الرقمية والاختلافات بين الشرق والغرب «2 من 2»

يعد انخفاض متوسط دخل الفرد في آسيا سببا آخر لهذا الاختلاف. فبالنسبة لعديد من الأشخاص، الاشتراك بباقات الإنترنت يأخذ جزءا كبيرا من ميزانيتهم الشهرية. لذا يكمن الحل في "باقات خفيفة" توفر الولوج إلى المواقع المعروفة دون استهلاك خدمة البيانات بشكل كبير مثل "يوتيوب غو" و"فيسبوك لايت"، و"سكايب لايت".
تبنت بعض المنصات الرئيسة، مثل "فيسبوك"، استراتيجية الشراكة مع شركات الاتصالات المحلية، بحيث توفر خدمة الوصول إلى البيانات مجانا لعدد محدود من التطبيقات، بما فيها التطبيق الخاص بهم.
لا يمتلك عديد من الأشخاص في آسيا حسابات بنكية شخصية، لذا قام مشغلو الإنترنت الإقليميون بسد هذه الفجوة من خلال تطبيقات خاصة تؤمن خدمات الدفع الإلكترونية. ففي الصين، تتم نسبة كبيرة من المدفوعات عن طريق "علي باي" و"تين باي". أما في الهند أطلقت كل من "بايتيم"، الشركة الرائدة في مجال خدمات الدفع الإلكترونية، وتطبيق "هايك" لخدمات الرسائل النصية، أخيرا خدمات الدفع. قدمت هذه التطبيقات في البداية خدمات دفع بسيطة، لكن سرعان ما طورتها مع الوقت لتصبح بوابات دفع متكاملة توفر عديدا من الخدمات المالية، مثل الإقراض.
أيهما الأفضل، الغرب أم الشرق؟ من حيث سهولة الاستخدام، ترجح كفة الميزان إلى آسيا التي تتمتع بميزات أكثر، حيث لا توجد حاجة إلى الانتقال بين التطبيقات، فجميع الخدمات مثل الرسائل النصية والبحث عن منتجات وخدمات الدفع والتوصيل موجودة في مكان واحد. إلا أن العالم الرقمي في آسيا تحكمه قيود أكثر من الغرب، فأغلبية المستخدمين محكومون بعدد محدود من التطبيقات ــ ليس دائما باختيارهم ــ وتمتلك المنصات الرئيسة قوة كبيرة في السوق وحجما كبيرا لبيانات العملاء بالمقارنة مع نظرائهم الغربيين.
المعركة بين الشرق والغرب على سوق الهند
يتصدر اللاعبون المحليون السوق في البلدان الآسيوية الرئيسة، كالصين وكوريا واليابان، لكن بالنسبة للهند الأمر مختلف كون المجال الرقمي لا يزال مفتوحا. وبفضل عدم وجود قوانين تقيد الاقتصاد في الهند، ونموه أخيرا، تحول المشهد إلى ساحة معركة حقيقية بين الشرق والغرب.
حاول عمالقة الإنترنت في أمريكا غزو السوق الهندية من خلال طرح خدماتهم: ولكن من جهة أخرى حاولت الشركات الكبرى في الصين أخذ موقع ريادي في السوق من خلال الدعم والاستحواذ على الشركات المحلية.
في الهند، تستعر المنافسة عندما يتعلق الأمر بخدمات الإنترنت عبر الهاتف الخليوي، ما يحفز على النمو بشكل كبير. حاول كل من "جوجل" و"فيسبوك" تسريع وتيرة النمو. حيث تعمل "جوجل" على تطوير مشروع "لون" و"جوجل ستيشن" التي تؤمن إنترنت سريعة ومجانية لما يقارب 100 محطة قطار في الهند، ليصل العدد فيما بعد إلى 400 محطة. وحاول "فيسبوك" تحفيز النمو من خلال طائرات الدرون والأقمار الصناعية. ويوفر في بعض الأحيان إمكانية استخدام منصته وبعض التطبيقات الأخرى بشكل مجاني عن طريق "فري بيزك" الذي تم حظره أخيرا.
اكتسبت خدمات الدفع عبر الخليوي زخما هائلا في الآونة الأخيرة، عندما سحبت الحكومة ورقة 500 روبية (7 يورو) و1000 روبية ( 14يورو)، التي كانت تمثل 86 في المائة من مجموع الأوراق النقدية سابقا. وبحسب "باي تيم"، فقد حققت الهند نموا يعادل 1000 في المائة خلال ثلاثة أسابيع من سحب العملة من السوق. اليوم أكثر من 50 في المائة من الشركة مملوكة لـ "علي بابا" وشركة "آينت فاينانشيال" التابعة لها. هناك أطراف أخرى تتنافس للحصول على حصة من السوق: حيث أطلقت كل من "واتساب" و"هايك" خدمة الدفع P2P، كما تعد كل من "أمازون" و"سامسونج باي" و"ماستركارد" منافسين أقوياء في السوق.
المنافسة محتدمة أيضا في قطاع التجارة الإلكترونية، حيث باعت "فليبكارت" المجموعة الرائدة في الهند أسهما لـ"تينسينت"، و"أي باي" و"مايكروسوفت" في الجولة التمويلية الأخيرة. كما أعلنت "أمازون" في 2016 عن نيتها استثمار خمسة مليارات دولار في السوق الهندية. وتعزز "باي تيم" تجارتها الإلكترونية باستثمارات من "علي بابا" و"سيف بارتنرز" تعادل قيمتها 200 مليار دولار.
إضافة إلى ذلك، يستثمر الشرق والغرب في عدد كبير من الشركات الناشئة في الهند، حيث وصلت قيمة استثمارات عمالقة الإنترنت في أمريكا خلال العامين المنصرمين إلى أكثر من 1.4 مليار دولار. وبلغت قيمة استثمارات عمالقة الصين في الهند ثلاثة مليارات دولار بما فيها 175 مليون دولار في "هايك".
ماذا يعني ذلك للهند؟ هناك أخبار سيئة وأخرى إيجابية. الخبر السيئ كون الهند كما أوروبا لن تستطيع في الأغلب إنشاء عمالقة إنترنت عالميين. أما الخبر الجيد، فهو وجود منافسة حقيقية بين العمالقة، الأمر الذي يؤدي إلى النمو، وظهور خدمات جديدة وعديد من الاستثمارات. ربما يجب على أوروبا أن تقلل تركيزها على تنظيم عمالقة الإنترنت الأمريكيين، وأن تحفز دخول عمالقة آسيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي