Author

الخدمة الاجتماعية الإلزامية

|


نال خبر تنسيق مرور المنطقة الشرقية مع مستشفى الظهران لإلزام السائقين المتهورين بالالتحاق ببرنامج الخدمة الاجتماعية ومساعدة المرضى تأييدا واسعا وجميلا. وعلى الرغم من أن هذا النوع من الجزاء التربوي الإيجابي ليس جديدا بالكلية، إلا أن تطبيقه أقرب إلى المبادرات الفردية من البرنامج الوطني، خصوصا أنه يقع ضمن خطط التوعية السنوية المرورية، ولا توجد آلية لانتشاره وضمان جودة تطبيقه في المرافق الطبية المختلفة. هناك كذلك ما يسمى بالعقوبات البديلة التي قد تعالج عديدا من الإشكالات مثل التكدس في السجون، وتعزيز الجوانب الإصلاحية والتفاعل المجتمعي مع المخطئ. يتم النظر إلى العقوبات البديلة اليوم كمشروع حقيقي شامل وفعال ولكنه لا يزال واقعيا قيد النظر والتأسيس، إذ إن النظام لم يصدر بعد والقضاة يؤيدونه بشرط آلية التنفيذ العملية.
المدخل الإلزامي لتوسيع ممارسات العمل الاجتماعي منطقي وملائم. خصوصا لبعض الفئات الخاصة، تلك التي لا ترى الحافز الشخصي بعد للقيام بالعمل الاجتماعي أو التي يوفر لها العمل الاجتماعي بديلا إيجابيا للجزاء والعقوبة. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، القيام بعمل اجتماعي بصفة إلزامية لا يشبه القيام بعمل اجتماعي بصفة تطوعية، إذ إن العمل التطوعي الحر مرن، يملك القائم به حرية التخطيط والتنفيذ والمتابعة. ولا ينتظم العمل التطوعي في العادة إلا بانتظام المنظمات التي تقوم به "تطوعا"، وهذه قيمة مضافة يصنعها العمل التطوعي الجماعي المنظم. ولكن، يشترط لنجاح العمل الاجتماعي الإلزامي وجود آلية محددة للالتزام به، وخطط ومهام واضحة يمكن تنفيذها ورصدها ومتابعتها. وهذا بدوره يتطلب وجود هياكل وقنوات فعالة تستطيع استيعاب المُلزَمين بالقيام بهذه الأعمال، واستيعاب حوافزهم المختلفة، وتستطيع فعليا الاستجابة للهدف الذي أوجدهم في ذلك المستشفى أو الشارع.
لا نتحدث بالضرورة عن أفراد محكوم عليهم بالسجن أو سائقين مخالفين لنظام المرور، فالعمل الاجتماعي الإلزامي قد يكون ـــ إذا ما ثبتت فعاليته ــــ أشبه بالتجنيد الاجتماعي الإجباري للطلبة والعاطلين كذلك، به تكتسب المهارات وتدشن التجارب. قد يكون مدخلا لإضافة نجمة صغيرة على كل سيرة ذاتية في المملكة. على الأقل، لتُمنح فرصة العطاء لمن لا يستطيع رؤية الإلهام أو القدوات بسبب الضوضاء أو انشغال من حوله. إن صنع مثل هذه الثقافة قد يكون أكبر مساند للحراك الاجتماعي الإيجابي، فهو يدخل العنصر الغائب ـــ ولو بقدر يسير ـــ إلى معادلة العطاء الاجتماعي ويكمل عمل المتطوعين وأصحاب الأعمال الإنسانية، ويسهم في ترقية الوعي الشخصي والجماعي بأساليب منظمة ودائمة.
واقعيا، الكلام دائما أسهل من التنفيذ. آلية التطبيق الفعالة للخدمة الاجتماعية الإلزامية تقوم على محورين رئيسين: آليات الإلزام، وآليات الاستيعاب. الأولى، شرطها إصدار نظام العقوبات البديلة وتحديث أنظمة تأديب الموظفين والعقوبات المرورية ومثيلاتها من اللوائح إضافة إلى المتطلبات التعليمية بما يناسبها من آليات الالتزام وفرص التنفيذ. أما فيما يخص المحور الثاني، فتحدي الاستيعاب أكبر من تحدي الإلزام بكثير. إذ إن الإلزام بالعمل الاجتماعي لا يصنع البيئة الملائمة له ولا يضمن جودة المخرجات من برامجه. لهذا أقترح أن يتم الاستثمار مبدئيا في الجهات الكبرى الراعية للعمل التطوعي ــــ إذ إنها تملك شبكات وبرامج قائمة مع المؤسسات الإنسانية والخيرية ـــ كي تدير برامج خاصة لاستيعاب الأعداد بشكل تدريجي من مختلف القنوات المُلزِمة للعمل الاجتماعي، سواء كان المُلزَم صاحب حكم جنائي أو مخالفة مرورية أو مجرد شاب يُنتظر منه تطوير مهارته في مجال ما. سيكون الاستثمار في مجال كهذا أجدى بكثير من تكاليف إدارة السجون وستصبح نتائجه ذات فاعلية اقتصادية كبرى على الوعي الاجتماعي والمدني. على الأقل ربما تكون عوائده على السلوكيات المرورية أفضل بكثير من الجزاءات المالية المباشرة. هو بكل تأكيد مدخل لجميع فئات المجتمع للتعرف على العمل الاجتماعي في مرحلة مبكرة، ويفتح أبوابا عدة لترغيب مزيد من الناس في الأعمال التطوعية والاستمتاع بها، ويعزز تبادل العطاء في المجتمع وتعزيز قيمه ومنافعه.

إنشرها