Author

متى وكيف النجاة من الغش العقاري؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

تورط كثير من أفراد المجتمع في شراء وحدات سكنية مغشوشة البناء، وكابد أرباب الأسر خسائر مريرة قدرت بعشرات المليارات، عدا تحمل أولئك المتورطين عقاريا سداد أعباء قروض عقارية طائلة جدا، وجدوا أنفسهم ملزمين بسدادها، واستمرار استقطاع المصارف ومؤسسات التمويل لأقساطهم الشهرية "بلغ إجمالي حجم القروض العقارية على الأفراد 141.4 مليار ريال حتى نهاية الربع الثالث 2017"، على الرغم من عدم انتفاع الأفراد من تلك الوحدات السكنية غير الصالحة للسكن والاستخدام. وتزداد الأعباء المادية الجسيمة على كاهل المشترين بصورة فادحة، في حال اضطروا إلى استئجار وحدات سكنية بديلة، في الوقت ذاته الذي يكابدون ماديا لإصلاح العيوب والمشكلات الهندسية في مساكنهم التي قاموا بشرائها، فهم هنا أمام حمل مالي ثقيل الوزن بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى؛ ممثلا في:
(1) سداد أقساط التمويل العقاري لقاء شراء المسكن الرديء.
(2) تكلفة إيجار المسكن البديل.
(3) تكلفة إصلاحات عيوب البناء والتشييد في المسكن الرديء الذي تم شراؤه.
إنها ظاهرة عقارية سلبية لافتة جدا؛ فعلى الرغم من تفاقمها طوال السنوات الأخيرة، وتزايد أعداد ضحاياها من أرباب الأسر وأفراد المجتمع، وعلى الرغم من الاتساع المستمر لدائرة تلك التشوهات، لم يصدر حتى تاريخه أي رادع أو عقاب يوقف زحف واستشراء هذه الآفة، ممثلة في الغش التطويري العقاري. الخطوة المهمة جدا التي كان منتظرا تحققها، بما يؤدي إلى حماية مقدرات كل من الاقتصاد الوطني وأفراد المجتمع، وبما يمنع من فقد الثقة محليا بقطاع التطوير العقاري، التي ستدفع ثمنها بصورة فادحة شركات التطوير العقاري ذات السمعة التجارية والعقارية الجيدة، وهو ما لا يعني من قريب أو بعيد الأفراد والشركات المتورطين في ارتكاب آفات الغش العقاري!
أمام اتساع وامتداد أشكال الغش العقاري؛ أصبح واجبا وطنيا أن يتم التصدي له بكل قوة وصرامة، والضرورة القصوى للتعامل معها بأعلى قدر من الحزم والعقاب والتغريم، وهذه مسؤولية الأجهزة والجهات كافة ذات العلاقة، في مقدمة تلك الأجهزة والجهات: وزارة التجارة والاستثمار، وزارة الإسكان، وزارة البلدية والشؤون القروية، وزارة العدل، مؤسسة النقد العربي السعودي، شركة الكهرباء. يجب إقرار النظام الشامل الهادف لحماية الاقتصاد والمجتمع من انتشار أشكال الغش العقاري كافة، بدءا من إهمال وسوء بناء وتشييد المسكن "المطور العقاري والمقاول"، والضرورة القصوى لأخذ الضمانات اللازمة والكافية "عشرة أعوام على أقل تقدير لجودة المسكن" على المنتجات السكنية والعقارية، مرورا بالتلاعب والتدليس في الأسعار، وعدم بذل الجهد الكافي من قبل المثمنين العقاريين، إضافة إلى تغرير وخداع الوسطاء والمسوقين العقاريين، انتهاء بالمصارف الممولة ومؤسسات التمويل العقاري، وتحديد جهة حكومية معلومة للجميع، تتولى المعالجة الفورية والسريعة لتلك القضايا الشائكة، وإيقاع العقوبات الرادعة جدا على كل من يتورط فيها من أي طرف كان، والتشهير بهم قطعا لدابرهم، وتحذيرا وعبرة لكل من قد تسول له أطماعه وغاياته السيئة ارتكاب ذات الجرم.
إننا أمام معضلة تنموية من العيار الثقيل، ترتبط مخاطرها الوخيمة بأحد أكبر التحديات التنموية خلال الفترة الراهنة، ممثلة في أزمة الإسكان، التي تعمل الدولة ــ أيدها الله ــ على معالجتها وتخفيف حدتها. بناء عليه؛ فإن السماح لآفة الغش العقاري بالاستمرار، وعدم ردعها كما يجب بما تقتضيه أخطارها وآثارها السلبية اقتصاديا واجتماعيا، يعني:
(1) السماح بتفاقم أزمة الإسكان محليا، وارتفاع مخاطرها إلى درجات أعلى مما وصلت إليه حتى تاريخه، ووصولها إلى مستويات عالية جدا تهدد بصورة أكبر مقدرات الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، وتسببها في زيادة تعقيدات وتشوهات بيئة قطاع التطوير العقاري، في الوقت الذي يتم العمل الحثيث عليه نحو تحسين وتطوير وتنظيم هذا القطاع، وزيادة جاذبيته استثماريا للثروات الوطنية ومن خارج الحدود، وكل هذا لا يستقيم معه الحال على الإطلاق في ظل استدامة مثل هذه الأشكال من الغش العقاري، والممارسات المخالفة جملة وتفصيلا.
(2) ويعني أيضا السماح بهدر الجهود والموارد الكبيرة التي بذلتها الدولة في سبيل التصدي لأزمة الإسكان، وهدرا لعملها المستمر والحثيث على مستوى إيجاد الحلول اللازمة لتلك الأزمة التنموية الكأداء، وهو ما يمثل فعليا خسارة مضاعفة لجهود وموارد الدولة، وتعطيلا صريحا لتلبية تطلعات وطموحات أفراد المجتمع عموما.
السؤال الحائر فعلا، والباحث عن إجابة شافية، أمام تفاقم ظاهرة الغش العقاري في المساكن، وتحولها بكل أسف إلى حديث متكرر وواسع بين جميع أفراد المجتمع، وصعودها كأحد أبرز المواضيع الساخنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ومختلف وسائل الإعلام المختلفة: لماذا حتى تاريخه لم يصدر موقف صارم من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة ضد هذه الظاهرة؟! لم يكن مفترضا إهمال آفات وأشكال الغش العقاري لتنتشر وتتحول إلى ما أصبحت عليه بصورتها السلبية الراهنة.
نترقب جميعا تدخلا عاجلا لوقف وردع أشكال الغش العقاري، والتعامل معه بيد حديدية تحمي مقدرات البلاد والعباد، وهو الأمر المأمول في الوقت الراهن من الجهاز الأقوى وصاحب المبادرات الشجاعة، ممثلا في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهو أهل لهذه المسؤولية الوطنية البالغة الأهمية، ليتولى بدوره المجرب والمعلوم اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة، التي تستهدف بالدرجة الأولى محاربة هذه الآفة السلبية، والقضاء عليها بصورة نهائية. والله ولي التوفيق.

إنشرها