في الذكرى الـ7: ثورة تونس تراوح بين «الصبار» و«الياسمين»

في الذكرى الـ7: ثورة تونس تراوح بين «الصبار» و«الياسمين»

فادي الفقي كان يحلم بمستقبل أفضل حين يكمل دراسته في كلية الطب، في السنوات التي أعقبت ثورة عام 2011.
الآن هذا الجرّاح البالغ من العمر 30 عاما يسعى جاهدا لمغادرة بلده، بعد أن ضاق ذرعا بأوضاع العمل السيئة، واقتصاد فاتر، واعتقاد بأن تجربة هذه الدولة في الديمقراطية أخفقت في تلبية التوقعات.
يقول الدكتور الفقي، الذي يرجو الانتقال إلى ألمانيا في آذار (مارس) المقبل: "أيدتُ الثورة لأنه كان هناك قمع منتشر في البلاد وقدر لا يصدق من الظلم. وظننا أن الثورة سوف تنقلنا إلى مستوى من التعاون والمسؤولية، لكن اتضح لنا الآن أن كل إنسان يفكر في مصلحته، فحسب. والأوضاع الاقتصادية سيئة للغاية، وعملتنا تهوي إلى الأرض".
مشاعره دلالة على الإحباط الذي دفع بمئات التونسيين إلى الشوارع في الأسبوع الماضي، في احتجاجات دامت عدة أيام في في مختلف أنحاء تونس، على نحو يردد صدى الاحتجاجات التي أشعلت ثورة عام 2011.
العامل الذي أثار الاحتجاجات كان الإجراءات في موازنة هذا العام المالي، الرامية إلى رفع سعر البنزين المدعوم من الدولة ، وزيادة الضرائب على السيارات والهواتف الجوالة واستخدام الإنترنت وأشياء أخرى كثيرة. زيادات الأسعار تضغط على الطبقة الوسطى وتؤدي إلى تفاقم الأوضاع السيئة للفقراء.
الاحتجاجات كانت علامة على إحساس أوسع بخيبة أمل أدى إلى هجرة أدمغة عشرات الآلاف من التونسيين المهرة من الطبقة الوسطى، وعدد متزايد من المهاجرين غير الشرعيين الذين يشقون طريقهم إلى أوروبا.
تعتبر تونس المثال الوحيد على تحول ديمقراطي ناجح في العالم العربي منذ انتفاضات عام 2011. وقد تجنبت الهبوط إلى درك العنف بعد أن توصلت القوى السياسية الإسلامية والعلمانية إلى تسوية في عام 2014، ما سمح بعقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
معدل البطالة هو 12 في المائة – ونحو 40 في المائة منهم هم من الخريجين – في حين أن الاقتصاد سجل نموا بنسبة 2.3 في المائة في السنة الماضية.
على هذه الخلفية، فرضت الحكومة إجراءات تقشفية بهدف تقليص العجز في الموازنة، كجزء من صفقة مع صندوق النقد الدولي لتأمين قرض بقيمة 2.9 مليار دولار.
كما قللت الحكومة من التوظيف في جهاز الخدمة المدنية، الذي كان لعقود بمنزلة شبكة سلامة اجتماعية. يقول فوزي بن عبد الرحمن، وزير العمل، إن فاتورة الرواتب في القطاع العام تستهلك 40 في المائة من الموازنة، ووصلت إلى مستوى "لا يمكن استدامته بعد الآن".
يشتكي النقاد من أن حكومة الائتلاف – التي تُقتسَم فيها السلطة بين حزب نداء تونس، الحزب العلماني الرئيسي، وحزب النهضة، الجماعة الإسلامية – أخفقت في تحقيق الإصلاحات الجريئة.
ويقول ناشطون إن الحكومة بدلا من ذلك أدخلت قوانين تهدد المكاسب الديمقراطية في البلد، بما في ذلك قانون يسمح للدولة بالعفو عن المسؤولين الفاسدين من نظام بن علي.
يقول زياد المحضي، المتحدث باسم حملة "فاش نستناو" (ماذا ننتظر)، وهي حركة ناشطة تشارك في الاحتجاجات: "صحيح أن النظام تغير على السطح، وأن ابن علي هرب من تونس، لكن الخيارات الاقتصادية للحكومة لم تتغير، وهي خيارات الاقتراض ولا شيء غير الاقتراض، ومن ثم المزيد من التضييق في الإنفاق العام على حساب الفقراء. ليست هناك مشاريع كبيرة وليس هناك إيجاد للوظائف، والفقراء والمهمشون هم الذين يدفعون الثمن مقابل هذه الخيارات الاقتصادية".
تطالب جماعته بإلغاء الموازنة الحالية، التي وافق عليها البرلمان في الأسبوع الماضي.
ازدادت المتاعب الاقتصادية سوءا بسبب الهبوط الحاد في الاستثمارات الأجنبية وإيرادات السياحة، نتيجة لعوامل اللبس السياسي وهجمات داعش في عام 2015.
القطاع العام ضعيف وعاجز عن استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل. عدم الاستقرار الذي صاحب ولادة النظام السياسي التونسي، في الوقت الذي كان يتنافس فيه الإسلاميون والعلمانيون والمؤسسة القديمة على المناصب، عمل أيضا على إضعاف شهية المستثمرين.
يقول معاذ من "جمعية جسور"، وهي مركز أبحاث: "المستثمرون يرون أن الجو العام لا يشجعهم. وهم يستشهدون بالاحتجاجات في الشوارع، وافتقار الحكومة إلى رؤية واضحة بشأن الإصلاحات الاجتماعية، وتغير القواعد بشأن الضرائب".
ويضيف أن الطبقة السياسية "عجزت عن إنتاج قادة من النوع الذي يمكن أن يعطي الأمل للشباب".
تقرير من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية يقول إن مشاكل تونس تظهر علامات تزايد المهاجرين التونسيين غير الشرعيين، الذين يصلون إلى أوروبا. وقد بلغ عددهم في السنة الماضية 4500 شخص، إلا أنه يتضاءل أمام الهجرة من بلدان أخرى.
ومع ذلك، فإن المجلس الأوروبي يقول إنه أعلى بأربع مرات من رقم عام 2016.
أحمد بن عمور، وهو شاب في السادسة والعشرين من العمر يدرس في كلية التجارة، يقول إنه يريد أن ينضم إلى أفواج المهاجرين إلى أوروبا، حتى وإن كان ذلك يعني المخاطرة بالصعود على قارب لأحد المهربين.
ولا يحول بينه وبين ذلك الخيار الصعب، سوى التردد حتى الآن بسبب مخاوف والديه على سلامته.
ويقول: "أريد أن أعمل وأتزوج، لكني لا أستطيع. أريد أي وظيفة في الخارج. أخي في ألمانيا، وقد أقسم ألا يعود أبدا إلى تونس، وهو لا يحمل حتى مجرد ورقة ناهيك عن شهادة".

الأكثر قراءة