، خصوصاً في ظل سلسلة من المشاريع الهادفة إلى رفع مستوى إنتاج هذا النوع من الطاقة. فعلى سبيل المثال، يتوقع مختصون ألمان أن تتقدم السعودية الصفوف الأولى على صعيد الطاقة الشمسية في سبع سنوات؛ ما يعزز مكانتها في مجال الطاقة بشكل عام.
إن أي استثمار تقوم به المملكة في مجال الطاقة "النفطية وغيرها" يأتي ضمن المخطط الاستراتيجي الاقتصادي العام لها، من خلال "الرؤية" وبرنامج التحول المصاحب لها. وزيادة حجم منتجات النفط المكررة، من أهم عناصر هذا المخطط. إنها استراتيجية وطنية شاملة.

إنشرها